من باريس ولأول مرة بعد تماثله للشفاء يفتح الروائي والمبدع واسيني لعرج قلبه ل "صوت الأحرار" للحديث عن محنته الصحية الأخيرة، وروايته " كريماتوريوم" سوناتا لأشباح القدس" التي ستصدر نهاية شهر أكتوبر الجاري عن دار الآداب اللبنانية والتي تشارك في مسابقة "جائزة الصالون الدولي للكتاب ال 13"، كما تأسف صاحب "كتاب الأمير" لمحاولات بعض الأقلام تشويه صورته الإبداعية• - كيف هي صحتك حاليا؟ - أنا بصحة جيدة والحمد لله، تماثلت للشفاء وقد كانت تجربة عميقة بثت فيا روح جديدة••• وأوجه عميق شكري لكل من تضامن معي• - ماذا عن مشاركة المبدعين الجزائريين خلال هذه الدورة الجديدة؟ - تتضاعف النصوص الجزائرية بمشاركتها كل سنة فالجائزة في طبعتها الثالثة وتعرف مشاركة لكل البلدان العربية، وتعكف هيئة جائزة الشيخ زايد على قراءة الأعمال المشاركة في المسابقة وتتضمن الهيئة العليا للجائزة لجنة خاصة بالغربلة الأولية للنصوص المتنافسة، حيث تستبعد النصوص الضعيفة التي لا تستوفي الشروط الفنية والجمالية والتقنية للكتابة الإبداعية وتصمد في الأخير النصوص الجيدة ذات المستوى الرفيع، ومن المنتظر الإعلان عن النتائج الفائزين بجوائز الطبعة الثالثة شهر مارس القادم، وذلك بعد أن تلتقي الهيئة العليا للجائزة أواخر شهر فيفري المقبل وتطلع على تقارير لجان القراءة وتزكية الفائزين في أصناف الجائزة وهي•••• كما أشير أنه سيتم قريبا بستوكهولم لقاء يجمع مؤسستي جائزة نوبل وجائزة الشيخ زايد• - هل أنت متفائل بأن إحدى أصناف جائزة الشيخ زايد ستكون من نصيب مغاربي؟ - أتمنى ذلك، ففي مجال الرواية حصلت عليها في دورتها الأولى ثم نالها الروائي الليبي الكبير ابراهيم الكوني• - إلى أين وصل مشروعك الروائي "سراب الشرق"؟ - أنهيت كتابتها وهي في طور الترجمة وتندرج "سراب الشرق" ضمن مشروع عربي ضخم هو جائزة قطر العالمية للرواية حيث تم اختيار 6 روائيين من مختلف بقاع العالم وسيتم ترجمة الرواية إلى 5 لغات منها الألمانية، الإنجليزية، الإسبانية، ويتولى مارسيل بوا ترجمتها إلى الفرنسية• - ماذا عن أجواء الرواية؟ - استغرقت الرواية وقتا طويلا وهي عبارة عن ملحمة لأربعة أجيال متعاقبة تمتد من الحرب العالمية الأولى حتى القرن الحالي، فضاءها عربي، ترصد أحداث ونتائج سقوط الإمبراطورية العثمانية وتكالب المستعمر على المنطقة العربية وتقسيمها إلى دويلات مشتتة، وأتسرب بأحداثها إلى عائلة جزائرية من أحفاد الأمير عبد القادر ولا يتداول التاريخ أن جمال باشا عام 1914 قام بإعدام الثوار العرب منهم 12 أعدموا ببيروت و10 آخرون بدمشق وأحد هؤلاء الثوار المعدومين هو من أبناء الأمير، لقد أخذت هذه اللحظة التاريخية وبنيت عليها الرواية، وكان أول من رفع علم الإنتصار بدمشق الأمير سعيد الجزائري حفيد الأمير عبد القادر• - هل الرواية امتداد ل "كتاب الأمير"؟ - اعتبرها الجزء الثالث التي تؤطر بضلالها على الفترة الدمشقية للأمير وصراعه ودوره في حماية المسيحيين ثم مساهمة ذرية الأمير في مراحل تاريخية متعاقبة في التاريخ القومي العربي وتبنى أحداث الرواية على حقائق تاريخية مستمدة من الوثائق والأرشيف الخاص الذي اطلعت عليه بأكبر المراكز العالمية في العالم وتطلب ذلك تنقلات عديدة تكفل بها ماديا الأشقاء القطريين وضمنها وثائق سرية ونادرة إنكليزية من مكتبة الديوان الأميري وتتضمن معلومات غاية في السرية• - وماذا عن أحداث رواياتك "سوناتا لأشباح القدس"؟ - ستصدر نهاية أكتوبر الجاري عن دار الأداب اللبنانية وصدرت في كتاب الجيب عن منشورات الفضاء الحر ومنشورات بغدادي بدأتها مباشرة بعد "سراب الشرق" حيث وأمام الكم الضخم من الوثائق والأرشيف حول المرحلة رأيت أنه من العبث عدم توظيفها في كتابة رواية عن فلسطين ومن خلالها تدور أحداث "سوناتا لأشباح القدس" حول فنانة تشكيلية فلسطينية المولد إسمها "مي" من اللاجئين إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، يطرح متنها معنى العودة؟ كيف ستكون العودة؟ هي نوع من الخيال، دخلت في نوع من المساجلة وفرض وجودها داخل المجتمع الأمريكي حيث تضطر "مي" مغادرة فلسطين عام النكبة 1948 وعمرها 8 سنوات تغادر المكان وفي اعتقادها أنه أمر مؤقت وستعود بعد فترة كما تجهل أن والدتها قد قتلت هناك ولا تعرف برحيلها إلا من خالتها وهو ما يصدمها ويؤثر في حياتها ويصبغ تجربتها التشكيلية بصبغة حساسة لاحقا ولا يبرح الوطن "فلسطين" ذاكرتها وهواجسها، ورغم أنها ترسم في لوحاتها نيويورك غير أنه ثمة غيمة خلفية دائما في أعمالها تبدو وكأنها ضلال لمدينة القدس أو قبة الصغرة وعن غير وعي تتداخل عناصر ذاكرتها ولا تكتشف ذلك إلا بعد إصابتها بسرطان الرئة لتكشف لإبنها الموسيقي الفنان عن فكرة العودة إلى فلسطين وحنينها، فتطلب من السلطات الإسرائيلية حق العودة لكن يرفض طلبها رغم أوراقها الأمريكية وهنا أشير أن ثمة تقاطع مع تجربة المفكر الفلسطيني الكبير "إدوارد سعيد" الذي رفض طلبه بدفنه في فلسطين ليدفن بعدها في بيروت، واحتجاحا على ذلك تلجأ إلى احدى الشركات المتخصصة في دفن الموتى بنيويورك حيث تطلب من ابنها أن يأخذ رماد جسدها بعد حرقة في "نيويورك" إلى فلسطين وتدفع ثمن ذلك وتطلب من إبنها أن ينثر رمادها في أماكن معينة - لأنها حاملة لأشباح القدس - كنهر الأردن وأزقة مدينة القدس وحاراتها ومكان مولدها وتخبره بأن يضع الإناء المخصص لوضع رماد جثتها على قبر والدتها في مقبرة القرية وبعد وفاتها يحقق إبنها حلمها ويزور بدلا عنها الأماكن وينشر رمادها••• الفكرة الجوهرية في مثل هذه الرموز أن إسرائيل وظفت الجانب الرمزي لبناءها لأنه أكثر نفوذا وقوة من الأسلحة وقد تفطنت إسرائيل لذلك واشتغلت عليه حيث رفضت دفن الرئيس ياسر عرفات وإدوارد سعيد لأنها تدرك أن وجود القبر له دلالة رمزية تتحول إلى حقيقة رمزية لاحقا وبالتالي رسالتها تقول أنه يمكن أن نقاومهم برمز آخر هو رمادنا الذي سيتغذى منه التراب والماء• - الرواية حزينة وتبتعد عن التعاطي السياسي للهم الفلسطيني؟ - نعم يخيم الحزن على الرواية، فهي مبنية على هم إنساني غائر، حاولت الخروج من الخطابات الجاهزة النمطية، والقضية الفلسطينية كان دائما في بعدها السياسي والتناول السياسي لا يصمد يتلاشى ويتغير بوتيرة سريعة لكن الذي يبقى هو الجانب الإنساني وهو بالتالي القضية لا تقتل بسهولة• وأشير إلى نقطة أخرى أن الرواية تطرح أسئلة فرغم أن العودة حق ثابت وشرعي لكن إشكال العودة تجاوز المستوى السياسي إلى مستواه الإنساني حيث اكتشف الإبن إندثار المكان ومسح جوانب مهمة منه شكل ذاكرة والدته وهو ما وقف عنده وهو يحقق حلمها، كما عاد الكثيرين ولم يجدوا الأمكنة المخبأة في داخلهم واكتشفوا أنه تحول إلى عالم ذهني وهو ما يشكل صدمة للعائد الذي لو لم يكن قويا لأصيب بالجنون•• الرواية تؤكد أن المسألة مركبة وأعقد مما تصوره السياسة• - تم ترشيح روايتك "سوناتا أشباح القدس" لجائزة الصالون الدولي للكتاب ال 13 بالجزائر، ولكن تحت عنوان "كريماتوريوم" هل من توضيح ؟ - العنوان الكامل لروايتي "هو كريماتوريوم لسوناتا أشباح القدس" وتعني كلمة "كريما توريوم" المحرقة وقد تفاديت إستخدام هذا المصطلح لأنه مستنفذ ويوحي إلى "الهولوكوست" كما أن كلمة "كريما توريوم" لا يوجد لها مقابل باللغة العربية ثم فكرت أنها لا توحي بشيء في الذاكرة العربية فأعطيتها عنوانا فرعيا هو "سوناتا لأشباح القدس"• - لماذا اختيارك للمقطع الموسيقى "سوناتا" كعنوان للرواية؟