لا يمكن الإنكار أن متحف زبانة هو من أهم المتاحف الوطنية بالجزائر فيكفي أنه يضمّ موروثا تاريخيا كبيرا يعكس الحضارة العريقة التي عاشتها الباهية وهران عبر العديد من الأزمنة والعصور، كما أنه الخزينة الوحيدة التي تحتفظ بأكبر عدد ممكن من القطع الأثرية والمنحوتات المنحدرة من مختلف ولايات الغرب الجزائري. كما لا يمكن أن نتجاهل صعوبة تسيير هذا النوع من المتاحف الذي يحتاج للكفاءة المثلى والإرادة الحقيقية ناهيك عن شروط أخرى لابد من توفرها في الشخص المسؤول الذي يحمل على عاتقه هذا النوع من المهام لأنه صار الأمين الحارس على موروث ثقافي كبير فحضارة عريقة توارثتها الأجيال هي ليست مجرد مهنة بل مهمة صعبة وتستوجب العديد من المقاييس التي يمكن لها أن ترفع من مستوى المتحف أو تنزل به نحو الحضيض كل هذه التساؤلات دفعتنا للتوجه نحو متحف زبانا والإقتراب من مديرته السيدة فتيحة سيلام علّنا نأخذ فكرة واضحة عن ماهية هذه المهنة وتكتشف بعض المشاكل التي أزقت إدارة المتحف وصارت شغلها الشاغل، كما حاولنا خلال هذااللقاء أن نسلط الضوء على أهم المشاريع والبرامج المسطرة لهذه السنة لاسيما فيما يتعلق بتظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية2011 وبالفعل فقد كان هذا الحوار بمثابة رحلة تاريخية في عمق حضارة الجزائرية، ورغم أننا لم نشاهد هذه القطع الأثرية والمنحوتات التراثية إلا أننا عشنا معها في كل عصر وكل زمان وكنا سعداء جدا لأن تاريخنا عريق ويستحق أن نحافظ عليه بشكل أفضل ونحميه من الإندثار والإضمحلال، وكلنا ثقة أن المتاحف هي المكان الأنسب لحفظ تاريخ كامل بمراحله وحقباته. الجمهورية: ماهي أهم المناصب التي تقلدتيها قبل إدارة متحف زبانا؟ ف.سيلام: في الحقيقة ان جميع المناصب التي تقلّدتها كانت بمتحف زبانة حيث كنت في البداية المكلفة بالمحافظة على التراث وتثمينه وذلك سنة 1987 ثم تقلّدت منصب رئيسة مصلحة البحث في 1995 لأصبح بعدها رئيسة قسم التنشيط وذلك سنة 1998 وعام 2000 عينت كمحافظة على التراث لا ترأس بعدها المحافظين على التراث وهذا بعد أن عدت من الخارج حيث تلقيت تكوينا خاصا في فرنسا لإثراء معرفتي بعلم المتاحف وتعزيز دراساتي في هذا المجال لاسيما إذا تعلق الأمر بكيفية تسيير متحف وتنظيم المحميات والفروع الخاصة بالتحف الأثرية وغيرها من العلوم المتعلقة بهذا المجال الواسع والثري والحمد لله فأنا اليوم أدير متحف زبانا ولي الشرف أن أسهر على تسييره لأنني شخصيا أحب التراث الجزائري وأطمح دائما لتثمينه من خلال توفير جميع الشروط الضرورية بهذه المؤسسة المتحفية التي عملت فيها طويلا ولسنوات عديدة وأنا الآن أشرف عليها بكل جدّ لتتألق وتصبح مؤسسة أكثر ازدهارا. الجمهورية: بعد أن أصبحت مديرة لمتحف زبانة كيف وجدت هذه المسؤولية؟ ف.