يتفق العلماء والدارسون للعلوم المتحفية بتعريف المتحف بأنه ذلك المكان المعلوم أو المقر الثابت الذي تقدم من خلاله خدمات للمجتمع، لغرض التطوير نحو الأفضل، كما أنه كذلك مجال أو فضاء مفتوح أو محصور يقصده الخاصة والعامة من الناس للتعرف أو الإطلاع على المسار التاريخي والحضاري للأمم والشعرب عن طريق تلك التحف والمبتكرات ذات القيمة العلمية والفنية الفكرية والمادية ولكل توصلت إليه المعرفة الإنسانية. كما يعتبر المتحف فضاء رباط وتواصل وتربية بين مختلف الأجيال تحفظ به أدوات ووسائل ذات قيمة تاريخية سامية أو مقدسة غير مسموح للبعض منها بالتعرف عليها أو مشاهدتها الا من خلال المعارض الموسمية أو التظاهرات الثقافية. وتعود كلمة متحف إلى العصر اليوناني (ميزا) وهو إسم لأحد الإلهات السبع (سيدة الجبل) وأحد ربات الفنون التسع، أما باللغة العربية فهو ذلك المكان المحصن الذي تجمع فيه التحف الثمينة النادرة ذات القيمة المرتفعة المتزايدة في القدم ومع مرور الزمن. والمتاحف عموما هي خزائن لحفظ الذاكرة الإنسانية والحضارية والمعرفية الشاهدة على العبقرية الفكرية والعضلية لمختلف المراحل التاريخية والحضارية للأمم والشعوب. وما الشعب الجزائري إلا واحد من سلسلة تلك الشعوب والأمم التي عايشت حركية تاريخية وحضارية متنوعةالمشارب ومتعدد المذاهب ومختلفة الأجناس ما تزال مواقعها الأثرية المتناثرة عبر العديد من المدن والقرى والجبال والأدوية والصحاري تشهد على كل من بني وشيد وعمر، من الفنيقيين والبزنطنيين والوندال والروم والعرب والبربر، ومن الغزاة والمستعمرين من احرق وخرب ودمر، وعلى ثنايا تلك المعالم وصخورها الصلبة تبدد وتكسر. جمعت آثارها ووسائلها وموادها وتحفها. المتاحف الجزائرية المتنوعة المواضيع، المختلفة المصادر والاختصاصات، كالوطنية والجهوية والمحلية. وهو النمط العالمي الحديث الذي سلكته الجزائر وفق المنظور الثقافي والعلمي للمنظمات الثقافية والعلمية (اليونسكو - الألسكو...) وكذلك بسبب ثراء المخزون التراثي العريق الذي تكتنزه متاحف الوطن. كالمتحف الوطني للفنون الجميلة (1923) الذي يعتبر أغنى متحف في القارة الإفريقية والذي يغطي مختلف مراحل الفنون للعديد من المدارس الإستشراقية والإيطالية والسويسرية والهولندية والفرنسية والفنانين الجزائريين وكل ما تعلق بجماليات فن القرن العشرين. متحف الشهيد أحمد زبانة (1885) ومتحف سيرتا (1852) وما يجمعانه من مخزون تاريخي آثاري وحضاري وتحفي قديم وحديث تعبر عن مختلف المراحل التي عرفتها مدينتي وهرانوقسنطينة تعود إلى العصر الحجري القديم والمتأخر والمعاصر خاصة الفترات، البونية - الرومانية - النوميدية - المويتانية - المصرية. إلى جانب المسكوكات الذهبية والفضية والبرونزية، والقطع النقدية النادرة من العهود الأغلبية والفاطمية والمرابطية والموحيدية والزبانية المرينية وغيرها من المسكوكات التي ضربت بالجزائر وتونس ومصر واسطنبول. وغيرها من القطع النقدية المتداولة في عهد دولة الأمير عبد القادر. وكل ما مرت عليه وعرفته مدينتي قسنطينةووهران عبر التاريخ. »المتحف الوطني للآثار القديمة (1835) يعتبر