حرص رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي، محمد الصغير باباس، في افتتاحه الجلسات الجهوية المخصصة للتشاور الوطني حول التنمية المحلية، أمس بعنابة، على إعطاء اللقاء حالة من التمايز تخرجه من الروتين الممل، وتجعل منه مرجعية في تحديد أرضية المشاورات الوطنية المقررة بالعاصمة يوم 28 ديسمبر الداخل. وأكد رئيس «الكناس» أكثر من مرة في سرد أسباب الجلسات الجهوية، خلفياتها، أبعادها، وأهدافها، أنه لابد من كسر الروتين الذي لا يجدي نفعا بالمرة، وتعويضه باقتراحات جادة عملية جديرة بالتطبيق الميداني أكثر من الغوص في خطاب نظري لا ينفع ولا يلبي الاحتياج والتكفل بالانشغالات المطروحة بحدة، لا تنتظر التأجيل. وهي انشغالات تفرض أخذها مأخذ جدّ من مختلف مكونات المجتمع، وممثلي السلطات المحلية والمنتخبين، ذكر بأهميتها والي عنابة محمد الغازي. وبالنسبة إلى رئيس «الكناس» في تقرير ممثلي ولايات عنابة وسكيكدة وقسنطينة، وميلة وڤالمة والطارف وسوق أهراس وتبسة، فإن موعد «بونة» الخامس بعد الجلسات الجهوية التي جرت وقائعها بورڤلة وبشار والأغواط ووهران، لابد أن تدرج في الديناميكية الجديدة. وتعرض توصيات ممهدة لما يتقرر في الجلسات الوطنية، التي ترفع من خلالها المحصلة النهائية وتسلم في تقرير مفصل مدقق لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة. إنها محطة فاصلة تكون في مستوى تطلع الرئيس الذي أسند في 28 أوت الماضي المهمة ل(الكناس) لتولية إدارة المشاورات حول أهداف التنمية المحلية بالإستماع إلى كل الحساسيات دون تهميش أو إقصاء.. دون إزالة أي طرح اعتمادا على ممارسات سابقة وعقلية تجاوزها الظرف والتحدي السائدة لفترات طويلة في مرحلة مضت «أنا الكل في الكل».. أو «أنا وحدي أملك الحقيقة».. إنها محطة فاصلة في جلسات عنابة التي تجري في جوّ بارد بعض الشيء، ينمّ عن قرب دخول شتاء ممطر، لكنه لم يؤثر على حرارة النقاش المفتوح وسخونة الجدل بالتي هي أحسن، والتباري حول أفيد وأنجع الطروحات وأقواها بدائل الحلّ لتعقيدات متراكمة وطلبات متزايدة تشكل على الدوام ضغطا إضافيا على السلطات تستوجب التسوية بعيدا عن سياسة الهروب إلى الأمام. واتضح لنا من خلال تغطية الحدث الاستثنائي الذي تعيشه عنابة وتصنعه بقصر الثقافة والفنون المجاور لساحة الثورة بوسط المدينة، المزين بصورة رئيس الجمهورية والأعلام الوطنية، أن هناك تجاوبا جديا مع خارطة الطريق المعدة من «الكناس». وكشف عنها في كل موعد رئيسه محمد الصغير باباس. التجاوب لاحظناه من المشاركين الذين أظهروا أنهم لم يأتوا إلى الجلسات الجهوية «ببونة» من أجل «التجوال السياسي» والحضور البروتوكولي، طالبت به سياسة التباهي والبريستيج، لكن من أجل الدفاع عن أفكار يرون أنها أنسب من أجل إعادة التوازن لمعادلة التنمية المحلية المختلفة، السائر عكس الأولويات والاستعجالات وهو اختلال يحمل مؤشرات سلبية، تترجمه الاحتجاجات المتكررة حول السكن والشغل والصحة وكذا القدرة الشرائية المهتزة غير المؤهلة لمواجهة غلاء في المواد الغذائية بفعل المضاربة المحتدمة التي تكرست بتأثير احتكار متعاملين قلائل.. علاج إشكاليات ظهرت جدية علاج