أحيا يوم الاثنين الماضي في صمت رهيب أهالي مدينة سربرينتشا البوسنية الذكرى ال 16 للمذبحة الرهيبة التي ارتكبها صرب البوسنة على مسمع ومرأى العالم، الذي لم يحرك ساكنا. ويأتي إحياء هذا اليوم بعد أسابيع من إعتقال الزعيم العسكري لصرب البوسنة آنذاك »راتكو ملاديتش« في صربيا،الذي ينتظر محاكمته بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية والإبادة. لقد كان 11 جويلية 1995 يوما دمويا بكل معنى الكلمة، إذ شهد أبشع عملية قتل جماعي في أوروبا المتحضرة الرافعة لشعارات حقوق الانسان منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية.. كيف لا وقوات حفظ السلام الأممية الممثلة في القوات الهولندية كانت قريبة من مسرح الجريمة، ولكنها كانت صماء عمياء، وهي في حكم التاريخ متواطئة بصورة فاضحة، لتمكينها مجرمي الصرب من إرتكاب هذه المجزرة الشنعاء دون أن تتحرك لوقفها. وفي حقيقة الأمر هذه المجزرة ليست الأولى، وإنما هي حلقة في سلسلة الجرائم التي أرتكبت ضد البوسنيين المسلمين العزل، ضمن مؤامرة غربية كبرى، إذ منعت الأممالمتحدة والغرب بقيادة الولاياتالمتحدة تسليح البوسنيين للدفاع عن أنفسهم ونيل حريتهم وإستقلالهم مثل بقية الدول التي إنفرط عقدها من يوغسلافيا سابقا، وبالمقابل كان تدفق الأسلحة بمختلف أشكالها على الصرب صباح مساء، والمؤامرة بطبيعة الحال كانت تستهدف في الأساس إبادة سكان هذا البلد وهم بوسنيون في الأصل، ولكن مصيبتهم أنهم بقوا مسلمون. وحافظوا على هويتهم المميزة، رغم كل الجرائم التي إرتكبت ضد الأجيال السابقة، وفي النتيجة لقد نجح الغرب في إقامة بوسنة مقطعة الأطراف يتعايش فيها أغلبية بوسنية مع الكروات والصرب، التي أعلنت دولتيهما من قبل في ظل تفتيت يوغسلافيا. ويبقى التاريخ يذكر أن حرب البوسنة كانت حرب إبادة، إذا زار آنذاك الزعيم العسكري لصرب البوسنة راتكو ملاديتش مدينة سربرينيشا، التي كانت خاضعة لحماية الأممالمتحدة، ووعد اللاجئين البوسنيين المجتمعين أمام ثكنات الأممالمتحدة بالقول: لا تخافوا.. لن يؤذيكم أحدا..! لكن في حقيقة الأمر كانت كلماته الناعمة غطاءا للمرحلة الأخيرة من خطة إجرامية، تستهدف إبادة آلاف المدنيين الأبرياء ومنع إقامة دولة البوسنة. وبالفعل كانت قواته قد بدأت مهمتها الدموية بفصل الرجال عن النساء والأطفال والمسنين.. حسب روايات الصرب، وبعدها بأيام قامت بقتل 8 آلاف رجل بطريقة بربرية وحشية، ودفنتهم في مقابر جماعية، غير أنها أقدمت بعدها على نبش هذه القبور الجماعية لإخفاء حجم هذه الجريمة، بنقل الرفات وتوزيعها إلى مقابر أخرى أصغر متباعدة، مازال بعضها مجهولا إلى اليوم، يبحث ذويهم عن رفاتهم حتى يعيدون دفنها في مقابر معلومة، ليناموا مطمئنين بعد طول حداد. وبطبيعة الحال، فإن هذه الجريمة لم تقتصر على الرجال وكأن القتل جائز بحقهم، وإنما مس الأطفال والنساء والمسنين على السواء، وهذا ما يتأكد من دفن رفاة 613 من ضحايا هذه المجزرة يوم الاثنين الماضي، الذين عثر عليهم في مقابر جماعية وتم تحديد هويتهم منذ سنة. إذ يوجد من بينهم طفلا عمره 11 عاما و70 آخرين، وعلى سبيل المثال لا الحصر فتاة تبلغ من العمر 20 عاما وشيخ عمره 82 عاما عند وقوع المجزرة. وإذا كانت مراسم دفن رفاة هؤلاء الشهداء التي حضرها 30 ألف بوسني بعد مسيرة 30 كلم على الأقدام قد تخفف دموع وآلام ذويهم الذين ظلوا يعيشون الحداد منذ وقوع هذه المجزرة قبل 16 سنة، فإنها تذكر بالمجازر الأخرى التي ما يزال يرتكبها الغرب ضد المسلمين في مختلف أصقاع الأرض ،لا لشيء سوى لهيمنة روح الصليبية والصهيونية بسبب ديانتنا السمحة وإستمرار الأطماع الاستعمارية في ثرواتنا الطبيعية، التي يغذيها ضعفنا وتفككنا واستقواء البعض منا بقوى الهيمنة والعدوان.