من أقدم المتاحف الجزائرية الذي يضم بين أجنحته مختلف المواد والتحف الفنية التاريخية التي مرت بها العديد من الحضارات المتعاقبة على الجزائر مند فجر التاريخ إلى منتصف نهاية القرن التاسع عشر، كالليبية - النوميدية اليونانية - الرومانية - الوندالية البزنطينية. وكذا الفترة الإسلامية، كالأموية، والعباسية، والرستمية والأغالبية والزيرية، والحمادية، والمرابطية، والموحيدية، والحفصية والمرينية. وأنواع أخرى من المعتقدات والديانات التي سادت بالقارة الإفريقية. وإذا كان من الملاحظ أن المتاحف الجزائرية قد تأسست أثناء الفترة الإستعمارية فإنها كذلك خضعت للمنظومة التشريعية الفرنسية روحا وشكلا ومضمونا مما جعلها متاحف تعبر في معظمها عن المسار التاريخي الفرنسي والأوروبي اللهم إلا الشيء القليل عن المسار التاريخي الجزائري الأمازيغي الحضاري الأصيل. حيث بقيت تدور في حلقة القانون الفرنسي المتعلق بالمتاحف ردحا من الزمن إلى حين صدور الأمر.رقم 281-67 المؤرخ بيوم 1967/12/20 المتعلق بالحفريات وحماية المواقع والمعالم التاريخية والطبيعية، الموقع عليه من طرف رئيس مجلس الثورة الراحل هواري بومدين، وبناء على ذلك القانون شرع في بناء المتاحف الجزائرية مثل متحف سطيف ومتحف شرشال (1970) وتحويل بعض المقرات والبنايات الى متاحف مواضعية ومتخصصة كتحويل بيت الكاتب الرسام ناصر الدين ديني بقرار صادر عن مجلس الوزراء عام 1969 والمصنف كمتحف وطني 1993 ببوسعادة. وقد تزايدت الحركية المتحفية في التأسيس والإنشاء وجمع جلب التحف في قطاع الثقافة وقطاعات أخرى ذات الصلة بالتراث الوطني التاريخي والحضاري حيث أحدثت وصنفت المتاحف الى وطنية وجهوية ومتخصصة قربت من العشرين متحفا وطنيا. منها أربعة جهوية بمراسيم تنفيذية صدرت منذ أواخر 1985 إلى 2008 مما حذا بوزارة الثقافة أن تعيد النظر في تعديل الأمر المذكور بصدور القانون رقم 04-98 المؤرخ بيوم 1998/6/15 والمتعلق بحماية التراث الثقافي الذي يهدف أساسا إلى التعريف بالتراث الثقافي للأمة وسن القواعد العامة لحماية وحفظ وتثمين الممتلكات والموروثات الثقافية المادية وغير المادية المنقولة أو الثابتة الذي أمضاه الرئيس اليمين زروال وكل ما يعبر عن الهوية الوطنية عبر مختلف المراحل التاريخية والحضارية للشعب والأمة الجزائرية وتجذر هويته التي تشهد عليها بصماته المحفورة في المعالم الأثرية والمنقوشة في الحجر وعلى التحف الثمينة المدفونة بالأماكن الأثرية والحظائر والمحميات وتلك التي تكدست في الصناديق والواجهات بالمتحاف المحصورة والمفتوحة بالداخل والخارج دون التعرض للدراسة والتحليل والتحقيق والتثمين والتعريف، اللهم إلا النزر القليل ذي الصبغة العالمية الموحدة كالتحف والإبداعات الفنية المعاصرة والقديمة القليلة والتي تعود مسبباتها الى العجز في النصوص والقرارات المتعلقة بالتنظيم والتسيير المتحفي منذ إنشائها الى حلول. * مسح شامل للتراث الجزائري الألفية الثالثة وبالتحديد الى عام 2007 حيث تقدمت السيدة وزيرة الثقافة خليدة تومي ولأول مرة منذ استرجاع السيادة الوطنية 1962/7/5 بأول تقرير مسحي شامل أفضى إلى صدور