أصبح التوسع في شن غارات الطائرات الامريكية من دون طيار محل استياء شعبي واسع وتنديد شديد في مختلف الاوساط الباكستانية، مما يزيد من حدة المطالبة بالتخلي عن كل تعاون مع واشنطن. ولعل آخر امثلتها الصارخة، الغارات الثلاثة الوحشية التي شنتها هذه الطائرات العمياء خلال 12 ساعة يوم الثلاثاء قبل الماضي على مناطق القبائل شمالي غربي باكستان، مخلفة مقتل ما لايقل عن 46 شخصا وفيما جاءت هذه الغارات لتسقط بظلالها على العلاقات بين اسلام أباد وواشطن المتدهورة اصلا، فانها ستعطى دفعا للحملة القانونية التي بدأها ناشطون باكستانيون وبريطانيون وذوو الضحايا الباكستانيون لاصدار مذكرة توقيف دولية بحق المستشار القانوني لوكالة المخابرات المركزية الامريكية جون ريزو، الذي اجاز شن غارات طائرات التجسس بدون طيار التابعة للوكالة على مناطق داخل باكستان سقط خلالها المئات من الضحايا المدنيين الأبرياء. 46 قتيلا في ثلاث غارات خلال يوم واحد إن هذه الغارات الثلاثة الأخيرة التي استهدفت وفقا لمصادر أمنية باكستانية منازل وسيارات لمن يعتقد بأنهم مسلحون يشنون غارات على القوات الأمريكية داخل افغانستان، تبقى محل شك وتساؤل كبيرين لكون طالبان أفغانستان تتكفل بمثل هذه العمليات داخل بلادها، ومن غير حاجة إلى مساعدة طالبان باكستان، ولا أدل على ذلك من العمليات الأخيرة التي قامت بها خلال الأيام القليلة الماضية والتي أدت إلى مقتل الأخ الشقيق للرئيس الأفغاني حامد كرازاي ومستشارة بالإضافة إلى قتل العديد من الجنود الأفغان وجنود القوات الدولية المحتلة. كما أن شن غارات الطائرات الأمريكية بدون طيار لم يغير كثيرا من الوضع المعقد بباكستان، رغم الخسائر الكبيرة التي تتسبب فيها سواء على الصعيد البشري أو المادي، حيث سجل بالغارات الثلاثة الأخيرة يوم الثلاثاء قبل الماضي 46 قتيلا أكبر عدد من القتلى سقط في يوم واحد ضمن الحملة الأمريكية بطائرات دون طيار ضد من تصنفهم بالمتشددين أو المقاتلين الاعداء في شمال غرب باكستان، في حين كان أكبر عدد من الضحايا الذين سقطوا بفعل هذه الغارات في يوم واحد كان في شهر جوان 2009، عندما قتل حوالي 70 شخصا في هجوم الطائرات بدون طيار في وزيرستان الجنوبية. الطائرات بدون طيار جزء من حرب دعائية لقد كثفت الادارة الامريكية في عهد الرئيس باراك أوباما من استعمال هذه الطائرات لقدرتها على التحليق بالمناطق المستهدفة وتحديد الأهداف بدقة كبيرة دون تعرض أرواح جنودها للخطر، ويتوقع مسؤولون أمريكيون أن يؤدي استخدامها إلى شل قدرة طالبا باكستانوافغانستان والقاعدة باليمن ومناطق أخرى بفعل تهديدات القاعدة بشن هجمات ضد الغرب ومصالحه حول العالم. وفي واقع الأمر أصبحت هذه الطائرات جزءا من الحرب الدعائية في المنطقة التي تستخدم فيها، في حين أن المتمردين حسب صحيفة بريطانية يقدمون أنفسهم على أنهم مستضعفون يواجهون قوة جبانة وغير مستعدة للمخاطرة بحياة أفرادها، ولكنها مسرورة بالقتل عن بعد. جدل حول شرعية وأخلاقية الطائرات العمياء يثير استخدام الطائرات بدون طيار التي تديرها وكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي.آي.آي) في 6 بلدان عربية واسلامية وهي: الصومال، باكستان، افغانستان، العراق، اليمن، لتشمل في المدة الأخيرة ليبيا، الكثير من الجدل بخصوص شرعية واخلاقية هذا الاستخدام، خاصة وأن غاراتها التي تتم في منتصف الليل، اصبحت تخلف الكثير من الضحايا من المدنيين الابرياء، بما فيهم النساء والأطفال والشيوخ، الذين غالبا ما تدمر عليهم مساكنهم، وهم نائمون في أمان. وفي هذا المجال يقول الكاتب الأمريكي يوجين روبنسون: أنه مقتنع بأن هذه الطريقة في شن الحروب تكلف أقل، لكن استخدامها لتنفيذ عمليات اغتيال ربما يكون عملا غير أخلاقي، مشيرا إلى أن الجدل يتزايد في العالم بشأن شرعية