● ”عين إدارة ترامب في السنة الأولى ستكون أكثر على الصينوروسيا ● ”لن يكون هناك تغيير يُذكر في إفريقيا” أكد جو معكرون، الباحث في المركز العربي بواشنطن، أنّ القلق من ولاية دونالد ترامب مبرر، لكن يجب أن لا يستمر بعد 20 يناير، ولفت إلى أنّ التحديات الخارجية هي التي ستصنع رئاسة ترامب وليس العكس. وعن السياسة التي قد ينتهجها الرئيس الأمريكي المنتخب حيال القارّة السمراء، قال معكرون إنّ المصالح الأميركية في إفريقيا ثابتة ولن يكون هناك على الأرجح أي تغيير يُذكر. وأوضح معكرون الباحث المختص في الشأن الأمريكي والشرق الأوسط فى حوار ل”الفجر” أنّه لا يتوقع تغيرا كبيرا في مجمل معالم السياسة الأميركية حيال سوريا، وأنّ عين الإدارة الأمريكية الجديدة ستركز أكثر على الصينوروسيا في ظل الصراع البيروقراطي والاستخباراتي في واشنطن حول هذين الملفين، وإليكم نص الحوار...
تفصلنا ساعات عن تاريخ 20 يناير، موعد تسليم الرئيس باراك أوباما السلطة لخليفته دونالد ترامب. لكن توجهات الرئيس الأمريكي المنتخب وفريق إدارته، باتت مصدر فز ع للملايين في أمريكا والعالم. برأيكم هل سيدير الرئيس الأمريكي المنتخب العالم مثلما يدير شركاته؟ القلق من ولاية دونالد ترامب مبرر، لكن يجب أن لا يستمر بعد 20 يناير. تنصيب ترامب رسميا ينهي ترفه في الاعتراض على كل شيء وينقله إلى موقع القرار والمسؤولية في البيت الأبيض. إذا استمر في تحدي الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي سيجد نفسه في عزلة مع حلفاء واشنطن التقليديين، وسيلاقي اعتراضات من البيروقراطية الأميركية وحتى من مستشاريه. تكتيك ترامب الذي يحمله من عالم التجارة أنه يصعّد في ملف بهدف الحصول على تنازل في ملف آخر، لكن لا يمكن إدارة واشنطن والعالم بعقلية شركة تجارية. مع مرور الوقت سيتأقلم ترامب أكثر وأكثر مع نظام الحكم في واشنطن لكن بطبيعة الحال سيضع بصمته على سياسة أمريكا الداخلية والخارجية. وعلى العالم الذي يتابع السياسة الأميركية بقلق هذه الأيام، أن يدرك بأن واشنطن لا يمكن اختصارها بشخص، حتى لو كان رئيس البلاد، وان هذه المدينة على وشك الدخول في صراع داخلي على مفاصل الحكم وحول السياسات المتبعة، وبالتالي قدرة ترامب على تغيير العالم ستكون محدودة في المدى المنظور. والتحديات الخارجية هي التي ستصنع رئاسة ترامب وليس العكس. ماذ لو نفّذ ترامب وعوده بشأن المهاجرين؟ أصبح واضحا منذ فترة أن جزءا كبيرا من شعارات ترامب الانتخابية المتعلّقة بالهجرة غير قابل للتنفيذ، لا عبر البيروقراطية الأميركية، ولا في ظل الأجواء المشحونة في المجتمع الأميركي. حتى الآن، تراجع عن طرد كل المهاجرين غير الشرعيين لأن العملية مكلفة ماليا وسياسيا وستؤدي إلى كارثة إنسانية، واكتفى بإعلان نيته طرد المهاجرين غير الشرعيين الذين لديهم سجلا إجراميا. العنصر الأهم في حملته كان الحائط على طول الحدود مع المكسيك، وقد بدأ الاعداد لهذا المشروع في الكونغرس الأميركي، لكن لا يزال هناك عوائق كثيرة في التفاصيل والتمويل. طبعا فكرة حظر دخول المسلمين إلى الولاياتالمتحدة ليست في جدول الأعمال، لكن هناك اتجاه لتشديد القيود على المسافرين إلى الولاياتالمتحدة، لا سيما من البلدان المضطربة في الشرق الأوسط. نحن على أبواب مرحلة تتسم بالنظرة المحافظة حيال قضايا الهجرة لكن هذا لا يعني أن هناك تعديلات جوهرية على نظام الهجرة الأميركي الذي لا يزال عصيا على التغيير نتيجة الانقسام بين المشرّعين الديمقراطيين والجمهوريين حول هذه القضية. هل يمكن التنبؤ بسياسات ترامب تجاه العرب وإفريقيا والمغرب العربي تحديدا؟ من المبكر توقع ملامح السياسة الخارجية لترامب، لأنه رئيس يأتي بدون عقيدة أو رؤية واضحة للعالم، وبالتالي هذه السياسة الخارجية ستكون نتاجا لصراع مستشاريه. انحيازه لإسرائيل في الأسابيع الأخيرة ليس مؤشرا إيجابيا ولا يبدو أنّه مهتم بمتابعة القضايا العربية بل سيكتفي في المدى المنظور بالتركيز على ”داعش”، وعلى الأرجح سيكتفي في العام الأول على الأقل بالتشدد في تطبيق الاتفاق النووي الإيراني بدل محاولة توقيف مفاعيله. ما سيحمله من جديد هو إقامة علاقات أمريكية أفضل مع الحكومة المصرية وعلى الأرجح سيستمر الجفاء في علاقة واشنطن مع الرياض، والسؤال الأهم هو كيف ستتعامل إدارة ترامب مع النفوذ الإقليمي لإيران. أما بالنسبة إلى شمال إفريقيا، المصالح الأميركية هناك ثابتة ولن يكون هناك على الأرجح أي تغيير يُذكر. عين إدارة ترامب في السنة الأولى ستكون أكثر على الصينوروسيا في ظل الصراع البيروقراطي والاستخباراتي في واشنطن حول هذين الملفين. هل سيتغير الموقف الأمريكي من سوريا أم سيطول أمد الحرب؟ لا أتوقع تغيرا كبيرا في مجمل معالم السياسة الأميركية حيال سوريا، أي التركيز على ”داعش” وعدم التورّط في الحرب السورية. الفارق الأكبر سيكون في أمرين: أولا اتجاه لوقف بقايا برنامج الدعم العسكري للمعارضة السورية المسلحة، والثاني الإقرار بتلزيم الملف السوري لروسيا وتركيا. أما العنصر الغامض حتى الآن هو إذا ما ستستمر إدارة ترامب في دعم الفصائل الكردية السورية في حربها على ”داعش” مع ما يؤثر ذلك في العلاقة مع أنقرة او ستوافق على الصفقة التي عرضها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أي حرب تركية مباشرة ضد ”داعش” بالتعاون مع واشنطن مقابل إنهاء الدعم الأميركي للأكراد في سوريا. على الأرجح القيود نفسها التي واجهت إدارة باراك أوباما ستواجه إدارة ترامب في سوريا، لا سيما محاولة التوازن بين التحالف مع تركيا وعلاقة الثقة بين واشنطن والأكراد. هناك لأوّل مرّة رغبة إقليمية ودولية لإنهاء الصراع المسلح في سوريا، لكن ليس واضحا بعد إذا كان المتحاربين المحليين مستعدين أو راغبين في إجراء تسوية داخلية. ما مدى مصدقية تصريح ترامب بأنّ إدارة أوباما هي من أوجدت داعش؟ طبعا لا مصداقية حرفية لهذا التصريح الذي يندرج ضمن المعارك الرئاسية الأميركية، التي تُستخدم فيها عادة كل أنواع الأسلحة المُتاحة بين المتنافسين. أما بالنظرة الأشمل، فهناك ما يكفي من اللّوم على ما حصل في العراق، من الغزو عام 2003، مرورا بقرار حل الجيش العراقي وصولا إلى الانسحاب الذي ترك فراغا في بغداد. بعدها كان الصراع السعودي-الإيراني وهشاشة النظام العراقي نفسه وغيرها من العوامل التي أدت إلى بروز ”داعش”. مسؤولية إدارة أوباما كانت في ردها البطيء وعدم أخذها بجدية مخاطر بروز منظمة مثل ”داعش” التي تستغل الفراغ على طول الحدود العراقية-السورية وتفرض ايقاعها في بلاد الشام. حركة فتح تقول: ”نقل السفارة الأميركية للقدس سيفتح أبواب جهنم” ما تعليقكم؟ ليس من مصلحة أحد فتح ”أبواب جهنم”، لا سيما الطرف الفلسطيني لأنه الحلقة الأضعف الآن في الصراع مع الإسرائيليين. هذا لا يعني أنه لا يجب أن يكون هناك استعدادا فلسطينيا للرد على أي خطوة لإدارة ترامب تتناقض مع المصلحة العليا الفلسطينية. الاتجاه حتى الآن هو نقل مكتب عمل السفير الأميركي الجديد إلى القدس بدون نقل السفارة نفسها. لا بد من تقييم كلام وخطوة ترامب حول نقل السفارة الأميركية إلى القدس من باب اللعبة الداخلية في واشنطن حيث هناك اعتراض يكفي على خطوة نقل السفارة، حتى من فريق ترامب نفسه. الأفضل للقيادات الفلسطينية عدم الإفراط في ردة الفعل والمغامرة بالتعاطف المتزايد مع القضية الفلسطينية في واشنطن، لا سيما بين الديمقراطيين. أعلن ترامب أنه سيرفع العقوبات على موسكو، لكنه تراجع وقال أنّ ذلك سيكون بشروط. هل تعتقدون أنه سيساوم موسكو مثلما يسعى مع بكين بشأن تايوان ؟ لا نزال في مخاض بلورة نظرة الإدارة الجديدة إلى العلاقات مع الصينوروسيا بطريقة يتفق عليها فريق ترامب المتعدد الآراء وبطريقة تقبلها المؤسسة الحاكمة. ما يريد ترامب من بكين هو تسوية حول التبادل التجاري وتحديد سعر عملية اليوان، مقابل عدم التلويح بملف تايوان وعدم تحدي نفوذها في بحر الصين الجنوبي. الخطاب المعادي للصين هو حتّى الآن الأكثر وضوحا في المرحلة الانتقالية لإدارة ترامب، لكن لا يتحمّل الطرفين تصعيد المواقف لأن هناك مصالح اقتصادية ومالية مشتركة وهناك حاجة أميركية لمساعدة الصين في ملف كوريا الشمالية. أمّا في روسيا فالوضع مختلف، لأنّ ترامب يسعى لعلاقات أفضل مع موسكو، لكن تلاقي هذه المحاولة اعتراضا علنيا من المؤسسات الحاكمة في واشنطن، وبالتالي بدأ ترامب يظهر ليونة بأنه سيحتفظ بالعقوبات على روسيا في الفترة الأولى، بالتزامن مع محاولته عقد تسويات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كيفية التعامل مع تحديات الصينوروسيا ستكون عنوان إدارة ترامب والبوابة لفهم عقيدتها. لماذا عدم إدانة روسيا بخصوص عملية القرصنة خلال الحملة الانتخابية بالرغم من إجماع الاستخبارات على ذلك؟ المشكلة هنا ليست بالقرصنة كفعل، بل بتقييم استخباراتي لا يمكن لترامب أن يقبله، لأنه بكل بساطة يُشكَّك بشرعية انتخابه. ترامب قام بتنازل جديد مؤخرا وأقر بحصول القرصنة، لكنّه لا يزال يرفض التقييم أنّ التدخل الروسي كان يهدف وأدّى إلى تحسين فرص فوزه في الانتخابات. هذا التقييم تقوده وكالة الاستخبارات المركزية، التي يتحفظ ترامب على خلاصة تحقيقها، فيما الحزب الديمقراطي على الضفة الأخرى لديه تحفظ على دور مكتب التحقيق الفيدرالي في ملف البريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية السابقة والمرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون. هناك صراع سياسي بشقين في واشنطن الآن، الأول نتيجة تداعيات الانتخابات على العلاقة بين الحزبين الرئيسيين، والثاني حول طبيعة السياسة الأميركية حيال موسكو في المرحلة المقبلة. التحقيق حول القرصنة الروسية هو في صلب هذا الصراع.