مرسوم تنفيذي يوم 2007/5/27 حددت من خلاله مهام المتاحف وكيفيات تنظيمها وتسييرها واستغلالها وترشيد رسالتها التاريخية والحضارية وإبراز كل ما يتعلق بالهوية الوطنية من خلال الآثار والتحف والوثائق والمسكوكات وغيرها من الوسائل المعبرة عن الكنوز المتحفية للأمة الجزائرية. ذلك المرسوم المرجعي الذي أحدث ثورة في إنقاذ التراث الثقافي وحمايته من مختلف أوجه وأشكال الإهمال والسطو والإعتداء والتدهور بل انقاد روح التراث الوطني عمود الهوية الجزائرية والإنسانية. الذي ألحق بالعديد من المراسيم التنفيذية الأخرى أكثر من (40 أربعين) مرسوما ما يعادلها من قرارات تطبيقية توضحيه وتفسيرية، بل وتفعيلية بمختلف أنواع المتاحف وأشكال المحميات والحظائر وميادين البحث والدراسة وبكل ما له صلة بالتراث الجزائري. ذات الإهتمام الدولي كحظيرة الطاسيلي وحضيرة الأهقار، التي تعتبر أكبر متحف هواء الطلق في العالم وغيرهما من الحظائر الجزائرية والمواقع ذات التصنيف العالمي مثل تمڤاد - جميلة - قصبة الجزائر - تبازة - وادي ميزاب - قلعة بني حماد، وحضائر وطنية ذات أهمية إستراتيجية تراثية كالأطلس الصحراوي - وتندوف - وتوات فورارة والمحميات الأثرية المحفوظة كالجزائر - قسنطنية - تلمسان - تنس - دلس وندرومة، الى غير ذلك من المتحف الوطنية ( م الفنون الجميلة - م الباردو- م الآثار القديمة - الفنون والتقاليد الشعبية - متحف الشهيد أحمد زبانة وهران - م الآثار سطيف - م سيرتا قسنطنية - م نصر الدين ديني بوسعادة - م الفن الحديث والمعاصر - م المنممات والزخرفة والخط العربي - والمتحف البحري ومتحف تبسة - وشرشال والمتاحف الجهوية بخنشلة والمنيعة والشلف وبشار وغيرها كثير من المتاحف ذات السمعة الدولية والإهتمام الثقافي والعلمي والتاريخي كمتاحف الجيش الوطني الشعبي والمجاهدين والفلاحة والطاقة والبريد البنك المركزي وغيرها كثير مما يزخر به هذا الوطن الذي يغري ويغني ويبهر، بذلك التنوع المتحفي والمخزون التراثي العريق الذي يغطي التراب الوطني الجزائري جنوبا وشمالا وشرقا وغربا وبحرا والذي حددته النصوص التشريعية الجديدة فقد أصبح المرسوم النموذج وقاعدة تشريعية أساسية محفزة نحو تفصيل وتثمين تلك المعالم والمواقع والمراكز والمقرات الحافظة للكنوز والتحف وثروات الحظائر والمحميات تستدعي بالضرورة التوجه نحو التفكير في التشييد متحف الجزائر الكبير، يعبر عن كل المراحل التاريخية والحضارية والأطياف البشرية. ورباطا حصينا تحفظ فيه الذاكرة الوطنية الشاملة. وقلعة يتصدى من خلالها لكل أشكال الهجومات والغزوات الفكرية والثقافية المشككة في مكونات ومقومات تراثنا وهويتنا وتلك المشوهة لمسارنا التاريخي والحضاري العريق وكذا الإجتهاد في إصدار قانون خاص بالمتاحف الجزائرية تزيدها اختصاصا وتفعيلا ونشاطا قد تكون خزائن كنوزها النادرة وتحفها المميزة وثرواتها حظائرها ومحمياتها وطبيعة تواجدها مدتها الأثرية ومعالمها التاريخية ومواقعها السياحية ثروة دائمة، بديلة لللثروة البترولية الزائلة تلك الفترة النفطية المساهمة في خلق وتطوير البدائل والتي نعتقد أنها لا تتخلى عن التراث الثقافي.