العالم أجمع شدته القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ مجيئه الى البيت الأبيض قبل نحوعامين، ويسجّل باستغراب التغييرات العميقة التي طرأت على السياسة الخارجية الامريكية، والتي جعلت الكثير من المراقبين السياسيين يعتقدون بأن ترامب غيّر بالفعل النظريات التقليدية التي تحكم العلاقات الدولية، وهوبصدد وضع أسس جديدة للسياسة الخارجية تقوم على القوة والتهديد والاعتماد على معادلة الربح في الاقتصاد والسياسة. للإحاطة بمختلف جوانب السياسة الخارجية للإدارة الامريكية الحالية، حاورت «الشعب» السيد فؤاد جدو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بسكرة، فكانت الأجوبة التالية. «الشعب»: منذ قدوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الحكم قبل نحو سنتين، سجّلت السياسة الخارجية الأمريكية مواقف ومتغيّرات غير مسبوقة، فما الذي قاد إلى هذا التغيير؟ الأستاذ فؤاد جدو: من الملاحظ أن السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس ترامب عرفت تحولات على الأقل من حيث الأسلوب، رغم محافظة الخارجية الأمريكية على توجهاتها الكبرى والتي تتعلق أساسا بالحفاظ على المصالح الحيوية والإستراتيجية الأمريكية في العالم، إلى جانب دعم إسرائيل وأمنها، إلا أن الرئيس الحالي دونالد ترامب اعتمد على إبعاد وإضعاف وزارة الخارجية الأمريكية على حساب الاعتماد على وزارة الدفاع في قراءة جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية التي يراد لها أن تقوم على محدد أساسي وهوالمحدد الأمني العسكري لمعالجة القضايا العالمية، بدلا من استخدام الدبلوماسية وهذا ما يجعل الإدارة الأمريكية الحالية بعيدة عن التقاليد التي عرفتها السياسة الخارجية الأمريكية في معالجة مثل هذه القضايا، فنجد أن الرئيس ترامب أراد أن يفرض توجهاته في السياسة الخارجية، منذ بداية تعيينه، وهذا يبدو جليا من خلال شغور العديد من المناصب الحساسة في وزارة الخارجية وكذا السفراء، كما إتجه إلى خفض عدد الموظفين في العديد من القطاعات والإدارات بهدف التقليل من المصاريف، لكن من خلال القرارات التي أصدرها تتضح من يوم إلى آخر رغبته في تغيير السياسة الخارجية الأمريكية نحو تفعيل القوة والتهديد بها واستثمارها في القطاع الاقتصادي، بحيث لا تكون الحماية الأمريكية لبعض الدول بدون مقابل، بل بعائد مادي، وهذا كله في إطار المصلحة التي تحرك السياسة الخارجية الأمريكية. تراجع عن التزامات دولية سابقة خطيرة ترامب أتى على كل ما بناه من سبقوه الى البيت الابيض، فمزّق الاتفاق النووي الإيراني، وانسحب من اتفاقية المناخ، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ما تفسيركم لهذه القرارات؟ في الحقيقة لم تكن هذه القرارات مفاجئة للرأي العام المحلي أوالدولي فهي عبارة عن ترجمة لوعود ترامب، خلال حملته الانتخابية، التي يدعمها قطاع من الأمريكيين ممن ينتمون إلى اليمين وكذا اليهود الأمريكان وأصحاب المصالح على مستوى واحد، وهؤلاء لهم وزن كبير في حسم العديد من الملفات الداخلية وقد قدموا دعما لترامب خلال حملته هذا من جانب، ومن جانب آخر دونالد ترامب يعتبر رجل أعمال تغلب عليه النزعة المالية في تعاملاته، وهذا انعكس أيضا على السياسة التي ينتهجها، وهنا نجد أن الرئيس الأمريكي أقدم على هذه القرارات من خلال قناعات سبق وأن أعلنها كوعود وترجمها على أرض الواقع، فتبريره لخروج الولاياتالمتحدة من اتفاقية المناخ هو أن الانبعاثات الغازية غير مثبتة علميا، بل هي ادعاءات فقط وإلى حين التأكد منها سيتم إعادة النظر في الاتفاقية، وركز على أهمية تفعيل الاقتصاد الأمريكي الذي يواجه منافسة قوية خاصة من طرف الصين، ونفس الشيء بالنسبة للاتفاق النووي فهو يرى بأن إيران لا تزال تشكل تهديدا لدول المنطقة وخاصة إسرائيل، وبالتالي فالرئيس الأمريكي ينطلق من الشرعية التي اكتسبها من الناخب الأمريكي إلى جانب القوى التي ساندته في حملته الانتخابية وطبيعة النظام السياسي الأمريكي «الرئاسي» الذي يعطي وزنا كبيرا للسلطة التنفيذية. دونالد ترامب يبدو كلاعب وحيد في ملعب عالمي شاغر، فيما تبدو أوروبا والغرب عموما عاجزين عن مواجهة قراراته؟ الدول الأوروبية تتعامل مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ليس كلاعب وحيد، بل كشريك في بعض القضايا ووسيط في قضايا أخرى ومنافس في جانب آخر، فالتغير الذي حدث في السياسة الخارجية الأمريكية التي أصبحت تميل إلى نزعة القوة والتهديد والاعتماد على معادلة الربح في الاقتصاد والسياسة، جعل الطرف الأوروبي يراعي التوازنات الدولية والإقليمية حتى لا يخسر الولاياتالمتحدةالأمريكية من جهة ويحافظ على توازناته الإستراتجية من جهة أخرى، خاصة الملفات الحساسة كالملف الفلسطيني والملف النووي. ودخل الطرف الأوروبي منافسا لأمريكا بعد القرارات التي اتخذها ترامب في مجال التصدير واستيراد السلع من الاتحاد الأوروبي بهدف حماية الاقتصاد الأمريكي، وهذا ما جعل المنافسة تشتد أكثر بينهما، فالمسألة مرتبطة بتموقع الأطراف في العلاقات الدولية، فأوروبا تراعي مصالحها خاصة مع الطرف الإيراني بهدف المحافظة على موقعها كوسيط منذ عقد من الزمن في الملف الإيراني، وبالتالي ترى بأن تراجع ترامب عن الاتفاق النووي يعقد من المشاكل والوضع في المنطقة وهي لا تريد لأوروبا العودة إلى نقطة الصفر ولا تريد أن تتموقع مع الطرف الأمريكي حتى تبقي على الثقة كطرف وسيط في العلاقات الدولية. حرب اقتصادية مفتوحة ومفاجآت الرئيس الأمريكي، لم يتردّد في فرض عقوبات على روسياوالصين دون أن يكترث بعظمتهما، كيف تقرؤون هذه المسألة؟ بالنسبة للعقوبات الأمريكية على الصين، تدخل في إطار توجه الولاياتالمتحدةالأمريكية نحو كبح التطور الاقتصادي الصيني ومنافسته للاقتصاد الأمريكي. فالرئيس ترامب يريد أن يضغط على الصين من نقطتين، الأولى وهي تحييد الملف الكوري الشمالي من خلال دخول أمريكا في مفاوضات مباشرة وبالتالي إضعاف الدور الصيني في المنطقة وعدم استغلال الصين الملف الكوري الشمالي للضغط على أمريكا في معالجة المشاكل الاقتصادية، أما النقطة الثانية فهي توجيه عقوبات مباشرة للصين للتأثير على قدراتها التجارية وبالتالي الاقتصادية، ومع هذا فإن أطرافا عديدة لم تلتزم بهذه العقوبات واعتبرتها إجحافا وغير مبررة وتدخل في إطار المصالح الأمريكية وليس لأجل الأمن والسلم الدوليين، وهذا ما دفع بالصين إلى عدم التعامل بالدولار كرد فعل على هذه العقوبات إلى جانب كل من تركياوروسيا. أما العقوبات على روسيا فهي متعلقة بملفات عديدة كملف الجاسوس الروسي والملف السوري ولكن هذه العقوبات التي فرضتها انعكست في الأساس من جانب آخر على التقارب الثلاثي الروسي التركي الإيراني في المجالات الاقتصادية والتجارية. الفوضى الخلاّقة، ماذا بعد؟ علاقة غير واضحة تربط ترامب بالمنطقة العربية وتحديدا ببعض الأنظمة، ما تفسيركم ؟ السياسة الخارجية الأمريكية لم تتغير اتجاه المنطقة العربية لأنها تتعامل مع نفس الملفات، مثل الملف الفلسطيني وأزمات ما يعرف ب «الربيع العربي» والنفط، وبالنسبة للقضية الفلسطينية، ترامب زاد من ميله نحو الطرف الإسرائيلي، وهوأمر متوقع خاصة مع توقيفه للمعونة الأمريكية للأونروا، وكذا نقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، وبالتالي نقل الموقف الأمريكي المتحيز للعلن بعدما كان مغلفا بالإطار الدبلوماسي. المنطقة العربية، منطقة حيوية بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية التي ترى أن العلاقة لا يجب أن تكون علاقة إستراتيجية بل علاقة اقتصادية عسكرية، أين يتم تقديم الدعم الأمني مقابل تسهيلات اقتصادية وهذا توجه جديد، من جانب آخر الولاياتالمتحدة لم تعط أهمية كبيرة للملف السوري فهي تفضل التموقع الاستراتيجي في الشمال للمناورة السياسية مع الأطراف المتدخلة في هذا الملف، وبالتالي لم تعد الولاياتالمتحدة تتبنى نفس السياسة السابقة في المنطقة من خلال لعبها دور وسيط للسلام ودعم الأطراف للحوار وتعميق العلاقات الاقتصادية، بل ما يهمها في المرحلة الحالية هوحسم القضايا من خلال القوة والتهديد. كلمة أخيرة عمد ترامب من خلال سياسته الجديدة إلى إعادة النظر في بعض المنظورات التقليدية في العلاقات الدولية وخاصة العولمة و»الجيوبولتيك» الجديدة، إلى جانب العودة إلى القوة ومراجعة فكرة التكتلات الإقليمية، فترامب راجع اتفاقية نافطا بين بلاده وكندا والمكسيك، كما راجع اتفاقيات التجارة، وهنا نجد أن الولاياتالمتحدة تتجه نحوالتفرّد في القرارات الخارجية من خلال فرض العقوبات الاقتصادية، لكن من منظور آخر نجد أن هذه القرارات تقابلها الندية من أطراف أخرى كروسياوالصين وحتى الطرف الأوروبي، فكلما فرضت عقوبات ردت هذه الدول صراحة برفضها وعدم التزام دول أخرى بها، وهذا يدل على تراجع هيمنة الولاياتالمتحدة من منطق الأحادية القطبية واعتبارها ابتزازا أكثر منها أداة دبلوماسية لحل القضايا الدولية بصورة توافقية، ويمكن أن تكون الانتخابات التشريعية «النصفية» الأمريكية الأخيرة صورة أخرى لبداية المعارضة الداخلية لسياسة ترامب، لكن هذا يبقى محدودا في طبيعة النظام السياسي الأمريكي.