ملفات ثمانية ثقيلة تطرح على طاولة الثلاثية طيلة يومين ينتظر خلالهما أن يجتهد الشركاء للخروج باتفاقات في مستوى التطلعات. فمن تقييم نتائج مجموعات العمل المنبثقة عن الثلاثية الأخيرة إلى مسألة العقد الاقتصادي والاجتماعي مرورا بملفات التقاعد، إذ تشكل القدرة الشرائية جوهر الاجتماع خاصة بالنسبة للمتقاعدين إلى جانب الأجر القاعدي والتمثيل النقابي خاصة في القطاع الخاص والشركات الأجنبية، حيث الأمور ليست على ما يرام وحان وقت لفرض القانون. تلتئم الثلاثية من جديد في موعد يستقطب الاهتمام هو ال 29 من شهر سبتمبر الجاري في ظل احتدام الجدل بين الشركاء ممثلين في الحكومة والاتحاد العام للعمال الجزائريين وممثلي الباترونا الذين لم يكشفوا بشكل جلي عن موقفهم الواضح من القضايا المجدولة في اجتماع الخميس القادم، بينما المؤشرات كلها تدفع إلى ضرورة صياغة قرارات مسؤولة وبناءة حول أهداف مشروعة يطرحها عالم الشغل وأبرزها ضرورة رفع سقف الأجر القاعدي وإنهاء العمل بالمادة 87 مكرر من قانون العمل ذات الصلة بالأجور وكذا مراجعة الضريبة على الدخل الإجمالي. وتعد هذه المسائل الأكثر إلحاحا مقارنة بملفي التقاعد والتعاضديات وهما ملفان يعتقد أن وقت التعرض إليهما سابق لأوانه ومن الأفضل تأجيل البث فيهما إلى أن تنضج البدائل التي لا يمكن أن تهدد أو تمس مكاسب العمال. يمثل ما يعرف بأرباب العمل طرفا أساسيا في تنمية أفكار الثلاثية باتجاه الأهداف المسطرة، غير أن ما يصدر من تصريحات هنا وهناك من هذه الفئة التي ترفع مطالب غير منسجمة مع الخط العام لمسار الإصلاحات بما فيها النهوض بالقدرة الشرائية وحمايتها من ضغوطات السوق التي تفتقد لضوابط الاستقرار. وضمن هذا الاستنتاج يندرج تمسك منتدى رؤساء المؤسسات على نفس المثال كأحد لاعبي القطاع الخاص بمطلب يسميه حماية المؤسسة وبالتالي جعل المؤسسة في صدارة اتخاذ القرارات التي يتطلع إليها عالم الشغل بما يعني إبداء تحفظ بشأن أي قرار بهذا الخصوص وهو ما يثير حفيظة المركزية النقابية التي لطالما رافقت التحولات وساهمت في تهدئة الجبهة الاجتماعية وحان الوقت لأن تحقق جملة المطالب المشروعة والتي لا تضر بأي شكل من الأشكال بالمؤسسة الاقتصادية خاصة في ظل المعطيات المالية والاستثمارية الراهنة التي تضمن تحقيق القيمة المضافة وتشجع على دفع وتيرة الإنتاجية. من الطبيعي أن يسعى القطاع الخاص لتحقيق مكاسب مالية إلى أقصى درجة ممكنة لكن من الواجب عليه أن يقدم للمجتمع نتائج مساهمته في التنمية وترجمة تلك البرامج التمويلية المختلفة إلى انجازات اقتصادية واجتماعية تعد أحد مقاييس التنمية، وبالمقابل لا يمكن استمرار ممارسات متوارثة عن الماضي مثل تفضيل القطاع الخاص الوطني دون اشتراط توفر عنصر المنافسة سعرا وجودة أو التغاضي عن استغلال غير عقلاني للتمويلات العمومية، إذ المطلوب أن تصب كلها في تحديث وسائل الإنتاج والحد من ظاهرة التركيز على تجميل صورة المتعامل الخاص بالانزلاق إلى ممارسات برجوازية مطعون في شرعيتها وأخلاقياتها كالتركيز على العقارات وصرف الأموال في اقتناء ما يصنف في خانة البذخ على غرار سيارات رباعية الدفع الفخمة والسفريات بلا عقلانية، بينما يمكن للمؤسسة وعمالها أن تستفيد من تلك الموارد والانخراط في مسار النمو الاقتصادي والاجتماعي بالمفهوم السليم والمتوازن بعيدا عن التصنيفات بين عمومي وخاص. وهنا لم يتبلور بشكل جيد تصور فعال لممثلي أصحاب العمل للقطاع العام، إذ ينتظر من الاتحاد الوطني للمقاولين العموميين الحاضر الغائب، كما يبدو أن يبادر بأعمال أكثر جرأة باتجاه عالم القطاع العام من خلال التزام بقواعد ديمقراطية التمثيل وضخ دماء جديدة في صفوفه، مما يعطي قيمة لجانب المصداقية حتى لا يبقى في مقعد المتفرج، بينما تتم حوله حركية دؤوبة على أكثر من صعيد من أبرزها البرنامج الاستثماري للدولة الذي يضع أمام المؤسسة الاقتصادية الكثير من الفرص للاستفادة من مشاريع شريطة أن تتمتع المؤسسة بالتنافسية والتسيير الراشد، ومن الصعب أن يهضم أمر عجز مؤسسة أو إفلاسها في ظل هذا الظرف الايجابي، بينما أكثر من مؤسسة خاصة وبالذات أجنبية تجيد حصد النتائج المالية الكبيرة بفضل ما تقدمه السوق من ضمانات الربح وضيق هامش الخسارة على غرار المتعاملين في الهاتف النقال الذين لا يصدقون نجاح السوق الجزائرية ضماناتها، الأمر الذي يطرح أيضا إمكانية الدفع بهؤلاء إلى الانتقال من مستوى تسويق الخدمات إلى استثمار جانب من الأرباح المحققة وهي كبيرة في مشاريع إنتاج تكنولوجيا الاتصالات والرقمية، تفاديا لأي فجوات تكون مكلفة مستقبلا. وبالطبع ينتظر أن تتوصل الثلاثية وهي في مفترق الطرق، كما يمكن تقديره إلى نتائج ضمن ورقة طريق يتطلع إليها عالم الشغل والمؤسسات الاقتصادية بصياغة قرارات ذات دلالات اقتصادية واجتماعية تصب في سياق تنمية مناخ الاستقرار وتحفيز العمال والمسيرين باتجاه انجاز طفرة تنموية شاملة ضمن المنظور الوطني للمجموعة الوطنية.