لم تكن معركة «إيسين» الشهيرة ملحمة للتضامن والدعم المادي والمعنوي الليبي لثورة التحرير المجيدة فقط، وإنما كانت أعمق وأخطر من ذلك، كونها جاءت كمحاولة جريئة لفتح جبهة استراتيجية يتوسع بفعلها لهيب الثورة التحريرية، وتتجذر عبرها قوة ضربها، وسرعان ما انتبه المستعمر وأدرك خطورة تحول ليبيا إلى قاعدة حيوية للإمداد العسكري، وتزويد المجاهدين الجزائريين بالأسلحة والذخيرة، فلم يتردد في الرد ببشاعة منتقيا لغة البطش والتقتيل. تبقى الملحمة التي صنعها الأبطال الجزائريون والليبيون يوم 3 أكتوبر 1957 رمزا حقيقيا للتضامن والدعم بين الأشقاء وشاهد حي على امتزاج دماء الشعبين، بعد أن سقط العشرات من الشهداء الليبيين والجزائريين الذين أخلصوا للقضية الجزائرية. وتخليدا لذكرى هذه الملحمة التي اقترف فيها المستعمر الفرنسي مجزرة رهيبة محاولة منه لغلق فتحات تموين الثورة الجزائرية بالسلاح المقدم من طرف الدول العربية. إن هذه المعركة التي وقعت أحداثها بمدينة فزان أكدت أن ميدان المواجهة فضح عدة حقائق من بينها المصير والمصلحة المشتركة، ولأن المصير، يقودنا إلى ضرورة تبني الوحدة والتلاحم. إن هذه المعركة دليل على اعتماد الثوار الجزائريين لليبيا كعمق استراتيجي لمد المجاهدين بالأسلحة لمقاومة الاحتلال. وأفاد المؤرخ محمد عباس ان ليبيا كانت قاعدة امداد عسكري استراتيجية، لأن جميع الأسلحة التي كانت قادمة من المشرق العربي كانت تمر عبر ليبيا، وأضاف يقول في نفس السياق ان الشعب الليبي كان متضامنا مع الثورة الجزائرية قلبا وقالبا، حيث تطوع الكثير من الليبيين وقدموا أرواحهم فداء للجزائر، حتى ان الجزائريين كانوا في ليبيا يعيشون وكأنهم في بيوتهم. وكشف ان المجاهد أحمد محساس المدعو سي علي هو أول من هرب الأسلحة من ليبيا إلى الجزائر. وذكر عباس ان أول من نبه الفرنسيين بتهريب الجزائريين للأسلحة عبر منفذ ليبيا، الانجليز عبر جريدة تايمز. ووقف ذات المتحدث كذلك على الدعم المادي الآخر من طرف الليبيين وكانت هناك لجنة تتكفل بعملية جمع التبرعات. وما تجدر إليه الإشارة فإن فرنسا حاولت عبر هذه المعركة غلق إحدى المنافذ الجوهرية التي تمدد الثورة بالأسلحة. إن معركة «إيسين» الواقعة على الحدود الجزائرية الليبية، تؤكد العمق التاريخي للتضامن والتآزر بين البلدين الشقيقين، وأن علاقات الأخوة ليست وليدة اليوم، بل هي امتداد لعلاقات سابقة، والجزائر كانت فاقدة للسيادة الوطنية تحت نير الاستعمار الفرنسي الغاشم.