سيلام: لا يمكن الإنكار أن ادارة متحف بأكمله مهمة صعبة لأنها مسؤولية ثقيلة تلقى على عاتقك، وأنا أحاول أن أكون أهلا لها من خلال العمل الدّؤوب والمثابرة لان الأمر لا يتعلق بتسيير أشخاص فقط بل بموروث تاريخي كبير يحمل بين ثناياه حضارة البلاد العريقة ويحكي مراحل زمنية عاشها الشعب الجزائري منذ العقود الغابرة أي منذ فترة ما قبل التاريخ الى يومنا هذا، لذلك فإني أرى أن إدارة مؤسسة متحفية تستوجب العديد من الشروط كحبّ التراث والغيرة على التاريخ اضافة الى الثقة بالنفس والطموح الكبير لتحقيق كل ما هو أفضل ومثالي، خصوصا أن المتاحف هي الذاكرة الحقيقية للحفاظ على الآثار من الإندثار والإضمحلال وبدونها لا يمكن للمواطنين أن يتعرفوا على هذه الحقائق التاريخية ولا يتمكنون من معايشة هذه الوقائع التي سجّلت عبر مختلف الفروع والأجنحة بالمتحف لتعرض قطعا أثرية نفيسة ومنحوتات قيّمة لازالت شاهدة على جلّ المراحل التاريخية ببلادنا، وكل هذه الأمور شجّعتني على إعطاء كل وقتي للمتحف وبذل مجهودات مضاعفة لترقيته وجعله ينافس المتاحف العالمية مع برمجة العديد من المشاريع الخاصة بالترميم وفتح صالات جديدة من شأنها أن تمتع الجمهور وتكشف له خبايا التراث من خلال مجموعات أثرية حقيقية. الجمهورية: أين تصنفين متحف زبانة مقارنة مع المتاحف الوطنية الاخرى؟ ف.سيلام: أنا شخصيا وبكل اقتناع أصنفه في المرتبة الأولى لأنه أكبر متحف وطني بالجزائرو فيكفي أنه صعب من ناحية التسيير وليس بسبب شساعته بل لأنه يضم أكثر من 200 ألف قطعة أثرية ناهيك عن عدد الفروع المتخصصة في حين نجد أن متحف العاصمة يضم 4000 قطعة أثرية فقط، ورغم أنه يوجد 6 متاحف بالعاصمة كمتحف الجيش ومتحف الفنون الجميلة ومؤخرا متحف الفن المعاصر »ماما« إلا أنها لن تصل أبدا الى مستوى متحف زبانا، والأمر بسيط فالمتحف الوطني لأحمد زبانا غير متخصص بل بالعكس هو متحف شامل يضم مختلف المجموعات الأثرية من منحوتات وأسلحة وكذا لوحات فنية لأشهر الرسامين الجزائريين في حين أن المتاحف الوطنية الاخرى تختص في مجموعات تراثية معينة. ولا يخفى عنكم أن هناك فروعا بارزة في أروقة المتحف كفرع ما قبل التاريخ الذي يضم قطعا تعود لمختلف العصور الحجرية على غرار الفخار، العظم والحجر ومعظمها اكتشفت بمغارات جبل المرجاجو اضافة الى فرع الآثار القديمة الذي يضم أثريات تعود الى الفترتين البونية والرومانية وقد جلبت من مواقع مختلفة بالجزائر خلال القرنين 19 و20م كالمصابيح والشواهد والنصب التذكارية دون أن أنسى فرع المسكوكات الذي يجمع بين العهود الزمنية المختلفة والحضارات البشرية المتعددة كالنقود والقلادات ومجموعات أخرى ترجع إلى العهد الفاطمي، المرابطي، الموحدي، الزياني، والمرّيمي، إضافة إلى فرع وهران القديمة الذي يعزز الحضارة التاريخية الباهية من خلال الفترة الإسبانية والعثمانية والفرنسية وأيضا فرع الأثنوغرافيا وفرع تاريخ الطبيعة والمجاهد وأخيرا فرع الفنون الجميلة ومصلحة المكتبة والأرشيف