تشهد عاصمة الأوراس باتنة، على غرار العديد من ولايات الوطن برامج تنموية ضخمة في مختلف القطاعات، خاصة السكن الذي يعتبر أهم حلقة في معادلة التنمية كون امتلاك سكن حلم كل مواطن جزائري، الأمر الذي دفع بالدولة إلى تسطير برنامج ضخم للسكنات الجماعية للتكفل بهذا الإنشغال عبر استحداث عدة صيغ سكنية كالتسامي والترقوي والترقوي المدعم وغيرها، دون الحديث عن السكن الإجتماعي والريفي. هذه البرامج السكنية الكبرى التي استفادت منها باتنة تواجه في غالبيتها مشاكل عدم احترام مقاييس الإنجاز وآجال التسليم، حيث لا يكف المسؤولون المتعاقبون على تسيير الولاة على توجيه انتقادات لاذعة وإعذارات، وأحيانا تحريك حتى متابعات قضائية ضد بعض المقاولين ومكاتب الدراسات وحتى المرقين العقاريين، وسحب مشاريع منهم لإجبارهم على الوفاء بالتزاماتهم التي تعهّدوا بها بتسليم سكنات أو مرافق عمومية في آجال تتم مخالفتها غالبا. غير أن حقيقة المشكلة لا يتحمل تبعاتها المرقي العقاري مثلا وحده إذا أخذناه كعينة في هذه المعادلة، حسبما أفاد به رئيس المكتب الولائي للمنظمة الوطنية للمرقين العقاريين لولاية باتنة، السيد بولخراص بن بلاط، صاحب المجمع الرائد في إنجازات السكنات الجماعية بالجزائر، مؤكدا أن الإدارة تتحمّل بدورها جزءا كبيرا من كل ما يحدث في سوق العقار وإنجاز السكنات بالجزائر وبالولاية باتنة، كونها تمارس بيروقراطية مقيتة ضد المرقين العقاريين، ولا تستشيرهم في كل ما يخص هذه القضية، حيث تتخذ قرارات انفرادية وتنتظر من المرقين الوفاء بالتزامات هي أول من بادر بالتنصل منها. وقد كشف المصدر أن مهنة المرقي العقاري أصبحت على قدر كبير من الخطورة بسبب الصعوبات الكثيرة والمفتعلة، التي باتت تواجه المنتمين لهذه المهنة، والذين يقدر عددهم بالولاية ب 232 مرقي يمتلك مؤسسة عقارية معتمدة تواجه الإفلاس بسبب جمود المشاريع السكنية، وفي حال لم تتدخل الدولة وتقوم بمرافقتها في كل عمليات إنجاز المشاريع التي يستفيدون منها لفائدة الصالح العام، خاصة ما تعلق بإنجاز السكنات الجماعية التي أشار بولخراص بن بلاط إلى أنّها تراجعت بشكل كبير في الولاية لصالح السكنات الفردية حتى ببعض الأقطاب السكنية الجديدة، على غرار حملة أن منحت فيها الإدارة تراخيص لإنجاز سكنات فردية في أحياء وتجمّعات بها المئات من العمارات السكنية الجماعية. كما يواجه المرقين العقاريين إلى جانب عدم المرافقة من السلطات المعنية مشكلة الطبيعة القانونية للعقارات الموجهة لإنجاز السكن الفردي بدل الجماعي رغم الطلب المتزايد عليه، وبالتالي استنزاف الأوعية العقارية على قلتها لصالح منح الترخيص لإنجاز مشاريع سكنية فردية ببيع هذه العقارات كتعاونيات وتحصيصات موجهة للسكن الفردي. هذه الأزمة تفاقمت في الآونة الأخيرة بسبب عدم استجابة المصالح الإدارية حسب بن بلاط لمقترحات المرقين، التي أطلقوها منذ سنوات وفي كل المناسبات، وخلال لقاءاتهم مع الجهات الوصية كضرورة إلزام ملاك التحصيصات والتعاونيات العقارية الذين تحصلوا على رخص البيع، بتوجيه عقاراتهم لإنجاز السكنات الجماعية، الأمر الذي من شأنه حل مشكلة السكن وتحقيق منفعة مباشرة للجميع سواء كانوا أصحاب تعاونيات أو مرقين أو مواطنين، وذلك من خلال إنجاز أكبر عدد من السكنات التي تتوفر على جميع المرافق، في ظل توفر مواد البناء المنتجة محليا، والتي أصبحت باتنة قطبا وطنيا رائدا فيها من خلال عدد المصانع التي تشتغل في هذا المجال، يضيف بن بلاط عدم الأخذ بمقترحات المنظّمة وراء المشاكل مع المكتتبين ومن بين تلك المقترحات حسب رئيس المنظمة التوجه نحو استغلال مخططات شغل الأراضي المستقبلية، بمنح التراخيص للمرقين، من خلال تفعيل مداولات المجالس البلدية المنتخبة المجمّدة على مستوى الدوائر، وإعادة النظر في القوانين المنظمة لاستغلال العقار بإشراك المرقين في سنها لضمان مرافقة حقيقة وجادة. وأوضح رئيس المكتب الولائي لذات المنظمة بباتنة، أنّ العراقيل التي تواجه المرقين العقاريين حالت دون انجاز المشاريع في أجالها في حال استفادوا منها، بسبب عدم تسوية بعض الالتزامات المالية لهم، والتي لها انعكاسات وخيمة على نشاطهم على غرار تسريح الآلاف من العمال الذين يشتغلون عبر مختلف الورشات السكنية، وخلق مشاكل بينهم وبين المكتتبين. وبخصوص الأسباب الحقيقية لارتفاع أسعار السّكنات رغم وفرة مواد البناء، فأرجعها المصدر إلى ارتفاع ثمن العقار بالدرجة الأولى، حيث بلغ سعر المتر المربع الواحد في بعض المناطق بعشرات الآلاف من الدينارات، وهي أسعار خيالية. كما تحدّث بن بلاط عن عراقيل أخرى حالت دون تطوير قطاع السكن بصفة عامة وتحسين أداء المرقّين، منها مشاكل صندوق ضمان المشاريع، الذي يساهم فيه المرقي العقاري ولا يستفيد منه، حيث أشار إلى تجميد أموال المرقين دون بعث مشاريع متوقفة لأسباب قانونية ونزاعات مؤكدا وجود قوانين تنظيمية تحكمه وتسييره غير أنها لا تتطابق والواقع خاصة في حالة الوفاة أوالإفلاس، مطالبا بإعادة النظر فيها من خلال إشراكهم لتفعيل ونجاح مختلف البرامج السكنية.