عادت المجاهدة باية ماروك، إلى مجزرة 17 أكتوبر 61، التي تعد واحدة من جرائم فرنسا الاستعمارية المرتكبة ضد الجزائريين المناضلين بلا توقف من أجل استعادة الحرية المسلوبة والوطن المحتل. وقالت باية في دردشة معها على هامش الندوة التاريخية المنظمة «بالشعب»، أن هذه الجريمة لا يمكنها أن تسقط بالتقادم. وتبقى مطلبا جزائريا ملحا من أجل اعتراف فرنسيا بها والاعتذار عنها. وعن سبب التراخي في المطلب بعد الاستقلال وعدم منحه الأولوية والاستعجال، أكدت المجاهدة باية، أن هذه المسألة ترجع إلى الظروف التي عاشتها البلاد غداة التحرر، وما رافقها من فراغ رهيب ترك التاريخ الوطني على الهامش، ولم يمنحه حق قدره من العناية والإعتبار. وبدل ذلك، صار الكل بعد موجة التحرر واستعادة السيادة مهتما بأموره ومصالحه الشخصية على حساب المبادئ والمصلحة العليا للوطن. وذكرت السيدة بايا بنبرة غضب واستياء في ذات الدردشة معنا «هناك انحراف غير مقبول تجاه البقاء أوفياء للتاريخ الوطني ومحطات الثورة المجيدة، انحراف تكرس بجري الجميع وراء النزوات الشخصية، وترك جيل الاستقلال بلا اطلاع على ما أنجزه الأسلاف من تضحيات جسام، وسقوط أمامهم الممنوعات والحصارات الاستعمارية لإعلاء راية الجزائر عالية رفرافة». ورأت المجاهدة أن هذا الوضع السلبي هو الذي ولد تلك الصورة غير المشرفة عن عدم مواصلة النضال واستكمال الحرية والسيادة بانتزاع حق الاعتراف من فرنسا لجرائمها وما أكثرها.. وما أبشعها. وهذا هو التفسير المقنع عن تمادي الدولة الفرنسية في إدارة ظهرها لمطلب الجزائريين من خلال المجتمع المدني بالخصوص وطبقات سياسية، بواجب الاعتراف والاعتذار أسوة بما قامت به دول استعمارية أخرى تجاه مستعمراتها المستقلة. وهذا هو التفسير المنطقي عن سبب استهتار فرنسا، ومقابلتها المطلب الجزائري الذي صعدت وتيرته ولهجته في السنوات الأخيرة، برد فعل معاكس، مغالط للحقائق بمحاولة تمجيد الاستعمار واعطائه بعدا حضاريا وتمدنا. وحدث هذا مع قانون 5 فيفري 2005، في وقت تثور فيه النخبة المثقفة الفرنسية والساسة من غفلتهم، ويتجاوبون مع الصرخات الجزائرية بوجوب خروج باريس عن صمتها، وإقرار واجب الاعتراف بالجزائر والاعتذار، وهو تجاوب كشفت النقاب عنه التجمعات الأخيرة بقلب العاصمة الفرنسية تشجب تصرف السلطة الرسمية الفرنسية وسلوكها، وتماديها في إخفاء الحقيقة عن الرأي العام، بل مغالطته من خلال خرجات تكرم السفاحين، وتطلق الشوارع والأحياء بأسمائهم. وحسب المجاهدة لكسر هذا الصمت المخيف، لا بد من توسيع الجهود والنضال من أجل انتزاع حق الاعتراف الفرنسي بالجرائم، باعطاء الكلمة لمن صنعوا مجد الجزائر، وحريتها، دون إبقاء المسألة محصورة لدى وجوه معروفة محددة تحتكر كل شيء، وتدعي «أنها وحدها مالكة للحقيقة ومفجرة روح التغيير والتحرر». وقالت السيدة باية، أن هذا السلوك المشجع على الاحتكار ينافي روح نوفمبر ويناقض مضمون رسالته، وندائه للتحرر، حيث كان البيان يشجع على القيادة الجماعية في إدارة الثورة وتسييرها، وتنظيمها مكسرة حالة الإنفراد بالقرار وعبادة الشخصية. بهذه الطريقة التي تعرف شهداء ومجاهدين وتخرجهم من طي النسيان، يكسب المسعى الوطني ويعزز المطلب الملح على وجوب اعتراف فرنسا بجرائمها المنفذة بوحشية وبرودة دم بالجزائر على مدار 132 سنة. ودون ذلك، يبقى الضمير الجزائري الحي يئن، وجرح التعذيب ينزف، والذاكرة الجماعية بلا حماية وعرضة للتشويش والتطاول.