تخبّئ بين جدرانها كنزا وموروثا تاريخيا وثقافيا زخما، وجهود مميزة تبذل بهدف تقريب المواطن منها، إلاّ أن الجزائر لا تزال تعرف نقصا في الثقافة المتحفية. ولمعرفة أسرار المتاحف، قامت »الشعب« بجولة بالمتحف الوطني للآثار القديمة والفنون الإسلامية، أين وجدنا فعلا عالم يسرق النظر والفكر عند ولوجنا للجناحين القديم والإسلامي الذي يحويهما، وقد كان لنا حديث مع حورية شريد مديرة المتحف منذ سنة 2006 إلى يومنا هذا، قصد الوقوف على أهم الميزات والعراقيل التي يعرفها هذا المعلم التاريخي والثقافي. ❊ تبقى المتاحف الجزائرية خاوية على عروشها، رغم كونها أهم مصادر تعليم التاريخ عبر العصور، ما تعليقكم على واقع الزيارات السياحية والأثرية للمتاحف؟ ❊❊ واللّه هذه المقولة وأنا في الواقع لا أراها بهذا الشكل، لأن المتاحف ليست خاوية على عروشها، بالعكس المتاحف لديها زوّارها والناس يقصدونها من كل الشرائح، إذن فالمتحف الوطني للآثار القديمة والفنون الإسلامية فاتح أبوابه على مدار السنة، والزيارات إليه هي فعلا مبرمجة، لذلك فإن كل هذه الفئات التي تقصده لديها برنامج محدد، وبالتالي فأنا أؤكد أن هذه المقولة لا تنطبق على المتاحف. ❊ هل هناك إحصائيات دقيقة حول عدد الزوّار الوطنيين والأجانب، لقياس مدى الإقبال على المتحف بهدف تدارك النقائص في كل فترة؟ ❊❊ أكيد في المتحف لدينا فريق يقوم برصد دخول الزوّار إليه، وطبعا هذا الدخول موزّع حسب جدول معين، حيث تسلّم الإحصائيات التي تقوم بها مصلحة التنشيط والتوثيق للفريق المختص بهذه العملية، والتي هي مطالبة بإعداد وتوجيه هؤلاء الزوّار. ❊ ألا ترتبط الزيارات بطبيعة القِطَع والتحف الموجودة في المعرض؟ ❊❊ الخاصية التي تميّز المتحف الوطني للآثار القديمة والفنون الإسلامية، هي أنه يحتوي على تحف فريدة من نوعها، فكل تحفة يتوقّف عندها الزائر، لذلك فكل القطع سواء من الآثار القديمة، أو تلك الموجودة في جناح الفنون الإسلامية تسحر الزّ ائر وتجلبه، وهذا يتماشي جيدا طبعا وطبيعة الجمهور، فكل ما يحبّه موجود في متحفنا. ❊ إذا ما هو القسم أو الجهة التي تعرف زيارة أكبر؟ ❊❊ الزّائر لمّا يدخل المتحف هو موجه لزيارة الجناحين، ولاحظنا أن الزوّار عادة مهتمين بالجناحين، لما فيهما من تسلسل تاريخي، لذا فالزّائر لا يستطيع التوقف عند فترة معيّنة، بل يسكنه الفضول لمعرفة ما بعد تلك الفترة. وهنا أقول أن طبيعة المحتويات في المتحف هي التي تسمح للزائر أن يقوم بمسح كامل للمعلم. ❊ هل هناك دليل أو موجّه يساعد الزّائر في تنقّله أو جولت داخل المتحف؟ ❊ عادة الزيارات الموجّهة تكون للتلاميذ، طلبة المعاهد والجامعات، وأيضا الزيارات المنظّمة، أو تلك التي تأتي عن طريق الوفود السياحية، لكن هذا لا يمنع من تقديم يد المساعدة لباقي الزوّار، فهم يجدوننا تحت تصرّفهم متى طلبوا المساعدة. ❊ ألا ترون أن السائح الأجنبي أكثر اهتماما بالمتاحف، وإن كان هناك جزائري ففي الغالب يكون قد مدّ يد العون للأجنبي؟ ❊❊ نحن نرى عدد الزوّار الجزائريين محدود، وهذا يتوقف على ثقافة كل مواطن، لكن أؤكّد أنه لكل زائر خصوصيته، ونحن لم نصل إلى تلك الدرجة، أين نجد جزائريين يتوافدون إلى المتحف بسبب زيارة الأجنبي له. فالزيارات تكون تلقائية، والجزائر ليست كباقي الدول العربية التي يقصدها عدد كبير من الوفود الأجنبية الشيء الذي يستلزم على أبنائها مرافقة السياح في زياراتهم. وأقولها الجزائري إذا دخل المتحف فبهدف التعرف عليه وليس حبّا في مرافقة الأجنبي. ❊ كانت المؤسسات التربوية تنظم رحلات كثيرة للمتاحف، عكس اليوم أين نلاحظ تراجعها في تلك الزيارات، حسب رأيكم ما هي الأسباب التي تقف وراء هذا التراجع؟ ❊❊ أنا لا أرى تراجعا، ولكن يبقى النقص دائما قائما، لأن المتحف الوطني للآثار القديمة كبير جدا، ونحن نتمنّى أن نستقبل وفودا مدرسية أكثر على الأقل في الفترات الدراسية. وأرجع السبب هنا إلى المنظومة التربوية، التي أهملت زيارة المتاحف ضمن برنامجها المسطّر للدراسة، فلماذا لا ترسّم الزيارة المتحفية ضمن المواد التي يدرسها التلميذ بهدف بعث هذه الثقافة لديه. ❊ ماذا عن التعاون بين وزارتي الثقافة والتربية، والذي من شأنه بعث الثقافة المتحفية لدى التلميذ؟ ❊❊ لا يمكن أن أردّ على هذا السؤال مباشرة، لكن أقول أنه من جانب المتاحف، نحن نعمل دائما ونسعى إلى خلق أو تشجيع التعاون بين الوزارتين، والدليل على ذلك أنه في الكثير من المناسبات أول من توجّه له الدعوة للمشاركة في المسابقات أو الفعاليات التي تنظّمها هي المؤسسات التربوية، وهذا يدل على أن وزارة الثقافة تسعى دائما إلى ربط أواصر العلاقات مع وزارة التربية. هذا من جانب، ومن جانب آخر هناك حقيبة متنقلة تحوي معارض وصور يسافر بها المتحف في كل مرة إلى المدارس قصد تقريبها من التلميذ، أمّا عن المواقف التي تتّخذها وزارة التربية الوطنية فأنا أجهلها. وحسب نظري، فهناك تعاون بين الجهتين، إلاّ أنها في حاجة إلى ترسيم. وكما قلت سابقا، يكون هذا الشيء بإدماج الزيارة المتحفية ضمن البرنامج المسطّر للتلميذ من طرف وزارة التربية الوطنية.. ❊ هذا ولا يمكن إهمال الدور الذي تلعبه المؤسسات السياحية، فماذا عن علاقتكم مع هذه المؤسسات أو الوكالات؟ ❊❊ التعاون المباشر مع الوكالات السياحية غير موجود، لكنّها مجبرة على التعامل مع المتاحف، فكل المؤسسات الثقافية مدمجة ضمن المسار السياحي. يقصدنا الكثير من السياح خلال أيام الأسبوع، وأحيانا يطلبون منّا فتح أبواب المتحف في كل الأوقات أي على مدار 24 ساعة. وهنا نريد منهم مساعدتنا للحصول على ترخيص لفتح أبواب المتحف في تلك الأوقات. ❊ هل تبويب أو تصنيف التحف والآثار في متحفكم يعتمد على معايير محددة؟ ❊❊ عادة كل متحف يخضع لسياسة معيّنة في تصنيف أو جدولة محتوياته، أمّا نحن في المتحف الوطني للآثار القديمة وباعتبار كل التحف تسطّر لفترات تاريخية، نعطيها قراءة زمنية متسلسلة، لكن للأسف الشديد الترتيب القديم يعرقلنا نوعا ما، غير أنّنا نسعى في المستقبل إلى إعادة ترتيب التحف ووضعها في باب متسلسل لإفادة الزائر بالتدرّج في القراءات التاريخية. فالصعوبة التي نجدها هو أنّ المتحف يحتوي على قطع وتحف حجرية من الرخام ثقيلة وكبيرة، ممّا يصعب علينا حملها وتغيير مكانها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى هو ضيق مساحة المتحف الوطني للآثار القديمة مقارنة بالزخم التراثي الذي يحويه هذا المعلم التاريخي. ❊ من قولكم نستشف أن المتحف إلى اليوم يخضع للترتيب والتصنيف القديم؟ ❊❊ لا، فقد فصلنا القسمين القديم عن الإسلامي، وهذا يعني أننا لم نبق على التقسيم القديم، وهذا ما سهّل لنا القراءة التاريخية للمعلم، التي أصبحت فعلا متسلسلة تاريخيا، حيث تمكنّا في القسم الإسلامي من ترتيب التحف من القرن 3 ه إلى 13 فالقرن 19، وهذا ما نسعى إليه أيضا في القسم القديم، فلدينا مشروع ترميم البناية القديمة والمجموعات الفسيفسائية، وبعد الانتهاء من عملية الترميم سوف ننطلق في ترتيب التحف القديمة. ❊ خلال جولتنا في المتحف لاحظنا وجود تحف ليست جزائرية، منها ما جاء من سوريا، مصر، تونس، المغرب، تركيا وإيران، كيف وصلتكم هذه التحف؟ ❊❊ ميزة المتحف الوطني للآثار القديمة والفنون الاسلامية، هو كونه يحتوي على تحف عالمية سواء كانت جزائرية أو من بلدان أخرى، فمثلا في قسم الآثار القديمة هناك تحف من تونس، المغرب وليبيا، وهذا لا يمنع من احتواء المتحف أيضا على أخرى في القسم الاسلامي. هذه التحف التي يتم الوصول إليها أو اقتناؤها إمّا عن طريق التبادل أو الشراء. أمّا القسم الإسلامي، فيضمّ عدة تحف ليست فقط من بلدان عربية، بل من دول إسلامية على غرار إيران، تركيا. وهنا أقول أن المتحف الوطني للآثار القديمة، هو الوحيد في المنطقة الذي يضمّ هذه المجموعة المتكاملة. أما عن كيفية الحصول على هذه المحتويات، ففي الفترة الكولونيالية تحصّل عليها المتحف عن طريق الشراء، وفي الكثير من الأحيان يتمّ شراؤها من جامعي التحف المشهورين أمثال فايول، وهي إلى اليوم تنسب إليهم. ❊ يكتشف الكثير من المواطنين خاصة الفلاحين أثناء عمليات الحرث وقلب التربة آثارا مختلفة، كيف تستقبلونها، وهل من سياسة لتوعية المواطن بضرورة تقديم هذه التحف إلى الجهات المعنية عند اكتشافها؟ ❊❊ نحن من جهتنا نشجّع مكتشفي الآثار، ووزارة الثقافة وضعت مرسوم 04 98، الذي يضمن قانون التحفة ويحمي التراث، ويمثل الوضعية القانونية لها. ولكن هذا لا يمنع الدولة من تشجيع مكتشفيها لتقديم التحف، المسكوكات والآثار إلى المتاحف الموجودة في ولاياتهم، حيث يتحصّل المواطن على مبالغ رمزية، وهذا ما جعل هذا الأخير في الفترات الأخيرة، يقصد المتاحف بهدف تقديم قطع أو تحف، وبالتالي فهو أصبح يعي الدور الكبير الذي تلعبه هذه الآثار في رسم هويته. ❊ وماذا عن سرقة التحف، وهل المتحف الوطني للآثار القديمة يعرف كثيرا هذه الظاهرة؟ ❊❊ هذه السرقات تقع في الكثير من المتاحف العالمية، وكان لدينا بعض التحف مثل رأس ماركوس ليوس، ورأسي عايدة التي سرقت في الحقبة السوداء التي مرّت بها الجزائر، وطبعا سرقت تحف أخرى، للأسف لم نتحصّل عليها إلى اليوم. والجزائر لديها عدة اتفاقيات مع عدد من البلدان في إطار الحفاظ والمحافظة ومكافحة إرهاب التراث واسترجاع المسروقات، وبفضل هذه الاتفاقيات تمّ استرجاع العديد من القطع. والتحفتان اللّتان تمّ استرجاعهما مؤخّرا سرقت من متحف سكيكدة، وهي محفوظة عندنا إلى حين استرجاعها إلى مكانها الأصلي. ونحن والحمد للّه في متحفنا عمليات السرقة نادرة، لكن هي تحدث في كل دول العالم. ولحماية تحفنا من السرقة، يجب علينا تجريدها وتصويرها حتى لا يستطيع السارق بيعها، حسب الاتفاقيات المبرمة بين الجزائر ودول أخرى. ❊ الكثير من التحف التي يحويها معلمكم، خضعت للترميم من طرف دول أخرى، بعد مشاركتها في معارض أو فعاليات ثقافية بها، كيف تتم هذه العملية؟ ❊❊ ج: هذه الاستفادة تحصل عليها الجزائر من خلال المشاركة في المعارض الدولية وباتفاقيات مع وزارة الثقافة، حيث في إطار اتفاق متبادل بين البلدين تعار تلك التحفة مقابل إعادتها مرمّمة إلى الجزائر، مثلما جرى في التحف التي شاركنا بها في سنة الجزائر في فرنسا. ❊ نلاحظ وجود عدة آثار وتحف موضوعة في الهواء الطلق، وهي معرّضة للتلف جرّاء العوامل الخارجية للطبيعة، ألا ترون وجوب إدخالها إلى المتاحف لحمايتها من الاندثار؟ ❊❊ هنا أرى أن كل ولاية من واجبها الاهتمام بتراثها، وتدخل هذه المشاريع ضمن ميزانية كل ولاية. هذه الأخيرة هي التي تستطيع التكفل والاهتمام بكل ما يتعلق بموروثها التاريخي والثقافي. وهناك مشروع فريد من نوعه يسطّر لإنجاز متحف في كل ولاية، وبهذا تبذل الوزارة الوصية مجهودا كبيرا للدفع بالثقافة المتحفية إلى الأمام. وحسب ما اتّفق عليه، سيكون هذا المشروع مجسّدا على أرض الواقع في آفاق 2014. ❊ في الختام، ما هي الرسالة التي تريدين توجيهها إلى الأطراف التي ترينها فعّالة في بعث الثقافة المتحفية لدى المواطن الجزائري؟ ❊❊ أولا ما أنادي بها هو فتح الإعلام على المتاحف، والتكلّم عن هذه المؤسسات بإسهاب، خاصة وأنها لا تعرض فقط التحف، بل تحمل رسائل ودلالات، وهي جزء من التراث العالمي والوطني. وهنا يجب تظافر الجهود بين كل الشرائح والمؤسسات، ليس بالكلام فحسب، بل التعرف على المتاحف بزيارتها.