وهذه نبذة مختصرة عن متحف زبانا الذي أجده شخصيا من أكثر المتاحف الوطنية تألقا وأنا أمانع فكرة تخصصه بشكل كبير فمن الأحسن أن يترك على حاله ويصنف كمتحف عام وشامل وهذا أمر إيجابي بالنسبة للجمهور الوهراني الذي يفضل الإطلاع على تاريخه وتراثه دفعة واحدة دون المساس بهرم التنظيم. لكن هذا لا يمنع أبدا من أن يتم إنجاز متاحف أخرى بوهران لتعزيز زبانا ورفع الضغط عنه فيما يخص المحميات والقطع الأثرية لكن تخصيص زبانا هو خطورة غير جيدة ولن تكون في صالح المتحف الذي صار متكاملا بفضل وزارة الثقافة التي سهرت على تسخير جميع الشروط الضرورية لتطويره ودفعه نحو الأمام ورغم أن هناك أقاويل تؤكد وجود مشروع » تخصص« يتعلق بزبانا إلا أنني لا أوافق هذه الأفكار وأرى بكل شفافية أنها ستكون ضربة موجعة لهذه المؤسسة المتحفية بالنظر لتاريخها العريق حيث أنها افتتحت رسميا في 5 مارس 1885 بالمستشفى المدني القديم وصارت تحت وصاية البلدية وفي نفس السنة عيّن الرائد »دومايت« محافظا لها، ليحمل هذا الأخير اسمه بعد وفاته ليتم في 11 نوفمبر 1935 تدشين المتحف وسنة 1986 صنف ضمن المتاحف الوطنية واستبدلت تسميته بإسم الشهيد أحمد زبانا. الجمهورية: هل ترين أن متحق زبانا يملك المقاييس العالمية التي تمكنه من منافسة المتاحف الدولية؟ - ف. سيلام: بالطبع ولم لا؟ فزبانا يملك مقاييس عالمية مائة بالمائة بل حتى أننا نملك مقاييس لا تملكها متاحف أخرى على المستوى العالمي وهذا أمر مشرف ويبعث على الفخر والإعتزاز، وإذا تعمقنا أكثر في الموضوع فإن زبانا يملك قطعا أثرية نادرة جدا لا تملكها المتاحف الأخرى إضافة إلى منحوتات ثمينة يعود تاريخها إلى العصر الحجري في حين أن المتاحف العالمية لازالت تنبش في تاريخها علها تجد ولو قطعة أثرية واحدة لتكشف لها عن البعض من حضارتها ونحن في الحقيقة أكثر حظا من هؤلاء لأن تاريخنا بين أيدينا ونواجه أية مشكلة في الاقتراب من حضارتنا القديمة والحياة الماضية التي عاشها أجدادنا عبر مختلف الأزمنة والعصور وهي نقطة ايجابية تضاف لرصيد وسمعة المتحف الذي صار الواجهة الحقيقية لتاريخ الباهية والجزائر بصفة عامة، كما أنه صار البوابة الأولى لعالم السياحية الوطنية فلا يوجد أجانب بالباهية إلا وتوجهوا نحو المتحف لإكتشاف البعض من حضارتها وتاريخها دون أن تحتاج لتقديم المرشدين السياحيين أو تنظيم المحاضرات فالحقيقة موجودة أمامهم تظهر بكل جلاء من خلال هذه القطع الأثرية الملموسة والمنحوتات القديمة. الجمهورية: هل هناك خطط خاصة بتنظيم معارض مشتركة مع المتاحف الأوروبية؟ - ف. سيلام: بالطبع يوجد خطط بل يمكن القول هي برامج قد سطرت وتنتظر التنفيذ فقط، كما لا يخفى عنكم أننا مؤخرا قد نظمنا معرضا دوليا هاما بعنوان » الضوء كريشة« وذلك بالتعاون مع المتحف الإسباني وقد عرف هذا المعرض نجاحا كبيرا من ناحية الإقبال والتوصيات وهذا أمر معروف فمتحف زبانا له شعبية كبيرة ولا يمكن أن يفشل أبدا، ففي كل مناسبة يتألق في عيون الجماهير ويبرز دائما بحلة جديدة ومشرفة لا سيما إذا كان التعامل مع المتاحف العالمية ونحن نحاول بدورنا أن نعطي صورة مشرقة للأجانب حتى يكونوا فكرة جيدة عن المتاحف الجزائرية وكيف تسعى للحفاظ على موروثها الثقافي والتاريخي. وعليه فإن هذه السنة ستكون مليئة بالمفاجآت والنشاطات الفعالة فيما يخص هذا النوع من المعارض التي تعتبر مقياسا حقيقيا لنجاح أي مؤسسة متحفية، وهنا تبرز جماليات التسيير وابداعات التنظيم الذي يلعب دورا هاما في انجاح المعارض والتأثير في الجمهور العاشق لتاريخه والمتعطش لإكتشاف حضارته . الجمهورية: هل الفروع الموجودة بالمتحف كافية لإحتضان جميع القطع الأثرية؟ - ف. سيلام : لقد سبق أن ذكرت أن هناك عدد كبير من المجموعات الأثرية وعددها يفوق السعة الحقيقية للمتحف، وهذا ما يؤكد أن الفروع غير كافية بل أنها تعاني من ضغط كبير وهذه النقطة تعد من أكبر المشاكل التي يعاني منها متحف زبانا وهذا يؤثر بالدرجة الأولى على قيمة هذه القطع الأثرية التي تحتاج للحماية بالشكل الصحيح. وصدقوني فإن هذا الأمر قد أرقني كثيرا وصار هاجسي الوحيد منذ تقلدي لهذا المنصب، فعلى سبيل المثال فرع الفنون التجميلية التي يضم قسمين مختلفين أحدهما مخصص للفن التشكيلي الجزائري المعاصر وللآخر للفن الأوروبي بمختلف مدارسه ولا يخفى عنكم أن الفن الجميل بالجزائر ثري جدا وقد شهدنا العديد من الرسامين المعروفين مما يستوجب وجود لوحات قديمة ذات إبداع فني جميل يدفع المتأمل لإقتناء اللوحة والتمعن فيها لفترة طويلة ونحن كمتحف وطني مجبرين لإدراج هذه اللوحات ضمن الأروقة لكن الفرع لا يسمح بذلك ورغم هذا فقد تمكنا مؤخرا من اقتناء 3 لوحات خاصة بالرسام الجزائري العريق » أوعيل« وأنا سعيدة جدا لشراءها والفضل في ذلك يرجع لوزيرة الثقافية السيدة خليدة تومي التي ساعدتنا كثيرا لإقتناء هذه اللوحات وتعزيز المتحف بكل ما هو جميل وأصيل ولكن المشكل أنه في نفس الفرع يوجد قسم خاص بفن النحت حيث نجد مجموعات من التماثيل معظمها برونزية تخص أشهر النحاتين أمثال "رودان" و"بالموندو" وكما نجد منحوتات مختلفة لمبدعين جزائريين أمثال "بوكرش" و"بوهداج" فتصوروا إذا الضغط الذي يشهده هذا الفرع، دون أن أتكلم عن بقية الفروع الأخرى. الجمهورية: كيف تتم الإجراءات المتعلقة بإدراج المجموعات الأثرية التي يعثر عليها المواطنون ضمن المتحف؟ ف.