إشكاليات التنمية المحلية من خلال التدخل في افتتاح الجلسات الجهوية، والورشات ال4 حول سياسات التنمية المحلية واقتراحات حلول تسيير المشاريع وإعادة الإعتبار للخدمة العمومية بالتركيز على حاجيات المواطنين والحكامة المحلية في مناقشة الاقتراحات الرامية لتعزيز العلاقة بين الوالي والمنتخبين المحليين، وهي علاقة ليست دائما على ما يرام، ينتابها التوتر والتصارع كثيرا ما أدى إلى إنسداد في عمل المجالس، وتعطيل البرامج والمشاريع، وهو تصارع لا يبقى في إطارها الضيق، لكن يتوسع، بصفة يفرض العلاج الجذري، لإقامة علاقة متوازنة متناسقة بين برنامج المنتخب المحلي الذي صوت عليه المواطن لما يرى فيه أحقية التمثيل والتكفل، وبين السياسة العمومية التي يعمل الوالي على تنفيذها بأسرع ما يمكن دون تقاعس وتماطل. إنها مقاربة طغت على الجلسات الجهوية للشرق الجزائري التي لم يتوقف باباس في الضرب على وترها الهام المصيري، داعيا الجميع الذوبان في صيرورة الحراك المحلي دون تناول مضمونه وموضوعه بنظرات فوقية ومواقف تقلل من مشاركة الآخرين «فكل من ينظر إليه خطأ بأنه يحمل أفكارا خاطئة، ويتهم زورا بالجنون، قد يأتي بأفكار جنونية تساعد على الخروج من الجمود والانتقالية الدائمة»، حسب رئيس الكناس. جلسات عنابة التي تعد امتدادا لجلسات جهوية، هي تعبئة مستمرة من كافة الحضور ممثلي الهيئة التنفيذية والمحلية والمجتمع المدني، من أجل فتح دائرة النقاش وضبط مواضيع تعكس مباشرة إشكاليات صادرة بالإجماع عن كل الفاعلين.. هي ترسم بشكل متين ومنهجي التقارير الأولية المتضمنة للتوصيات الخاضعة في نهاية المطاف للتقييم والمصادقة أثناء الجلسات الوطنية نهاية الشهر الداخل بالعاصمة. جلسات عنابة تحمل بعدا عمليا هاما كونها تحوي هدفا معياريا من نوعه بالجزائر التي تخوض غمار إصلاحات سياسية سيادية دون إملاءات الخارج ووصفاته. شدد عليها رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، في اجتماع مجلس الوزراء يوم 2 ماي 2011. وعلى ضوء التقرير النهائي المرفوع إليه من «الكناس» في آخر المطاف، يتعزز مسار الإصلاحات التي تشكل المشاورات المحلية والوطنية واجهتها الأخرى، تمنحها الإستقرار والتواصل. وتكسب الجزائر تعددية ديمقراطية، تساهم فيها القاعدة وتشرك. تجربة على المحك «الكناس» الذي وضعت فيه هذه الثقة وحمل مسؤولية مقارعة الواقع المحلي المثقل بالأزمات والتعقيدات، يدرك التحدي، وفريقه المجند في الميدان لتأطير صيرورة النقاش، وتسييره من أجل الخروج بتوصيات لا تقبل التأجيل، كسب الرهان حتى الآن من حيث التجاوب الكبير مع الجلسات، وارتفاع الطلبات من هيئات خارجية ترى في هذه الممارسة تجربة جزائرية جديرة بالاهتمام. فلا عجب أن يتقدم عضو آلية التقييم من قبل النظراء الإفريقية، بطلب المشاركة في الجلسات الوطنية بالعاصمة. ونفس الطلب ورد من المجلس الاقتصادي الاجتماعي الافريقي والاتحاد الافريقي والنيباد،، وكل هذا يحسب للكناس الذي يعمل في الميدان، ويعزز التجربة الجزائرية في ممارسة الحكم الراشد الذي يكون محل تقييم القادة الأفارقة في قمة قارية يحضرها رئيس الجمهورية قبل شهر ونصف من الآن، حسب محمد صغير باباس.