نجحت العروض الأولى والأسابيع الثقافية الوطنية والدولية المقدمة في إطار تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية في وصل حبل الود بين الجزائريين ودور الثقافة والمسارح وقاعات السينما بعد أن انقطاع وهجرة دامت سنوات لعدة أسباب واعتبارات، حيث ما فت يتزايد عدد الزوار يوميا منذ انطلاق التظاهرة لمختلف المعارض ودور الثقافة والمسرح المنتشرة بالمنطقة من أجل متابعة إبداعات الفرق والدول المشاركة في هذه المناسبة. ولعل أي زائر لعاصمة الزيانيين، بإمكانه مشاهدة حركية المشهد الثقافي بالمنطقة وانتعاشه .. ربما يكون حجم التظاهرة الدولية أحد الأسباب في بعث كل هذه الحيوية بجوهرة تلمسان التي تزينت بأبهى حلة لاستقبال زوارها، كما يمكن أن يكون التعطش لمثل هذا الفعل الثقافي أحد الأسباب بعد أن غاب لعدة سنوات من قاموس الجزائريين بمختلف انتماءاتهم الجغرافية، خاصة في العشرية السوداء حيث قل اهتمامهم على مدار عقد من الزمن بدور السينما والثقافة وقاعات المسرح التي أغلقت أبوابها في وجه جمهورها ما أدى بالعائلات الجزائرية إلى هجرانها وتفضيل مشاهدة القنوات الفضائية الخارجية أو متابعة الأفلام عن طريق الفيديو. مشاريع تعيد حياة الأمراء إلى يوميات التلمسانيين سمحت المشاريع العديدة التي سطرتها وزارة الثقافة من أجل احتضان هذا الحدث الهام بإعادة بعث العديد من القصور والمباني ذات الدلالات التاريخية العميقة، وبالتالي إعادة إحياء المشهد الثقافي الغائب الحاضر في المنطقة وهي المشاريع التي أعادت إلى ذاكرة التلمسانيين والمواطنين الزائريين لها حياة أمراء الزيانيين والحكام العثمانيين فبين المشور أحد قصور الزيانيين ورائعة المدرسة التشفينية التي أقيمت على أنقاضها بناية ضخمة في عهد الاستعمار الفرنسي و حولت إلى المتحف الوطني للفن والتاريخ مؤخرا بعد أن ظلت لسنوات مقرا لبلدية تلمسان، وبين الجامع الأعظم الذي بني في عهد يوسف بن تشفين مؤسس الدولة المرابطية و مسجد أبو الحسن بن يخلف التنسي الذي حول إلى متحف وغيرها من المعالم والآثار تفاصيل مثيرة عن يوميات أمراء وأعيان وفقهاء مروا بتلمسان وأسسوا ذات يوم حضارة بقيت شواهدها لحد الآن تروي للأجيال المتلاحقة مكنونات وإبداعات الأجداد وتؤرخ لتاريخ أنهكته الأطماع والحروب، فجميع تلك الشواهد والآثار تعرضت إلى التهديم ومحاولات طمس معالمها التاريخية في عهد الاستعمار الفرنسي، انتهت بتحويل البعض منها إلى إسطبل للخيول مثل مسجد ابن سعيد عثمان الزياني المعروف باسم أبو الحسن بن يخلف التنسي، أو إلى كنيسة مثل المسجد الزياني الذي بناه أبو حمو موسى الأول في القرن 14 بساحة قصر المشور ويحتضن حاليا متحف الطقوس الإسلامية من ملابس وأدوات استعملها الجزائريين في فترات مختلفة. كما ساهمت المراكز ودور الثقافة التي أنجزت خصيصا لاحتضان التظاهرة على غرار المركز الثقافي الضخم ببلدية المنصورة التاريخية الذي يضم قاعة للمحاضرات تتسع ل 1000 مقعد وساحات للعروض وعدة حجرات للبحث والدراسات و المركز الإسلامي الجديد الذي