تستقطب ولاية جيجل، آلاف السياح في موسم الاصطياف، فطبيعتها الساحرة التي يتعانق فيها الجبل بالبحر في لوحة طبيعية نادرة تجعل الباحثين عن لحظات منعشة ومريحة يختارونها وجهة سياحية عن غيرها من مناطق الوطن، ما يؤهلها لأن تكون في مصف الولايات السياحية دون منازع، ومصدرا يدر العملة الصعبة للخزينة العمومية، غير أن السير الأعرج للتنمية المحلية بهذه المنطقة ونقص الخدمات وهياكل الاستقبال بات يرهن تطور السياحة في هذه الولاية ويعكر صفو العائلات والسياح على حد السواء حتى وإن فضلوا قضاء أيام من العطلة السنوية بهذه المنطقة الساحرة. وأنت تحط الرحال ب "عروس الشرق"، كما يحلو للكثيرين تسميتها، تخطف أنظارك أكوام البشر القادمة إليها من كل حدب وصوب، فلون البشرة المتمايل بين الأسمر الداكن والفاتح، والأبيض والأصفر وتعدد اللهجات، يؤكد نظرية تفضيل الجزائري، أينما كان لولاية جيجل الساحلية لقضاء عطلة الصيف بعيدا عن ضغط العمل، والروتين اليومي بمنطقته، فبين الشوارع والميناء وشواطئ البحر، ومساحات الاستجمام تتسابق السيارات بلوحات أرقام الولايات المختلفة للفوز بمكان يوفر لحظات ممتعة قد لا تتكرر وسط سحر الطبيعة الخلاب للمنطقة، فجيجل التي تقع شرق الجزائر العاصمة تطل على البحر الأبيض المتوسط على مسافة تقدر ب 120 كلم وتشتهر بكورنيش رائع الجمال يجمع بين البحر والجبال الصخرية الغابية الممتدة الى حدود ولاية بجاية، بالإضافة إلى وجود المغارات العجيبة التي زادت المنطقة سحرا وجمالا. انتعاش إيجار السكنات وتوفر الأمن يجعل العائلات تبيت في العراء مقومات الجذب السياحية هذه جعلت العديد من العائلات الجزائرية تفضل قضاء عطلتها السنوية بجيجل، حيث تحزم حقائب السفر في الأيام الأولى لفصل الصيف حتى تضمن مكانا بالمنطقة، نظرا لكثرة الوافدين إليها وضعف هياكل الاستقبال التي لا تسمح باستيعاب ذلك الكم الهائل من البشر وهو الوضع الذي جعل العائلات الجيجلية تتنازل عن سكناتها الخاصة لصالح زوار المنطقة الباحثين عن لحظات الراحة والاستجمام بين شطآنها وخلجانها الرائعة، فتؤجرهم إياها بسعر 4000 الى 5000 دينار جزائري مقابل الليلة الواحدة. ويقول أحد السياح العائدين من ولاية جيجل، أن سعر كراء السكنات بهذه الولاية الساحلية شهد ارتفاعا في السنوات الأخيرة، حيث قفز من 2000 دينار إلى 4000 و4500 دينار لليلة الواحدة، أي بضعف المبلغ السابق، ما جعل العائلات الجيجيلة تضمن مدخولا لا بأس به في موسم الاصطياف قد يصل إلى 24 مليون سنيتم في مدة شهرين ونصف المبلغ إذا اقتصر موسم الاصطياف على شهر واحد مثل هذه السنة، نظرا لتزامنه وشهر رمضان المعظم، حيث تفضل العائلات الجزائرية قضاء هذا الشهر في بيوتها. وتشير الإحصائيات إلى أن عدد المساكن التي يتم كراؤها ببلدية العوانة لهذا الغرض تفوق 600 مسكن مقابل 400 مسكن ببلدية زيامة منصورية، مقابل 1000 مسكن بعاصمة الولاية. ولعل ما يجعل العائلات الزائرة لولاية جيجل، تفضل كراء الشقق السكنية على الإقامة بالفندق هو توفر هذه المساكن على كل مستلزمات الحياة، كون أن العائلات المالكة لها تؤجرها بأثاثها ما يوفر الراحة والإقامة المريحة خاصة وأن أغلب هذه السكنات تتواجد بالقرب من الساحل والمناطق السياحية، ناهيك عن توفر الأمن بشكل عام وهو ما يجعل بعض العائلات تتخذ من الحدائق والساحات العمومية مبيتا لها مستأنسة بضوء القمر، والنجوم ونسيم مياه المتوسط. وبساحة ميناء