دعا الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين السعيد عبادو فرنسا إلى استخلاص الدروس من مبادرة إيطاليا تجاه ليبيا، مشيرا إلى أنه كان يجدر بفرنسا أن تكون سباقة إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة والاعتذار للجزائريين باعتبارها دولة ترفع شعارات العدالة والأخوة و المساواة، واعتبر عبادو في حوار ل "صوت الأحرار" أن إقدام السلطات الفرنسية على تعويض الجندي الفرنسي الذي تعرض للإشعاعات النووية خلال تجارب فرنسا النووية في رقان دون غيره من الضحايا الآخرين ، أي الجزائريين الأبرياء، يعكس عدم احترام فرنسا لنفسها وللمواثيق الدولية، كما أكد أن شخصيات تاريخية ورجال قانون ومؤرخين وكتاب يعتزمون تحريك ملف الاعتراف و التعويض. حاورته : سهام مسيعد اعترفت إيطاليا مؤخرا بالجرائم التي ارتكبتها عندما كانت تستعمر ليبيا، وقدمت تعويضا بقيمة 5 مليار دولار أمريكي، في رأيكم لماذا تأخرت فرنسا في تعويض الجزائريين؟ نحن طالبنا قبل الإخوة الليبيين بالاعتراف والاعتذار والتعويض عن جرائم الحرب ، وما نطالب به هو مبدأ لا يمكن التراجع عنه، من حقنا المطالبة ومن واجب المستعمرين أن يخضعوا لهذا الحق، لأن هناك في هذا السياق عدة سوابق في العالم، فالألمان عوضوا الفرنسيين عن جرائمهم خلال الحرب العالمية، وماداموا قد أقدموا على ذلك ، فإنه يصبح من واجب فرنسا أن تعوض الدول التي استعمرتها، نحن كمجاهدين نثمن موقف الشقيقة ليبيا، وهذا الموقف ليس غريبا علينا، لأن الشعب الليبي الشقيق أصيل، وقد قامت قيادته بدورها كما ينبغي، أما من ناحية إيطاليا وهي دولة أوروبية فقد قامت بواجبها وهو موقف يشرف الإنسانية. ومن منطلق تمسكنا بمطلبنا المشروع وعدم تنازلنا عنه وإصرارنا عليه، فإن الفرنسيين مجبرون على اتخاذ نفس الخطوة التي قامت بها إيطاليا، لقد كنا ننتظر من الفرنسيين أن يسبقوا غيرهم من الأوروبيين إلى هذه المبادرة، من باب أن فرنسا تزعم أنها دولة متحضرة، ترفع شعار الحرية والأخوة والمساواة والعدل، وتريد أن تقدم دروسا للآخرين، ولعلنا لا نجهل موقفها الذي ظلت تحرص عليه والخاص بمطالبتها الأتراك بالاعتذار للأرمن، فهل الجزائريون اللذين ارتكبت فرنسا في حقهم مجازر وحشية وصلت إلى حد إبادة البشر والهوية، غير جديرين بالاعتذار. يرى بعض المحللين أن الجزائر لم تقم بأية خطوة من أجل المطالبة بالاعتذار، واكتفت بإلقاء الخطابات الجوفاء، فما مدى صحة ذلك من وجهة نظركم؟ لقد قمنا بواجبنا، ويبقى دائما مواصلة هذا النضال بكل الوسائل الممكنة وفي إطار القانون الدولي، إن رأينا واضح حول هذه المسألة التي تعني واجب الذاكرة وتندرج في صميم جهاد الجزائريين، سنستمر في المطالبة بحقوقنا في الاعتراف والاعتذار والتعويض حتى تتحقق هذه المطالب المشروعة، وكما هو معروف فإن الفرنسيين قد قاموا بخطوات في هذا المجال، ولو أنها محتشمة، فقد أصدروا قانون 23 فيفري ، وبعد المواقف المبدئية للجزائر، رئيسا وأحزابا