كنت آخر من وجد لنفسه بالقارب موضعا، غادرت أرضا، شمسا وسحاب... قرّرت آنذاك ذهابا بلا إياب...فررت من ماض، أسئلة بلا جواب...فررت من كوابيس أبقتني سنينا كالخراب... استنشقت عليلا، رجوت بديلا...فررت من أهلي من حقلي من الأصحاب...حتى طائر النورس فرّ معي، كأنّه كان بانتظاري على الأبواب... اغرورقت مقلتاي بدمع ما عرفت له أسباب...أفرحة بالهروب نحو مجهول؟ أم لعهد خلّفته وأسدلت الحجاب؟...أردت إيقاف التفكير، طرد وساوس الذكريات...لا لن أعود فأنا أحلم بنوم قرير... كان القارب يشق اليمّ كأنّه بحالي بصير...خيّم الصّمت كأنّنا تخلّصنا من عذاب الضمير...على حين غرة توقفت الدابة المائية، ندبنا حظنا التعس متشبثين بأدعية وآيات قرآنية...زاد من روعنا قدوم الليل فليس للصبر بقيّة...تذمّر الجميع وما عاد الأمل إلا خيط رفيع زاد هذا من خوفي، ألعنة الهروب أم من تركتهم خلفي؟...سار بنا القارب وليس لوجهته عقارب...الكل فقد البصيص وللتشهد طالب...تذكّرت حينها كوخي وخرافي...تذكرت الكسكسي والموقد الدافي...تمنيت حينها أن أنسى كل شيء...حتى أنني على بحر بلا قوافي غبنا عن الوعي بعد كلل، واستسلمنا له بعد ملل...تمنيت أن تهل المعجزات...لكن...ألمثلي هارب وفي هذا المكان بالذات؟...لم أفق إلا على صوت لم أجد له دلالات...أدركت بعدها أن خرافي أعادتني بثغائها إلى الحياة.