سيلام: في الحقيقة الأمر ليس بالسهل بل هناك إجراءات نوعا ما معقدة تتخذ لإدراج هذه القطع ضمن المجموعات الخاصة بالمتحف فعندما يتقدم مواطن معين للمتحف ويعرض لنا القطعة الأثرية التي عثر عليها، ما عليه سوى إمدادنا المعلومات الكافية حول المكان والزمان، لنقوم بعد ذلك بتسليم هذه القطعة الى اللجنة المختصة والمكونة من ممثل عن وزارة الثقافة وعضو من وزارة المالية وآخر من الديوان الوطني لتسيير الممتلكات الثقافية إضافة الى مجموعة من الباحثين في علم التاريخ والمؤرخين، لتبدأ رحلة البحث عن الحقيقة، حيث يستغرق الأمر مدة طويلة، وفي الوقت نفسه نباشر نحن بتحضير الأوراق التقنية الخاصة بهذه القطعة وكذا الملف الخاص بها، وبعد مصادقة اللجنة على هذه القطعة وإبرازها على أنها حقيقية وتعود لفترة زمنية وتاريخية معينة، نقوم بإدراجها ضمن المجموعة الخاصة بالمتحف، وهكذا تسيرالأمور فيما يخص هذا الموضوع. الجمهورية: ماهي آخر التحضيرات فيما يخص تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011؟ ف.سيلام: في إطار هذه المناسبة التاريخية العظيمة يستعد متحف زبانا للمشاركة بقوة لكن بشكل مختلف تماما، فالأمر الذي تجهلونه هو أن وزيرة الثقافة السيدة خليدة تومي قد خصصت لنا مبلغا ماليا معتبرا قصد شراء التحف الأثرية المعروضة من طرف المواطنين، بهدف تعزيز متاحف تلمسان التي لازالت شبه فارغة كونها حديثة الترميم والنشأة، ومتحف زبانا سيقرض هذه المتاحف بعدد هام من القطع الأثرية طوال مدة التظاهرة ليسترجعها فيما بعد، لذلك فأنا أحاول إختيار المجموعة المناسبة في إطار هذا الصدد. والأمر المذهل في هذه العملية هو أن وزيرة الثقافة قد أعطت إهتماما بالغا للمتاحف لدرجة أنها أمدّتنا بمبلغ مالي لأجل إقتناء كل ما يتعلق بالحضارة التلمسانية، وأنا أغتنم الفرصة من خلال هذا اللقاء لأوجه ندائي لكل المواطنين الوهرانيين الذين يملكون قطعا أثرية جميلة تخص ولاية تلمسان لنقوم بشراءها فورا، وإذا كانت هناك مجموعات أثرية خاصة بوهران وضواحيها فلا مانع أيضا ونحن مستعدين لإقتناءها فورا، واسمحوا لي أن أؤكد أن هذه العملية لا تخص فقط متحف زبانا بل جميع المتاحف الوطنية الأخرى لكن هذه السنة ستكون حالة إستثنائية فقط لأنها ستكون مخصصة لتلمسان كونها ستحتضن تظاهرة دولية ضخمة. ومن جهة أخرى إسمحوا لي أيضا أن أوجه شكري الكبير لوزيرة الثقافة السيدة خليدة تومي لأنها إهتمت بالمتاحف وأعطتنا هذا القدر من الرعاية والتدعيم. الجمهورية: ماهي أهم المشاكل التي يواجهها متحف زبانة؟ ف.سيلام: كما سبق وأن ذكرت المشكل الأكبر هو قلة مخازن حفظ التحف ونقص المحميات وهذا يؤثر بشكل سلبي على التحف الأثرية والمعروضات التقليدية، ويؤثر علينا نحن أيضا لأننا بالفعل تهنا وسط هذا الكم من المجموعات الأثرية، وأما بالنسبة لي فهو أمر صعب ويستوجب إيجاد حل سريع وفي أقرب وقت ممكن لأن قلة المخازن سيشهد عنه إضمحلال القطع وفقدانها للبريق الحقيقي الذي يحمل ألف معنى ويبرز أكثر من توضيح، لذلك فأنا أحاول قدر المستطاع أن أعالج هذا المشكل. وماعدا هذا الأمر فلا يوجد مشاكل أخرى والحمد للّه لكنني آمل فعلا أن يكون متحف زبانا نافذة حقيقية تمكن المواطنين من التعرف على موروثها التاريخي بأكمله دون أن يتحسروا على عدم رؤية البعض منها بسبب عدم وجود مخازن ومحميات. الجمهورية: كيف تقيمين إقبال الجمهور على المتحف في الفترة الأخيرة؟ ف.سيلام: أنا سعيدة لأن الإقبال كبير جدا، فالجمهور لا يتغيب أبدا عن زيارة المتحف سواء كانت هناك نشاطات أولا، وهذا يدفعني للمثابرة أكثر والعمل بشكل مضاعف، وإذا أردتم دلائل رقمية فلا مشكل لدي، حيث سجلنا خلال نوفمبر الفارط إقبال 1686 مواطن وفي شهر ديسمبر 5249 مواطن ليكون المجموع الإجمالي للسنة الفارطة 34064 مواطن وهو عدد كبير ويستحق الثناء والإعتزاز، فهذا إن دل فإنما يدل على غيرة المواطن الوهراني على تاريخ بلاده وشغفه للتعرف على حضارته عبر مختلف العصور. فإذا كان الجمهور مهتم لهذه الدرجة بالمتاحف فلم لا نعزز جهودنا لجعله يرقى الى مستوى أفضل، ونسخر جميع الوسائل الضرورية كي يبدو متحفا راقيا أكثر مما هو عليه، وهذا يؤكد لنا بوضوح أن الجمهور الوهراني يملك "ثقافة المتاحف". الجمهورية: وماذا عن المشاريع؟ ف.سيلام: يوجد مشروعين لحد الساعة، وأنا أتكلم عن إعادة فتح صالة "الآثار الرومانية" التي كانت مغلقة منذ 6 سنوات حيث كان المتحف يفتقر لوجود صالة خاصة بهذا النوع من الآثار مما صعب علينا تضيف بعض القطع الأثرية التي يعود تاريخها الى الفترة الرومانية وإدراجها ضمن فرع الآثار القديمة على غرار الفسيفساء المستوحاة من الميتولوجية الرومانية التي اكتشفت سنة 1862 "ببرتوس ماقنوس" أي بطيوة حاليا، إضافة الى مجموعة من المصابيح المزخرفة وتماثيل من المرمر والبرونز الى جانب شواهد القبور والنصب الميلية التي عثر عليها بمناطق مختلفة من الوطن خاصة الغرب الجزائري. وللإشارة فإن هذا الفرع المجدد للآثار الرومانية قد قمنا بترميمه بالتعاون مع الجمعية الإسبانية "بلا حدود" وسنخصصها لإحتضان المجموعات الأثرية التي يعود تاريخها للفترة الرومانية، وسنفتح أبواب هذا المشروع للجمهور في أفريل القادم إن شاء اللّه تزامنا مع شهر التراث. أما المشروع الثاني فيتعلق بفتح صالة جديدة خاصة بالنقود الأثرية وقد بدأنا أمس في الأشغال لننهيه على الأرجح بعد شهرين تقريبا، وسأشرف شخصيا على فتحه للجمهور في اليوم العالمي للمتاحف، علما أننا قد أنهينا العمل العلمي الخاص بالمشروع ولم تتبق سوى أشغال الإنجاز، وقد كان هذا المشروع حلمي منذ سنوات وكنت دائما أطمح لفترة هذه الصالة واليوم الحمد للّه تمكنت من ذلك وحققت حلمي أخيرا، كما فسحت المجال أمام الجمهور حتى يتعرف على مجموعة جديدة من الآثار . الجمهورية: كلمة أخيرة؟ ف.سيلام: في الأخير أتوجه بالشكر الكبير لوزيرة الثقافة السيدة خليدة تومي على الإهتمام بمتحف زبانا والمتاحف الأخرى وإعطائها هذا القدر الكبير من التدعيم، كما أتمنى أن أحقق جميع طموحاتي التي كانت بدايتها بفتح هذه الصالة للنقود في إنتظار تحقيق طموحات أخرى ومشاريع تخدم المتحف بالدرجة الأولى، ليبقى حلمي الكبير هو إرجاع هذا المتحف الوطني لزبانا كجوهرة ثمينة ونفيسة.