ومجتمعا مدنيا، ألغوا المادة التي تمجد الاستعمار، وفيما بعد انتقلوا إلى مرحلة أخرى حاولوا خلالها التسوية بين الضحية والجلاد. إن هناك تطورا في الاتجاه الصحيح، فالرئيس الفرنسي الحالي اعترف في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة زيارته للجزائر صراحة بأن الاستعمار الفرنسي كارثي وظالم، ومن جهة أخرى اعترف السفير الفرنسي السابق "برنارد باجولي" في قالمة بالمجازر وعملية الإبادة التي ارتكبت في حق الشعب الجزائري، إذن هناك تطور في الموقف الفرنسي، لكننا نعتبره بداية وهو غير كاف، لأن مطالبنا هي أن فرنسا احتلت الجزائر طيلة 130 عاما ومن واجبها أن تعترف بجرائمها التي ارتكبتها خلال الحقبة الاستعمارية، وفي ذلك الوقت نستطيع أن نتكلم عن إمكانية عقد معاهدة صداقة مثمرة بين البلدين، ويكون في الإمكان طي صفحة الماضي والتوجه نحو المستقبل من اجل بناء تعاون حقيقي وصادق وندي يخدم المصالح المشتركة للجزائر وفرنسا. إن مصلحة فرنسا تقتضي الاعتراف والاعتذار والتعويض والتوجه نحو المستقبل وكل تأخر عن ذلك لا يخدم مصالح فرنسا. ما هي الوسائل التي يجدر استعمالها من أجل الحصول على مطلب الاعتذار والتعويض من فرنسا؟ علينا استعمال كل الوسائل المشروعة التي تؤدي إلى هذا الهدف الذي نعتبره حيويا وحاسما، نحن نعرف فرنسا، لأن لدينا خبرة في التعامل معها اكتسبناها خلال الكفاح المسلح، ففرنسا اعترفت باستقلال الجزائر بعد أن أصبحت مهددة بالانهيار، وهي ستعترف لا محالة بجرائمها في بلادنا، لأن مصلحتها تقتضي ذلك خاصة وأن إيطاليا باعترافها بجرائمها واعتذارها للشعب الليبي قد أعطت مثالا لفرنسا عليها أن تقتدي به، ومن جانبنا كمجاهدين وأسرة ثورية وكل الوطنيين، أن نجذر هذا المطلب ونعمل على تفعيله بمختلف الأشكال والآليات القانونية لكي ننتزع هذا الحق كما انتزعنا السيادة الوطنية. وجه الرئيس الفنزويلي خلال خطاب له دعوة لفرنسا من أجل الاعتراف بالجرائم التي ارتكبتها في منطقة شمال إفريقيا، في رأيكم ما مدى تأثير مثل هذه الدعوة على السلطات الفرنسية؟ ليست الجزائر وحدها التي يجب أن تطالب بالاعتذار على الجرائم الوحشية التي ارتكبها الاستعمار، بل إن على كل دول العالم التي استعمرت وتلك التي تعرضت للتصفية والتطهير العرقي من واجبها أن تطالب بحقوقها، لأن الاستعمار جريمة في حق الإنسانية جمعاء، ولعل التخلف الذي تعانيه الشعوب النامية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ترجع أسبابه إلى الهيمنة على هذه الشعوب بالقوة واستغلال ثرواتها ونهب خيراتها، ومن الواجب على كل الأصوات التي تدعو إلى الإنصاف أن ترتفع وتنادي بهذا الحق. وفي تقديري فإن المجتمعات المدنية ليست وحدها هي المعنية بهذه المطالبة، لكن أيضا من واجب الدول التي تعرضت للاستعمار تقديم نفس المطالب إما بصفة مباشرة أو عن طريق الهيئات الدولية، وأتوقع أن مصلحة فرنسا تملي عليها أن تغير سياستها التي تتسم بروح الهيمنة وعدم الاهتمام بالجوانب الإنسانية، لكن المهم هو أن مواقفنا مبدئية وعلينا أن نناضل دائما في هذا الاتجاه بنفس الروح التي ناضلنا بها للحصول على استقلالنا وحريتنا . يرى بعض المحللين أن العلاقات الاقتصادية بين الجزائروفرنسا قد تغطي على مطلب الاعتراف والاعتذار عن الجرائم الاستعمارية التي ارتكبتها هذه الأخيرة في حق الجزائريين، فهل هذا صحيح؟ لا يمكن إبرام معاهدة صداقة حقيقية مع فرنسا إذا لم تعتذر وتعوض الجزائريين، فالتعاون الثنائي يبقى عاديا مثله مثل التعاون مع أية دولة أخرى، لكننا نهتم أكثر بتوقيع معاهدة الصداقة، كتلك التي وقعتها ليبيا مع إيطاليا و التي جاءت طبعا بعد أن قدم رئيس الوزراء الإيطالي اعتذار بلده لليبيا عن الجرائم التي ارتكبتها بلاده خلال الحقبة الاستعمارية. ما تعليقكم على إقدام فرنسا على تعويض أحد جنودها كان قد تعرض للإشعاعات النووية عندما كان يزاول مهامه في الصحراء الجزائرية؟ الفرنسيون أجروا تجارب نووية وهم يدركون أنها خلفت مآسي على الإنسان والحيوان والبيئة، ويملكون ملفات حول هذا الموضوع، ومن الواجب عليهم أن يقدموا التعويضات للجميع للدولة الجزائرية على الخسائر التي ترتبت عن هذه التجارب على مستوى الطبيعة، إلى جانب تقديم التعويضات للأفراد والعائلات التي تضررت منها. أما فيما يخص تعويض السلطات الفرنسية لأجد جنودها الذي تعرض للإشعاع النووي عندما كان متواجدا خلال التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، فإننا لا نستغرب هذا من الفرنسيين فهم متعودون على العنصرية، ومازالت روح الهيمنة تعشش في أفكارهم، ومن الواجب أن يتخلصوا منها ويتعاملوا مع الجزائر بالاحترام الذي يليق بدولة سيدة ويعترفوا بجرائمهم التي ارتكبوها فيما مضى. هل ترون أن من المنطقي تعويض احد الجنود وترك بقية المواطنين الجزائريين الأبرياء دون اعتراف حتى بالجرم المرتكب في حقهم؟ فرنسا لم تحترم نفسها عندما عوضت الجندي الفرنسي ولم تعوض غيره من المتضررين اللذين طبعا هم مواطنون جزائريون أبرياء، كما أنها لم تحترم المواثيق الدولية، وبهذا تكون قد أنقصت من قيمة نفسها كدولة متحضرة تريد إعطاء دروس للآخرين أما بالنسبة غلينا فإن تعويضاها لأحد جنودها لا يعد أمرا جديدا، لأننا نتوقع كل شيء من فرنسا. تم إحصاء ما يقارب ال 7 آلاف لغم تم تدميرهم إلى غاية شهر أوت الفارط، ما تقييمكم لمستوى التعاون الجزائري الفرنسي في هذا المجال، وما مدى جدوى خرائط الألغام التي قدمتها فرنسا للجزائر؟ جرائم فرنسا لم تنته للأسف بعد الاستقلال مباشرة، بل استمرت مع الألغام التي تركتها مزروعة عبر حدودنا الغربية والشرقية وتسببت في سقوط عدد كبير من الضحايا، وحرمان الجزائريين من استغلال هذه المناطق المزروعة بالألغام، والسبب في ذلك هو أن السلطات الفرنسية لم تسلم خرائط الألغام في وقتها حتى تتمكن الدولة من نزعها، ولو أن المعلومات الواجب إعطاؤها تم تقديمها في وقتها لتفادينا هذا العدد الكبير من الضحايا الأبرياء، بل