النميمة قوة معطّلة في الوسط الذي تشيع فيه، وهي محصّلة قوى كلامية متنوعة، ومؤثرات صوتية مختلفة النبرة والدرجة سريعة الالتهاب والانتشار..، تملك في ذاتها قدرة هائلة على التشكّل والتسرّب، تتلبّس لبوس النصيحة والليونة حينا، والقوة والتخويف حينا آخر، كما تملك في نفس الوقت التأثير في الآخرين حتى يضيع مصدرها ولا يعرف صاحبها. والنميمة الثقافية هي بهذا المعنى نفسه كما هي في حياة الأفراد وبين الناس، وما يجعلها تتصف بالثقافية هو أنها تكون بين المثقفين والكتاب والمبدعين. وتكون مع الإدارة الثقافية ومؤسساتها وغير بعيد عنها. ومن مؤسسة إلى أخرى يتهاوى التأسيس بفعل هذه النميمة المؤسسة، ويتهاوى بذلك التنظيم وهيبة المؤسسات الجمعية التي تخدم العام والمصالح العامة، وفق ما يوكل لها من مهام وصلاحيات، ولكن عندما تنخر النميمة صلب المؤسسات الإدارية والثقافية تبرز في الحياة قرون الشيطان ونزوات الأنفس المعتلّة، وتسكن الحركة إلى حين عاصفة ما حقيقية أو مفتعلة. وهكذا فشيوع مثل هذا الخلق المشين بين الناس يفسد العلاقات ويغذّي التوتّرات، وهو بالمؤسسات الاجتماعية والإدارية والثقافية أكثر ضررا وأفتك على حياة الفرد والمجتمع، ومؤسساته الرسمية. فمن خلاله تتهاوى ركائز المجتمع وجُدره ومن ثمة يسري الضعف والهوان في القيمة المعنوية لمختلف الروابط الجمعية الرسمية العامة على مختلف المستويات والتدرّجات الأفقية والعمودية، وهنا تكمن الخطورة الرهيبة لتفشي مثل هذه الأورام الخبيثة، والتي قد لا ينفع معها إلا الوقاية من البداية والكثير من الصبر والالتزام برفعة الخدمة العامة المجرّدة واحترامها بعيدا عن النزوات النفسية والنفعية، والأفق الضيق وتسطيح الأهداف والبرامج، وتزيين الأوضاع أمام المرايا وعلى الأوراق. وما ينبغي حصر النميمة الثقافية فيما يمكن أن يحدث بين الأدباء والكتاب والمبدعين من تنافس وتنابز، قد يندرج ضمن الغيرة بينهم والحساسية الموجودة بطبيعتها وبقدرها في الكائن البشري ولكنها حينما تستحكم في شخص المسؤول أو في (فريق العمل) المشتّت بأقسامه ومصالحه ومكاتبه يكون المنتوج بالضرورة مهلهلا ومتذبذبا، لا يخدم الموظف ولا مؤسسته، ولا يقدم شيئا للفرد ولا للمجتمع غير الفراغ تضييعا للوقت وتفويتا للفرص. وليس هذا استعجالا للنتائج واستباقا للأحداث ومغالاة في التيئيس والتشاؤم، باعتبار أن الثقافة والفنون تخاطب وجدان الإنسان وتهدف في النهاية لتشكيل الوعي ورفعة الذوق، والزمن الطويل عامل أساس في هذه الصناعة، فأثرها غير مباشر ولا ينتظر بعد حين. ولكن هناك فارقا لا تغفل عنه البصيرة ببن الجسد النابض بالحياة وبين الجثة الهامدة بعد خروج الروح، وإن بدت هذه الجثة مترنّحة راقصة على مسرح الحياة. فالنميمة الثقافية قوّة خارقة معطّلة، وهي رصاصة مطاطية أكيدة المفعول لا تقتل ولكنها لا تبقيك حيا.