حملت مشاريع قوانين المالية طيلة السنوات الماضية حزمة من التحفيزات المغرية، وسلسلة من المزايا المهمّة والعديد من التسهيلات الاستثنائية، التي خفضت من الرسوم الجبائية وشجّعت على تدفّق القروض، ومرافقة المؤسّسات الصّغيرة والمتوسّطة، في إطار تشجيع اتساع منظومة النسيج المؤسساتي، وبغية تنويع الاقتصاد في عدة قطاعات، نذكر من بينها على سبيل المثال الصناعة الغذائية والالكترونية والكهرومنزلية والميكانيكية، وفي مجال الخدمات وما إلى غير ذلك، لكن هل قطفت ثمار تلك المزايا وانعكست آثارها بشكل إيجابي على صعيد خلق الثروة واستحداث القيمة المضافة والرفع من سقف النمو؟ لماذا لم يتم تقييم مدى فعالية عدة إجراءات أطلقت للنهوض بالتنمية في القطاعين العمومي والخاص؟ إذا يكتسي التقييم أهمية بالغة بل ينبغي أن يحظى بالأولوية، فالوقوف على مدى تطبيق مختلف الإجراءات، التي يتضمنها قانون المالية أو مختلف القوانين الأخرى التي تعنى بالمشهد الاقتصادي، وفحص انعكاسات أثرها الإيجابي على المنظومة الاقتصادية وعلى وتيرة التنمية بشكل مباشر وغير مباشر، بات أمرا جوهريا من أجل الاستمرار في منحى تصاعدي ينعش الأداء الاقتصادي، ولأنّه من شأنه أن يضمن فعالية ما يتّخذ من قرارات على أرض الواقع، لذا يمكن القول أن مشروع قانون المالية لعام 2020 الذي تضمّن العديد من الإجراءات المهمة، التي تصب في مجال تحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار، من خلال مراجعة القاعدة الاستثمارية 51 / 49 السارية على الاستثمارات الخارجية، والتي تخص فقط القطاعات غير الإستراتيجية، يحتاج إلى مرافقة حقيقية ومتابعة مستمرة لمختلف مشاريع الشراكة من دون أي انقطاع، لتسليط الضوء على إيجابيات القرارات الاقتصادية وتجاوز أي أخطاء أو سلبيات، خاصة ما تعلق بتحويل الأموال بالعملة الصعبة نحو الخارج، ونظام الفوترة وما إلى غير ذلك. وما يلفت الانتباه في مشروع قانون المالية للعام المقبل، الدعم المطلق والأول من نوعه المخصص للمؤسسات الناشئة التي يستحدثها الشباب «ستارتاب»، من خلال إعفائهم من مختلف الرسوم خاصة الجبائية منها، بالإضافة إلى تسهيل وصولهم إلى العقار، لكن كل هذه المزايا يجب أن تقابلها التزامات من طرف الشباب الحامل للمشاريع، من بينها اختيار المشاريع الناجعة التي يحتاج إليها الاقتصاد الوطني، لاستحداث الثروة وخلق القيمة المضافة، والتفكير في التصدير لأسواق خارجية. والشباب المستثمر مطالب كذلك بالتسيير الجيد والعناية بالابتكار، والتفكير الدائم في تطوير المشروع الاقتصادي، وترقية الأداء وطرح منتوج ذا جودة عالية، بعيدا عن الغش أو البريكولاج، أما إذا نجح في الوصول إلى أسواق خارجية، يجب أن يدخر أمواله في البنوك الجزائرية، ويستغلها في توسيع مشروعه، أي لا يحوّلها للخارج من أجل اقتناء عقارات أو إيداعها في بنوك أجنبية. على خلفية أنّ كل تسهيلات أو مزايا ينبغي أن تقابلها التزامات حتى وإن كانت معنوية اتجاه الوطن، وعنصر الثقة ينبغي أن يتكرّس من جديد، وما أحوجنا إليه في الوقت الراهن في الحياة الاقتصادية.