استخدام هذا النوع من الطائرات في شن هجماتها المفاجئة وغير المتوقعة على الناس. ويوضح أنه سيتم الاعتماد الأكثر على هذا النوع من الطائرات في المستقبل في إطار استراتيجية محاربة الارهاب، مؤكدا في هذا السياق بأنه تم تنفيذ 215 من الهجمات بواسطة هذا النوع من الطائرات في باكستان منذ جانفي 2009. عمليات جراحية للجماعات التي تهدد الأمن القومي الأمريكي وضمن هذه الاستراتيجية الامريكية يشير »جون بيرنان« مستشار الرئيس باراك أوباما إلى أن الولاياتالمتحدة لن تعتمد على جيوش كبيرة الحجم في الحروب الخارجية المستقبلية حسب قوله يمكن اجراء عمليات جراحية للجماعات التي تهدد الأمن القومي للبلاد، أينما وجدت في الخارج عبر وسائل أخرى متعددة، ومن بينها هذه الطائرات. وتقول “واشنطن بوست”، إن الطائرات بدون طيار تمثل الاقتراب من نقطة تحول تكنولوجية، قد تحقق ثورة حقيقية في الشؤون العسكرية، وفقا لدراسة بريطانية أجريت برعاية رؤساء هيئة الأركان المشتركة البريطانية. وتخلص هذه الدراسة إلى أنه من الضروري الا يخاطر المسؤولون العسكريون بفقد قواتنا البشرية المسيطرة وجعل الحرب أكثر احتمالا، عبر استخدام الطائرات بدون طيار، وبما أنها تمنع الخسارة المحتملة لأرواح طاقم الطائرة، فإن استخدامها من الناحية الأخلاقية جائز. وكانت قضية استخدام الطائرات بدون طيار قد نوقشت في مؤتمر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية المنعقد خلال منتصف شهر أفريل الماضي بواشنطن، ودافع عدد من مسؤولي وزارة الدفاع عن منظومتها، ومنهم المقدم بروس بلاك، الذي أبد برنامج طائرتي بريداتور وريبر التابعتين للقوات الجوية، مشيرا إلى أن نحو 180 فردا يشتركون في ظل مهمة يقوم بها في هذا النوع من الطائرات بدون طيار، وبالنتيجة حسبه فإن المراقبة الاخلاقية لهذه الطائرات تفوق المراقبة في حالة الطائرات العادية التي يقودها الطيارون. العسكريون يراهنون على مستقبل الطائرات بدون طيار ويستشف مما ذكر، أن استعمال الطائرات بدون طيار، سيعرف توسعا كبيرا في المستقبل، ويزيد من النزعة العدوانية الأمريكية عبر العالم تحت مسميات محاربة الإرهاب وإجراء عمليات جراحية للجماعات التي تهدد الأمن القومي الأمريكي، أينما وجدت في العالم وبأية وسيلة كانت من دون أية ضوابط قانونية أو أخلاقية ومن دون حسيب أو رقيب، مثلما يحدث حاليا في باكستانوأفغانستان والعراق وغيرها من البلدان العربية والإسلامية المستهدفة. وفي التطبيق العملي، فإن اعتماد هذه الطائرات، لا يمكن معه إضفاء الشرعية عليها، مهما كانت الأسباب، فمثل هذه العمليات التي تتم بتشغيل وإدارة الطائرات بدون طيار عن بعد وعلى مسافة قد تتجاوز ال15 ألف كلم بشكل إلكتروني بواسطة مشغلين من البشر على الأرض، بحيث يحركونها يمنة ويسرى حسب الهدف المتابع الذي يكون بريئا أصلا، وذلك بالكيفية ذاتها المستعملة في الألعاب الإلكترونية، الأمر الذي إنتقدته بشدة الأممالمتحدة. إن إغتيال أشخاص تعتبرهم الولاياتالمتحدة أهداف إرهابية بناء على نوايا إفتراضية، وليس حتى إستنادا إلى أقوالهم أو أفعالهم الحقيقية، إنطلاقا من معلومات إستخباراتية مسبقة قد تستند على وشايات كاذبة، مثلما حدث لمعتقلي غوانتانامو والسجون السرية الأمريكية، قد يتسبب في أخطاء جسيمة، مثلما يحدث للتأكد من أن الشخص المستهدف موجود داخل البيت أو السيارة محلّ القصف الصاروخي بالطائرات بدون طيار، مما يجعل من المستحيل تجنب الأخطاء القاتلة. ولعلنا نتساءل هنا عن الجدوى من قتل المئات من الأشخاص الأبرياء الذين إستهدفتهم الطائرات الأمريكية بدون طيار. ولم يقم أي منهم بأي فعل حقيقي معاد للولايات المتحدة، ولم يدر حتى بخلد أغلبهم زيارة هذا البلد، وإن كان بعضهم يحملون الأسلحة في بلدهم. فهذه ليست بجريمة يعاقب عليها بالتصفية الجسدية، التي تتكفل بها الطائرات بدون طيار، خاصة إذا ما علمنا أن مثل هذه الظواهر مسموح بها في الولاياتالمتحدة ذاتها التي يوجد بها 300 مجموعة شبه عسكرية، علاوة على أن الشعب الأمريكي يتوفر على أكثر من 250 مليون قطعة سلاح بصورة فردية. لماذا قصف ليبيا بالطائرات بدون طيار..؟ كما أن المنطق الأمريكي الذي يجيز التوسع في إستعمال هذه الطائرات العمياء لملاحقة طالبان باكستانوأفغانستان وكذا عناصر تنظيم القاعدة، بصفتهم خطرا على الولاياتالمتحدة، ليسوا هم بالعدد الضخم الذي يروّج له القادة السياسيون والعسكريون الأمريكيون كفزاعة للشعب الأمريكي بصورة خاصة والعالم أجمع بصورة عامة. ولعل الأمر الذي يمكن طرحه هنا.. لماذا الاستنجاد بهذه الطائرات الخطيرة لشنّ هجمات على ليبيا التي خلفت العديد من الضحايا الأبرياء، رغم أن ليبيا لم تشكل يوما أي خطر على الأمن القومي الأمريكي. وبالتأكيد، فإن الاجابة عن هذا السؤال تعني الكثير الذي ينتظر العالم، الذي سيعرف التوسع في الحروب الأمريكية عن بعد باستعمال الطائرات بدون طيار وعتاد الحرب الآلي بدون خسائر بشرية. وهي حروب لن تمسّ إلا الدول الضعيفة الخارجة عن المظلة الأمريكية والسائرة في عكس تيارها. تضارب في أعداد القتلى بين المصادر الأمريكية وغيرها وعلى الصعيد العملي، تؤكد تقديرات الولاياتالمتحدة، أن هجمات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالطائرات بدون طيار في المناطق القبلية لباكستان خلال العامين الماضيين قد أسفرت عن قتل أكثر من 500 شخص ممن يوصفون بالمتشددين، بينهم عدد قليل ممن يعتبرون قادة وأقل من 30 مدنيا، وذلك رغم أنه ليست هناك حرب معلنة بين الولاياتالمتحدةوباكستان، ويقل بالتأكيد عدد هؤلاء كثيرا عن روايات الصحافة الباكستانية التي تقدر عدد القتلى المدنيين وحدهم بأكثر من 600 شخص. وبالمقابل، تظهر بيانات “رويترز” ومنظمات محلية ودولية أخرى، أن عدد القتلى منذ منتصف سنة 2008، يتجاوز كثيرا التقديرات الأمريكية، إذ يؤكد إحصاء ل “رويترز” مقتل 850 شخص في 110 هجمات على الأقل منذ سنة 2008، يوجد من بينهم 14 من كبار تنظيم القاعدة أو حركة طالبان أو جماعات مسلحة أخرى، بالإضافة إلى 24 آخرين قادة من المستويات العليا إلى المتوسطة. وفي الحقيقة، لا يمكن التأكد من العدد الحقيقي للقتلى في صفوف المدنيين، لأن أرقام الخسائر والإصابات في المناطق القبلية التي يصعب على الخبراء دخولها، ولا يسمح للصحفيين السفر إليها إلا في رحلات يشرف عليها الجيش الباكستاني. ومن غير الواضح أيضا، المعايير التي تستخدمها المخابرات الأمريكية في اختيار أهدافها وتحديد من يعتبر مقاتلا معاديا. ويوضح هنا مسؤول أمريكي في مجال مكافحة الإرهاب يوم 4 جويلية الجاري، أن التقديرات التي يتم تجميعها تجرى باستخدام معلومات الاستخبارات والصورة والملتقطة من الطائرات بدون طيار التي يمكنها التحليق ساعات بعد تنفيذ هجماتها لتقييم الأضرار. الأممالمتحدة تدعو لوقف هجمات القتل عن بعد ولهذا دعا تقرير للأمم المتحدة، صادر في ال 3 جوان الماضي، إلى وقف هجمات الطائرات الأمريكية بدون طيار على باكستان، حيث حذّر المقرر الأممي (فيليب إلستون) من أن عمليات القتل بعيدا عن ميدان المعارك، قد يؤدي إلى تبني ما سماها عقلية ألعاب الفيديو (بلاي ستيشن). وذكر التقرير أن الولاياتالمتحدة تسيطر على أسطول من الطائرات بدون طيار من مقر وكالة المخابرات المركزية في فرجينيا، بالتنسيق مع طيارين مدنيين بالقرب من مطارات مخبأة بأفغانستانوباكستان يتحكمون في تلك الطائرات عن بعد. وقال إلستون، مشيرا بهذا الصدد، إلى ألعاب الفيديو: لأن القائمين على تنفيذ تلك الضربات يبعد مقرهم آلاف الأميال عن ميدان القتال. ويتولون العمليات كاملة من شاشات حاسوب، فإنه يوجد خطر أن يكتسبوا عقلية ألعاب “بلاي ستيشن” في القتل.