مع استمرار الاضطرابات والانتفاضات في العديد من الدول العربية، لا تزال أسعار النفط في الأسواق العالمية تسجل مستويات مرتفعة منذ بضعة أشهر مضت، ورغم التراجع النسبي في الأسعار، إلا أنها تظل مرتفعة، وذلك عند بداية تعاملات الاسبوع الجاري، حيث تجاوز خام البرنت 124 دولار للبرميل. وعند افتتاح تعاملات أمس سجل خام البرنت تراجعا طفيفا ليصل إلى 123،10 دولار للبرميل، غير بعيد عن الرقم القياسي المسجل قبل أسابيع قلائل مضت، وذلك تماشيا مع بعض التصريحات من وزراء في منطمة الأوبيك حول التداعيات غير الايجابية المحتملة على تطور الاقتصاد العالمي. ولعل أبرز تصريح جاء على لسان أحد المسؤولين على شركة أرامكو السعودية، الذي عبر عن عدم ارتياح بلاده من القفزات النوعية لأسعار النفط، وما قد ينطوي عليها من آثار قد تؤدي إلى تراجع انعاش الاقتصاد العالمي الذي بالكاد يكاد يخرج من دائرة الخطر، متأثرا بأزمة مالية عالمية منذ حوالي ثلاث سنوات. المسؤول السعودي الذي كان يتحدث في مؤتمر يعقد حاليا بكوريا الجنوبية، حول صناعة النفط، لم يشر الى الاجراءات التي سيتم اللجوء إليها من أجل تفادي الوقوع مجددا في دائرة الخطر والانكماش الاقتصادي، على اعتبار أن السعودية تعد أكبر مصدر للنفط، وحاولت منذ اندلاع الأحداث وما نجم عنها من ارتفاعات متتالية للأسعار، التأثير عليها من خلال ضخ المزيد من النفط، رغم علمها بأن السوق النفطية متخمة ولا تحتاج إلى المزيد منها، ومع هذا فقد سعت إلى تهدئة الأسواق النفطية التي عرفت أوج تذبذبها منذ اندلاع أحداث ليبيا على وجه التحديد. وضعية السوق المتخمة دفعت بالسعودية إلى إعادة النظر في حجم إنتاجها الذي سجل مستوى قياسيا في فيفري الماضي بتجاوزه 9 ملايين برميل في اليوم، لمواجهة ما اعتبرته نقصا ناجما عن توقف امدادات النفط الليبية بشكل كبير، حيث أعلنت عن تقليص انتاجها في مارس الماضي، تحت مبرر وجود فائض في المعروض، لكن يبدو أن الانتاج الزائد للسعودية الذي جاء لتعويض النفط الليبي لم يجد من يطلبه على اعتبار أنه لا يضاهي من حيث جودته نوعية النفط الليبي العالي الجودة، ولهذا اضطرت السعودية إلى خفض انتاجها على الرغم من أن الأسعار لا تزال مرتفعة. السعودية ومن خلال تصريحاتها حول قدرتها على سد العجز في المعروض النفطي، إنما تريد أن تبعث برسائل تطمينية إلى الأسواق النفطية ومن ورائها الدول الاستهلاكية الكبرى والتي تأتي في مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية. خاصة وأنها تتوفر على طاقة انتاجية هامة تقول أنها قد تصل إلى 12،5 مليون ب / ي عام 2015. غير أن هذه التطمينات لم تكن لها الآثار المباشرة على مستوى الأسعار التي تظل مرتفعة، وبدأت تثير قلقها من تداعياتها على الاقتصاد العالمي، وهو اعتراف ضمني بعدم قدرتها لوحدها على تسيير الأزمة الناجمة عن اضطراب السوق النفطية، رغم أنها كانت السباقة لارضاء الغرب في سعيها لامتصاص أية آثار سلبية قد تنجم عن حدوث اختلال في العرض والطلب. وشمل سعي العربية السعودية تلبية احتياجات الغرب من النفط، محاولاتها رفع طاقتها التكريرية، قالت أنها ستزيد بنسبة 50٪ لتصل إلى ستة ملايين ب / ي دون تحديد أية آجال لذلك، وذلك بالنسبة لشركة أرامكو السعودية، بينما تتوقع رفع انتاجها من الغاز الطبيعي إلى 14 مليار متر مكعب يوميا في الخمس سنوات القادمة.