يرتقب أن يعود الحديث عن الأسواق خلال هذه الفترة من حيث ضمان استقرار معادلة العرض والطلب وحتمية الضغط على مؤشرات الأسعار كي لا تعرف تصاعدا جنونيا، وبالذات عشية قدوم شهر رمضان الذي يفرض قواعد لعبة غالبا ما تفرز حالة قلق وانشغال المجتمع بالنظر للزيادة المنتظرة في مستويات الاستهلاك، خاصة بالنسبة لبعض المواد الغذائية الأساسية مثل اللحوم والخضر والفواكه التي لا تزال عرضة لممارسات مقلوبة تؤثر على القدرة الشرائية التي ما أن تحسنت في المدة الأخيرة الزيادات التي أدخلت على الأجور لمختلف الفئات العمالية، والتي يخشى أن تفرغ من محتواها لتحسين المعيشة جراء بقاء قطاع التجارة خارج السيطرة وانعدام الشفافية في تركيبة الأسعار، خاصة وأن الرقابة فقدت معناها بذريعة اقتصاد السوق وحرية التجارة وهو أمر يتنافى مع روح هذا الخيار أمام انتشار ممارسات الاحتكار والمضاربة، وهما أمران يتعارضان مع اقتصاد السوق بالمفهوم السليم. سعيد بن عياد ومن الطبيعي أن يتوقع سقوط السوق الاستهلاكية في دوامة الأسعار، إذا لم تبادر الجهات المختصة بترتيب الإجراءات المطلوبة لمثل هذا الظرف بالعمل في الاتجاهين الأفقي والعمودي لمنع هيمنة بارونات الأسواق من فرض منطقهم المخالف للتقاليد التجارية، وذلك بالتركيز على تنظيم محكم وشفاف على الأقل بالمستوى الأدنى لأسواق الجملة وشبكات تخزين المواد والمنتجات المرتبطة مباشرة بالمستهلك. أسواق الجملة التي تموّن السوق الاستهلاكية لا تزال معضلة تبحث عن حلول احترافية ينبغي لفرق المراقبة أن تتكفل بها وفقا لقواعد المنافسة التي تمنع أي تلاعب، بل تفرض اللجوء إلى تكريس الشفافية من خلال إلزامية العمل بمنهج اللائحة الأسبوعية للأسعار التي تحدّد المؤشرات وتوفر ضمان استقرار السوق وتفرز النوعية بل تعيد الاعتبار للجودة. وهنا يطرح السؤال مرة أخرى بشأن مدى المساحة التي تحتلها مهنة التجارة كممارسة احترافية تتوفر على حد أدنى من الأخلاقيات التي دمرتها جماعات المصالح وبارونات الأسواق الذين يقاومون كل مسعى يهدف إلى تكريس الاستقرار لتتضح إمكانية التحكم في القدرة الشرائية التي بدورها تبقى احد صمامات الأمان لديمومة التنمية في ظل مناخ عام من الاستقرار والهدوء. وضمن هذا السياق لا يعقل أن تبقى أسواق الجملة تنشط بعيدا عن الاحترافية المفقودة، حيث تلعب فيها الأموال الكبيرة بلا حسيب ولا رقيب، مما يضع المنتجات الغذائية في قبضة جماعات محدودة وغير معروفة على الساحة مثلما هو الحال لمحلات سوق الجملة للمواد الغذائية بالسمار بجسر قسنطينة، حيث لا يبدو لأدوات المراقبة أي وجود ملموس وفعال إلى درجة أن الزائر إليها يشعر كأن المنطقة تعيش في عزلة وتخضع لقواعد لا مجال فيها للشفافية، بل أن الرأي العام يبدو مندهشا من انتشار خبر يحمل تهديد تجار هذه السوق المفتوحة على كافة المفاهيم المغلوطة للممارسة التجارية إلا القلة ربما باللجوء إلى الإضراب، وهو أمر لا يحتمل في مثل هذا الظرف خصوصا، ما يستدعي اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لإنهاء حالة الأمر الواقع، خاصة وأن وزير القطاع أعلن مؤخرا عن تمديد إجراءات دعم السكر والزيوت، مما يبعث على الارتياح ولو مؤقتا في انتظار الحلول الجوهرية المطلوبة.