كيف هي وضعية الجامعة الجزائرية في ظل الإصلاحات التي تشهدها وأي دور تتولاه من أجل أن تكون بحق قاطرة الأمة تزودها بالكفاءات المهنية التي تحتاجها وتطالب بها؟ وإلى أين تسير الأمور بعد موجة الاحتجاجات الطلابية والإضرابات؟ وإلى أي مدى تعد المطالب المرفوعة بيداغوجية وليست سياسية يحركها تجار الأزمة للزج نحو التعقيد وابعاد الحلول؟ أسئلة عديدة يجيب عنها عميد جامعة الجزائر الدكتور الطاهر حجار في هذا الحديث الصحفي الذي أجرته معه «الشعب». @ الشعب: عادت الذكرى ال55 لعيد الطالب هذه المرة في أجواء متميزة تترجمها موجة الغضب والاحتجاجات ببعض المؤسسات الجامعية والمدارس هل كان للحدث أثرا على الاحتفائية مثلما لاحظناه بعين المكان؟ @@ الدكتور الطاهر حجار: على العكس تماما موجة الاحتجاجات والإضراب الذي يشنه طلبة الصيدلة وجراحة الاسنان لم يؤثر في الاحتفاء باليوم الوطني للطالب. الاحتفائية جرت بصفة اعتيادية، نحن نقوم بتنظيم هذا اللقاء كل مرة في السنة وكالعادة نوضع أكاليل الزهور ترحما على ارواح الشهداء لتذكير الجيل الحاضر بالدور الذي لعبه الطالب في تفعيل الحركة السياسية والفكرية بالجزائر لكي يأخذ العبرة من اجداده الذين التحقوا بالثورة التحريرية في ظروف صعبة وخدموا البلاد وساهمو في بنائها لينعم طالب اليوم بالحرية والاستقرار. @ لكن الوضع متميز هذه المرة ويحمل ربما حالة من الاستثناء بإثارة الكثير من الطلبة المشاكل البيداغوجية والاجتماعية بمختلف الجامعات دفعتهم للخروج إلى الشارع في مسيرات وإضرابات، كيف تقيمون الوضعية وإلى أين تسير الأمور؟ @@ الحمد لله أن الاستقرار عاد تدريجيا إلى الجامعة وشبح السنة البيضاء الذي كان يخيم عليها تلاشى بعودة معظم الطلبة إلى مقاعد الدراسة وكل ذلك راجع للوعي الذي يتميزون به. وفي رأيي لا توجد أي جدوى للخروج إلى الشارع والاحتجاج لأن الوسيلة المثلى لحل مختلف الانشغالات والمشاكل البيداغوجية هي استعمال أساليب الحوار والنقاش مع السلطات المعنية. تقرر ذلك بعد أن فتحت الوزارة أبواب الحوار للطلبة واستمعت لانشغالاتهم ومطالبهم دون إقصاء، وقبلت بدراسة مع ممثليهم كل المسائل حالة حالة، هذا ما أكد عليه الوزير رشيد حراوبية وحرص على تجسيده الميداني لإزالة أي مشكل وسوء فهم. @ لكن المشكل مستمر مع طلبة الصيدلة وجراحة الأسنان المتمادين في الإضراب؟ @@ الإضراب والاحتجاج الذي يقوم به طلبة الصيدلة وجراحة الأسنان غير مبرر بعد طمأنتهم بالتكفل بانشغالاتهم من خلال تنصيب لجنة علمية بيداغوجية تنظر في مطلبهم الملح حول الحصول على شهادة الدكتوراه في هذا الاختصاص. ونرى أن عودتهم إلى مقاعد الدراسة تكون في أقرب وقت ونطمئنهم بالمناسبة بإجراء الامتحانات التعويضية وإعادة الأمور إلى الهدوء والحالة الطبيعية. @ يروج أن أطراف عديدة تسللت إلى وسط المسيرات السلمية التي عاشتها العاصمة مؤخرا تعمل على تحريض الطالب وتغذيته بأفكار سياسية غايتها دفع الأمور نحو التأزم وليس الانفراج ما حقيقة الأشياء؟ @@ صحيح هناك بعض الأطراف تحاول استغلال الأوضاع الاجتماعية والبيداغوجية للتأثير في الطالب ودفعه نحو اعتماد خيار التصعيد وهو الهدف المقصود من ''تجار الأزمات'' باعتبار أن الجامعة هي المرآة العاكسة لكل ما يجري في الدوائر السياسية. ولذلك كل من يريد ان يبلغ هدف معين يحاول التأثير في الجامعة وبالتالي على الطالب أن لا ينساق وراء ما تحرض له هذه التيارات السياسية والأحزاب. @ ألا تعتقد بأن الطالب في هذا الظرف الاستثنائي يحتاج إلى دعم ومرافقة لتوجيهه نحو ما يخدمه ويخدم الجامعة الجزائرية في تخرج موارد بشرية تحتاجها الجزائر أكثر بدل تلغيم الطلبة بأفكار حزبية وإيديولوجية هم في غنى عنها؟ @@ الطالب بعد التحاقه بالجامعة يكون قد دخل مرحلة عمرية جديدة يحضَّر من خلالها لخوض تجارب الحياة وبتبني افكار سياسية واجتماعية وبالتالي يصل الى درجة كبيرة من الوعي تجعله يميز بين الصحيح والخطأ. وهذا لا يمنع من أن الجامعة تنظم ندواة وملتقيات فكرية تساهم بشكل كبير في تحضير الطالب الجزائري لكل طارئ قد ينجر عن الحركة السياسية داخل الوطن. وقد شهدت هذه التظاهرات العلمية المعرفية إقبالا واسعا من الطلبة، وهذا التجاوب الملحوظ مع الأنشطة التي تحتل الأولوية في الجامعات لتطبيق برنامج مسطر يرافق طلاب العلم يثبت بالدليل القاطع حبا وشغفا للمعرفة والاحتكاك بين الطلبة من مختلف جهات الوطن مما يعطي دفعا قويا للتواصل الدائم وتبادل الأفكار. الطلبة شركاء في ورشات الإصلاح @ على ضوء هذا الكلام أين موقع الطلبة في التحولات وورشات الإصلاح الجامعية المتواصلة؟ @@ الجامعة تعيش مرحلة جديدة من التحولات مدرجة ضمن مسار إصلاح عميق تعيد لها مكانتها واعتبارها في المجتمع والأمة، وتقرر ضمن هذا التحول إشراك الطالب فيه وإدماجه في مشاريع اقتصادية حسب الاختصاص. وقد وقعت عقود في هذا الشأن من أجل تولي المؤسسات الجامعية تكوين كفاءات ذات نوعية يتطلبها الاقتصاد الوطني والمؤسسات بعيدا عن قاعدة التكوين من أجل التكوين. وبهذه الطريقة تصبح الجامعة الجزائرية تعمل بالمواصفات العالمية وشهادتها تستجيب لسوق العمل ومتطلبات المرحلة. @ أي مفارقة بين طلبة اليوم والأمس في ظل تحديات الظرف الراهن؟ @@ أنا كلي ثقة في جيل الحاضر، الطالب الجزائري في مرحلة الاستعمار اهتم بالقضايا الشعبية وهذا طبيعي، شارك في المقاومات منذ احتلال الجزائر1830، انخرط في التشكيلات السياسية المتنوعة المشارب والاتجاهات، لبى نداء الواجب الوطني بالاندماج في الثورة التحريرية مضحيا بالمزايا والامتيازات في سبيل الحرية. مثلما قدم طلبة الأمس تضحياتهم من أجل الوطن، فان طلبة اليوم مستعدون لصنع المستقبل من خلال عملية البناء والتسيير الفعلي لدواليب الدولة. يكفي إسناد لهم المسؤولية ووضع الثقة فيهم باعتبارهم قوة اقتراح وتغيير أيضا. ونلاحظ في هذا المقام كيف كانت مشاركة الطلبة قوية في مختلف المنظمات أثناء إقرار التعددية. لمسنا هذا الحضور الكبير الفاعل لهم في المنظمات مؤكدين على قدرتهم الفائقة في الدفاع عن حقوقهم وتحملهم المسؤولية.