يشمل مدرجا للمحاضرات ومكتبة وخمس قاعات لاحتضان الأنشطة العلمية المتنوعة بالإضافة إلى جناح لتعليم القرآن للبنين والبنات وكبار السن فضلا عن قاعة للانترنت وقاعة متعددة الخدمات، إضافة إلى مركز الدراسات الأندلسية الذي يعتبر الأول من نوعه في الجزائر والمغرب العربي والذي أنجز على النمط المعماري العربي الإسلامي في إعطاء دفع جديد للمشهد الثقافي بالمنطقة واستقطاب اهتمام التلمسانيين وسكان الولايات المجاورة وحتى البعيدة، فلا طول المسافات منعت هؤلاء من التنقل إلى عاصمة الزيانيين للتعرف على عادات وتقاليد أحفاد اغمراسن، وتاريخ أجدادهم. عائلات متعطشة للأصالة وأخرى تتابع العروض وهي واقفة العروض الفنية والأنشطة الثقافية التي أقيمت خلال تواجدنا بعاصمة الزيانيين لتغطية جزء من تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية سواء كانت جولات موسيقية لمختلف المطربين الجزائريين القادمين من ولايات الوطن والعروض السينمائية التي قدمت بدار الثقافة عبد القادر علولة أو العروض المسرحية لمختلف المسارح الجهوية والوطنية والتعاونيات المحترفة سمحت هي الأخرى بإنعاش الفعل الثقافي بولاية تلمسان، حيث لم تستوعب تلك المراكز والدور عدد الزوار القادمين من مختلف المشارب للتمتع بالعروض الفنية والنشاطات الثقافية المنظمة بالمناسبة. وبدار الثقافة عبد القادر علولة شهدنا التدفق الواسع لسكان تلمسان حتى أن الكثير من العائلات اضطرت خلال عرض الأوركسترا السيمفونية الوطنية إلى متابعة رائعة ''محمد يا رسول الله'' واقفة واستمرت في متابعة العروض دون أن تتذمر أو تستاء، وشاهدنا كيف تجاوب الجمهور مع الحفلة إلى درجة أن البعض ذرف الدموع تأثرا بالرسالة التي حاولت الأوركسترا إيصالها عن طريق روائع استمدتها من التراث الإسلامي العريق مع إضفاء عليها لمسة سحرية زواجت فيها بين الأصالة والحداثة. وقال مدير دار الثقافة عبد القادر علولة السيد الطاهر عريس، ونائب رئيس دائرة الجولات والمهرجانات الموسيقية في حديثه للشعب، أن الدار تسجل إقبالا قياسا من طرف العائلات والشباب خاصة خلال نهاية الأسبوع ، وصل في بعض الأحيان إلى 800 زائر وهو ما يفوق قدرة استيعاب القاعة المقدرة ب500 مقعد. وأضاف أن العائلات والشباب يضطرون في بعض الأحيان إلى متابعة العروض الفنية واقفين، وهو ما يضطرنا إلى إضافة كراسي لإجلاسهم. واعتبرت السيدة ياقوتة لطرش أستاذة فلسفة بتلمسان، تابعت عروض الفرقة العسكرية التركية، وعرض الأوركسترا السيمفونية الوطنية أن التظاهرة فرصة للجزائريين للاستكشاف ثقافات الدول المشاركة وكذا الثقافات المحلية. واكتشف المنشط الثقافي بالمتحف نصر الدين ديني بالمسيلة، من خلال مشاركته في تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية تعطش الجمهور التلمساني للأصالة بحكم عدم إطلاعه على الواقع القديم لمنطقة الحضنة، وهو ما تم تأريخه من خلال المعرض الذي حاكى تقاليد وعادات لازالت موجودة بالمنطقة. ولم تقتصر تلك العروض على مؤسسة دار الثقافة حيث خصصت فضاءات أخرى استفادت