يحلم الكثير من الأدباء العرب بافتكاك جائزة نوبل....ولو بإكراه؟ا أي بمعنى آخر ولو بالدوس على جزئيات المبادئ والقيم المتعارف عليها سياسيا وإيديولوجيا وحتى قوميا، وهم دون ذلك مع ذواتهم وقاب قوسين أقل درجة أو أصغر من أن يحافظوا على كراماتهم، بل يعيدون إلينا وبطرائق غير مباشرة ثقافة المثقف والسلطان إلى الساحة من جديد، سواء كان وزيرا أو هيئة أو دولة لأنّ العالمية بالنسبة للغالبية هي أن تتشبّث بعلامة مسجّلة، خاصة كواحدة مثل نوبل التي لا تضاهيها عشرات الجوائز المعلنة من طرف كثير من الدوائر العربية سواء الحكومية أو الخاصة، على الرغم من علمهم علم اليقين مدى حجم الشبهات المحيطة بهذه الجائزة والمعايير المستعملة لإرضاء مسيّريها ومانحيها. فهم لا يعرفون أنّ الرّوايات والرسائل والاختراعات التي تُقبل للتّرشّح هي تلك التي لا تقدّم طرحا نضاليا لمآس إنسانية، ويغلب عليها الطابع السياسي نوعا ما أو حتى الإنساني لأن الطغمة الصهيونية غير راضية عنها بالتمام، وغير مدرجة في أجنداتها وبروتوكولاتها. لذلك وجب تقديم أعمال تطرح قيما مضافة للتبشير بذاك المد المحصّن والمصان بمطالب تاريخية قديمة بدءاً من هيكل سليمان إلى تهويد القدس واليوم الموعود؟ا ألا يعلم معشر الأدباء والكتاب بهذا الفضاء الواسع أم هم يمثلون أمامنا أدوارا مزيّفة، يضحكون بها على أذقان الجميع وما هم بذلك في الأصل إنما هم يضحكون على أنفسهم؟ا وحسبنا أنه لن يحدث ولا يحدث أبدا أن تسمع في يوم من الأيام أن أديبا فلسطينيا مثلا سوف ينال هذه الجائزة، اللهم إلا إذا كان على شاكلة زعيم سياسي جرّته أنامله للتوقيع على معاهدات وبنود سلام مع الإسرائيليين. فلو لم يوقّع أبو عمار رحمة الله عليه على صحيفة أوسلو 1993،ما كان لأحد أن يلتفت لهذا السياسي المخضرم؟ا ويعتبره شخصية عالمية صنعت الحدث الإعلامي، وأصبح بين عشية وضحاها مادة إعلامية خصبة...ولنتخيّل أنّ أديبا عربيا ما كان قد فعل نفس الشيء ونحا نفس المنحى، وحملت أعماله نفس الطرح فقد كان بمكان أن يحدث ذلك؟ا لماذا إذا كل هذا الوهم المحيط بهؤلاء وأولئك ممّن لا يحبذون رؤية أنفسهم من الداخل على الرغم، من يقينهم أن الشمس في الفضاء الخارجي واضحة المعالم، بلا سحب كثيفة ولا تحتاج إلى فلسفات أو تآويل مضافة. يدركون جيدا عشاق هذه الجائزة بأن العالم الجديد نشأ على نظريتين لا ثالث لهما (المال والأعمال)، وأن من يتحكم في سيرهما الحسن معلوم للعيان، لكنهم يصرون على التخبأ وراء الأسترة، تيمّنا بنكتة أن المغلوب مولع دائما بتتبع الغالب، وأنّهم مع القوي حتى ولو كان حمارا مطليا بلون الذهب (أو بالذهب نفسه)، إلى هنا أبانوا مدى عجزهم عن مقارعة ومضاهاة الآخر. ألم يعط عدد كبير من الأسماء العربية التزكية لشعب الله المختار في رواياتهم الحائزة على نوبل والغونكور وغيرها؟ ألم يكن الجبلاوي مثلا بطل رواية أولاد حارتنا منصفا وعادلا حين أقرّ بأن أبناء سام هم الصفوة والأخيار عن باقي الأولاد....وكذلك الجزائري كمال داود الذي جسّد الذات الإلهية في شيخ يهذي كلاما غير مفهوم داخل كتاب نقدّسه نحن، ونعتبره مرجعنا في الدنيا والآخرة....؟ ثم أنّ واحدا كالطيب صالح أو عبد الرحمن منيف أو محمود درويش قطعيا سوف لن ينالوا هذه الجائزة أبدا..لا لأنّهم قليلو الانتاج، ولكن لأن نصوصهم تزكّي العروبة وتنتقد الغرب والاستشراق الظالم الغاشم والإمبريالية المتجبرة، وتعبّر بل تدافع عن ضحايا هذه العصب المتحكّمة في تسيير العالم وصناعة القرار به. وهنا الفكرة واضحة إلاّ من أراد التّعمّد، والكذب على النفس مرارا؟ا فعلى أولئك وهؤلاء أن يصمتوا أفضل، وأحسن من التفوه بطموحات مغشوشة، وأحلام تضعهم في واجهة التاريخ الذي يصنعه الأقوياء في كل عصر ليس إلا.