حتى إن الخرائط التي تم تسليمها الآن لا يمكن الاستفادة منها جيدا بعد 45 عاما من الاستقلال، بفعل تحرك الألغام من مكانها الذي زرعت فيه. وكان يجدر بتعويض الضرر الذي يتلقاه المجاهدون وذوي الحقوق بسبب الجراح والتضحيات خلال أحداث ثورة التحرير أو قبلها أن يتم دفعه من طرف الفرنسيين حيث أنها تعتبر دينا على الدولة الفرنسية، لكننا في الواقع نجد أن الدولة الجزائرية هي التي تتكفل بدفع هذه التعويضات. يرى بعض المراقبين أن الأرشيف الذي قدمته فرنسا للجزائر ليس له قيمة تاريخية، ما رأيكم في ذلك؟ نحن نريد الأرشيف الجزائري الحقيقي الذي نستطيع الاستفادة منه سواء بالنسبة لمواردها الطبيعية أو بالنسبة لتاريخها فنحن لا نريد أرشيف " صوت البلاد" – وهي إذاعة موجهة للجزائريين في وقت الاستعمار تخدم الدعاية الفرنسية" بل نحن نطالب بعودة الأرشيف الجزائري الحقيقي بكل المواد والمآثر منذ أن وضعوا أقدامهم في الجزائر، مثلما فعلت الدول الأخرى، وهذا من حقنا والقانون الدولي ينص على ذلك، بل أننا نطالب حتى باسترجاع الاموال والمواد الثمينة التي أخذتها فرنسا من الخزينة الجزائرية . شرع منذ مدة في تطبيق النصوص التنفيذية لقانون المجاهد والشهيد ، مستوى سير هذه العملية وهل هناك أية مشاكل تعترض تطبيق هذه النصوص ؟ كل النصوص التطبيقية لقانون المجاهد والشهيد دخلت حيز التطبيق، ونحن نتابع عن قرب تطبيقها والنتائج التي تسفر عنها لصالح المجاهدين وذوي الشهيد والمجاهد، أي ذوي الحقوق، في المرحلة الحالية لا توجد أية مشاكل تعترض تطبيق هذه النصوص على عكس ما كان في الماضي حيث اعترضتنا ظروف مالية، لكن هذه الظروف قد انتهت اليوم. ما رأيكم في من يلحون على ضرورة استفادة أبناء المجاهدين من منحة على غرار أبناء الشهداء؟ المنحة يحصل عليها المعطوب والمعاق من أبناء المجاهدين أما غيرهم فلا حق لهم في ذلك ، أعتقد أن المنحة أصلها تعويض عن الضرر، لكن إذا لم يكن هناك ضرر فلم يكون التعويض والمنحة؟ المنظمة الوطنية للمجاهدين تحيي بحرارة المجتمع المدني بجميع شرائحه حول مطالبة فرنسا بالاعتراف والاعتذار والتعويض وعما قريب ستشرع في مشاورات مكثفة مع شخصيات تاريخية ورجال قانون ومؤرخين وكتاب من أجل مواصلة النضال والعمل لتوثيق هذه المطالب وتجسيدها ونعتقد بأننا لا بد أن نصل إلى نتائج أخذا بالمثل القائل "ما ضاع حق وراءه طالب" ونحن متيقنون بأن هذا التحرك سيتوج بنتائج على مستوى تضحيات المجاهدين الشهداء منهم والأحياء ولسنا متفقين مع بعض الشخصيات المحسوبة على القضية الوطنية و التي تزعم أن المطالبة بالاعتراف والاعتذار هو نقاش غير مثمر، بل هو نقاش جدي وحقيقي وله أهداف ولسنا متفقين مع من يقول بان اعتراف فرنسا باستقلال الجزائر يكفي عن التعويض و الاعتراف بجرائمها ونذكرهم بأننا أي الجزائريون انتزعنا استقلالنا بفضل تضحيات الشعب الجزائري وهو ليس هدية من أحدن بل جاء نتيجة كفاح وجهد وأكبر دليل على ذلك هو مليون ونصف من الشهداء.