النزهة بالعوانة، إحدى البلديات الساحلية لا تفرق بين الليل والنهار هناك، لكثرة الحركة التي يصنعها الزائرون للمنطقة سواء العائلات القادمة من الولايات المجاورة أو العائلات الجيجلية، فقد أنعش التنظيم المحكم للمحلات والمقاهي المنتشرة على طول الميناء ومعارض الصناعات التقليدية المقامة بالمناسبة الحركة التجارية والسياحية ودفعت بالعائلات إلى السهر تحت أضواء المصابيح التي زادت الساحة رونقا وجمالا. ندرة الخبز أزمة سنوية يدفع فاتورتها المصطافون الإقبال المنقطع النظير على "عروس الشرق جيجل" جعل المنطقة تعج بالسياح والمصطافين القادمين إليها من داخل وخارج الوطن، وأدخلها في أزمة خبز حادة لاسيما بالمناطق الساحلية على غرار زيامة منصورية، العوانة، عاصمة الولاية، قاوس، وغيرها من المناطق، وهي الندرة التي دفع ضريبتها المصطافون غاليا، وجعلتهم يدخلون في رحلة بحث طويلة لعل وعسى يظفرون بقطعة خبز بعدما صار العثور عليها أمرا مستحيلا إذا ما تجاوزت الساعة العاشرة صباحا، فما بالك بعد العودة من الشاطئ مساء، وهو ما دفع بأغلب العائلات المصطافة إلى البحث عن الخبز التقليدي "المطلوع" كبديل للعادي غير أن سعره تضاعف عن السابق حيث وصل إلى 35 دينار جعل تلك العائلات تسقط في فخ المضاربة والندرة معا. وتتكرر مشاهد ندرة الخبز بجيجل كل موسم اصطياف، نظرا للإقبال الكبير على شواطئها الساحرة، لكن اللافت للانتباه أن السلطات المحلية لم تكلف نفسها عناء إنهاء هذا المشكل ولو باتخاذ إجراءات ظرفية تلزم بها الخبازين بمضاعفة ساعات العمل ورفع طاقات الإنتاج لتلبية الطلب المتزايد من السياح والمصطافين، حتى لا يضطرون إلى الاستغناء عن هذه المادة في وجباتهم الغذائية أو يدفعهم الوضع إلى مغادرة الولاية مكرهين.
نافورة العوانة تنتظر وصول الماء منذ 6 أشهر وإذا كان جمال جيجل الساحر قد يشفع لها ويغض طرف السياح والمصطافين عن أخطاء المسؤولين ولا مبالاتهم، فإن الأمر لن يكون دائما في صالح هؤلاء إذا ما استمروا في إلقاء اللوم على كل طرف، ورمي الكرة في مرمى الولاة أو المسؤولين السابقين، لأن عدم تحسين المحيط والاهتمام به قد يدفع السياح إلى مقاطعة الولاية وعدم العودة إليها مجددا، خاصة وأن عديد المناطق تنافس الولاية سياحيا نظرا لتوفرها على نفس المقومات والثروات الطبيعة ناهيك عن الآثار والمواقع السياحية. وتعاني بعض المناطق بولاية جيجل من ضعف التنمية، حتى أن بعض العائدين من جيجل أقروا بوجود بعض النقائص التي عكرت صفو رحلتهم السياحية، مثل حديقة الحيوانات ببلدية العوانة التي تعاني من نقائص عديدة ومنها غياب اللوحات الإشهارية والتوجيهية الدالة على أجنحة وأقسام الحديقة، كما أن مياه الحوض المائي الطبيعي الذي يتوسط هذه الحديقة المترامية الأطراف لا تزال عكرة مما أفقدها رونقها وجمالها السابق، ناهيك عن نقص الإضاءة عند مدخل الحديقة ووسطها. أما قبالة الحديقة وبالشارع الرئيسي للطريق الوطني رقم 43، فمازالت النافورة التي كانت إلى وقت قريب مكانا يجمع العائلات الجزائرية، نظرا للبرودة التي تمنحها، تنتظر منذ 6 أشهر وصول الماء إليها بعد أن توقفت المضخة عن العمل، لتدخل المصالح المحلية في صراع حول الجهة التي يفترض بها أن تبادر لإصلاح العطب الذي يكلف مبلغ 40 مليون سنيتم. لكن هذا لا يمنعنا من القول أن مياه الشرب أصبحت تزور حنفيات البيوت يوميا، الممونة من "سد كسّير" الذي دشن مؤخرا، بعد أن شحت لسنوات.