من نفس النشاطات وكانت التجربة مؤخرا بمدينة ندرومة حيث أحي الفنان حمدي بناني رفقة مجموعة من الفنانين حفلا فنيا ساهرا تفاعلت معه جماهير ندرومة بقوة، وهي تجربة حسب القائمين على الثقافة بالمنطقة ستوسع لتشمل مختلف جهات وبلديات تلمسان خاصة وأن المنطقة مقبلة على موسم الاصطياف أين يتوافد الكثير من المواطنين والأجانب خاصة على الشريط الساحلي لمدينة تلمسانالمرسى بن مهيدي الذي يبعد عنها بحوالي 140 كيلومتر، كما سطر برنامج خاص بشهر رمضان المعظم الذي يتصادف وشهر أوت يتضمن جلسات قرآنية والدروس المحمدية التي كانت عادة تقام بولاية وهران وستقام خصيصا في هذه التظاهرة بقصر الثقافة لدائرة المنصورة إلى جانب تنظيم عدة مهرجانات وأسابيع ثقافية خاصة بولايات أقصى الجنوب. وآلاف الزوار للتعرف على الحياة اليومية للتلمسانيين وغير بعيد عن دار الثقافة عبد القادر علولة، وبساحة الأمير عبد القادر يشهد متحف تلمسان للفن والتاريخ، إقبالا منقطع النظير منذ افتتاحه للجمهور بانطلاق تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، حيث تشير الأرقام إلى استقبال ما يزيد عن 1500 زائر يوميا من مختلف أنحاء ولايات الوطن ومن دول أجنبية. ويرتفع الرقم أكثر حسب نرجال كنزة قلفاط مرشدة سياحية بالمتحف، في تصريحها ل''الشعب'' خلال أيام عطلة الأسبوع حيث يصل عددهم إلى 2000 زائر يوميا، قدموا من مختلف ولايات الوطن على غرار ولاية غرداية، وهران، الجزائر، سيدي بعباس، سعيدة وغيرها من الولايات إلى جانب زوار أجانب قدموا من تركيا، اسبانيا، فرنسا، المكسيك وآخرين من دول إفريقية، جميعهم دفعهم هدف واحد وهو التعرف على ما تزخر به أجنحة المتحف التي تحولت إلى فضاء مفتوح عن كل الحرف التقليدية والصناعات التي تفنن فيها أحفاد إغمراسن ونافسوا بها المدن التجارية الكبرى. وسمح الموقع الجغرافي للمتحف، للعديد من الوفود زيارته واكتشاف خبياه، فهو يقع وسط تلمسان وبالساحة الأكثر شعبية بالمنطقة ساحة الأمير عبد القادر التي تضاهي ساحة الساحة الشهداء بالعاصمة من ناحية شعبيتها. ويعرض المتحف ألبسة متنوعة وشديدة الأناقة كالقفطان الكراكو والجبادو فصلت من أقمشة ناعمة مزينة بطراز لامع ومتلأل لشدة تنميقها حيث أنجزت هذه الصناعة من أنامل حرفيين قدامى جمعوا بين الفن والإتقان أعطت شهرة لتلمسان وجعلتها تنافس المدن التجارية الكبرى التي عرفت في تلك الفترة الزمنية وهو الفن الذي لازال جليا في المناسبات والأفراح. وبالطابق السفلي، عرضت صناعة الزربية التي تفنن فيها النساء والرجال على حد السواء اللذين أبدعوا في حياكتها حتى أن البساطة فيها دليل على سر جمالها الفريد فالشرائط الأفقية في الزربية تتميز بأشكال خاصة بالمنطقة كالمعينات المربعات المنسقة والمستطيل وأحيانا أشكال مستوحاة من حصائر بني سنوس، وهو ما أثار استحسان الزائرين حتى أن بعض سكان تلمسان استرجعوا تاريخهم السابق مع الأدوات النحاسية والتقليدية المعروضة بالمكان وتذكرت بعض العجائز الأدوات اللاتي كنا يستعملنها في حياتهن اليومية.