وما سر ارتباطك بأجناس الفن؟ - الخلفيات الأساسية لنصوصي الروائية كلها خلفيات فنية ففي روائي هذه الشخوص فنية الوالدة والإبن في "سيدة المقام" أيضا• كما أنني مقتنع أن الفنون تتداخل وتترابط، وإن لم يبقى من شيء لم يلوث في الأدب والفن بشكل عام غير أن الموسيقى كلغة إنسانية ما تزال تحافظ على صفاءها، طبعا الموسيقى الراقية وليس المبتذلة• - لكن ألا تخاف أن يضعوك في خانة الإتجار بالقضية الفلسطينية راهنا؟ والوقوع في فخ الخطابات؟ - مشكلة الإرهاب في الجزائر تحولت إلى سجل تجاري لكن بالمقابل سؤالي كم بقي من هذه الروايات، لا أعتقد أنني وقعت في هذا الفخ وإرضاء دور النشر لأنني صادق وهنا من اتهمني باستثمار مسار الأمير عبد القادر كشخصية وطنية وعالمية ويقول أن "الأمير عملة رابحة" وأجيبهم ياريت من يطلق الإشاعات والدسائس راهنوا على أي حصان رابح والمشكلة أنك كمبدع لما تختار شخصية مثل "الأمير عبد القادر" هي القضايا المعقدة وبالتالي عليك أن "تمنح ظهرك للضرب" وتحمل نزاهة اختيارك، فالموضوع ليس بهذه السهولة وعلينا الخروج بأفقنا من الثقافة السطحية نحو وظيفة المؤرخ فقد استغرق "كتاب الأمير" 4 سنوات من الجهد والبحث في الأرشيف، كما أنه وأنت تقرأ التاريخ تصطدم بحالات تشد انتباهك وتثيرك - يا ريت المراهنة على الأحصنة الرابحة دوما - والقارئ المتمرس الواعي يدرك من هو الكاتب الوفي لقضية ما واعتبرت نفسي في السنوات الأخيرة في واجب وطني وقومي وإنساني غير منفصل، قضايا تمسني كإنسان وتتناول هذه الموضوعات بضعك في أفق وطنيتك وقوميتك وإنسانيتك• - لكن الرواية تصدر في حين يهرول نخبة من المبدعين والمثقفين العرب إلى التطبيع مع إسرائيل؟ هل أنت تحلق خارج السرب؟ - لست من هذه الدائرة، الرواية مضادة للتطبيع مع إسرائيل من منطق أنه دولة أجرمت في حق وجود الإنسان الفلسطيني وسلخت منه أرضه وشردته - الرواية تتضمن نقد لاذع للحاضر بكل مكوناته، وأطرافه، لكن أخذتها في أفقها الإنساني، وعلى الأديب أن يخرج من هذا النمط التفكيري وتفادي الوقوع في الكتابات الجاهزة التي تأتي كرد فعل وهي المهيمنة عالميا• والأديب الإسرائيلي "أموس أوز" يمتلك قدرة نقدية للآلة الإسرائيلية دون خوف، وبالتالي الأحرى بي كعربي أن يكون موقفي أحسن ولا أكون ضمن المسرعين إلى طابور التطبيع كما أرى أنه حينما تضع نصك في أفق إنساني أعتقد أن المعطى السياسي سيكون ثانويا• - سيصدر لي قريبا ترجمة رواية "سيدة المقام" بالفرنسية التي أنجزها مارسيل بوا سيترجم بسوريا رواية "مضيق المعطوبين" الذي لم ينشر بعد• - ماهو تعليقك على فوز الكاتب الفرنسي لولكليزيو بجائزة نوبل للآداب 2008؟ - لأول مرة لم أخذل ولو لم يتحصل عليها لرشحت الأديب الياباني، سعيد بهذا التتويج الذي حضي به الكاتب الفرنسي لو لكليزيو فهو يستحق الجائزة وهي المرة الأولى التي تمنح لمبدع منتج بقوة وشخصية بعيدة عن وسائل الإعلام والبهرجة فهو يرفض أن يذل إعلاميا وعرف عنه نقده اللاذع للحضارة الغربية المادية ويعود إلى المجتمعات البدائية، وزواج لوكليزيو الذي ترجعه أصوله إلى جزر موريس بين خصوصيات ثقافته المحلية التي تربى عليها والثقافة الفرنسية التي منحته اللغة• - وماذا عن ترشيح الروائية الجزائرية آسيا جبار؟ - عاطفيا كنت مع حصول الروائية الجزائرية آسيا جبار على نوبل الآداب لكن استبعدت ذلك ولم أتوقع حصوله بالنظر إلى قائمة النخبة القوية التي وجدت فيها وقد تردد إسمها خلال 5 دورات وذلك مؤشر على حضوضها مستقبلا• - ماذا ترد على الشائعات التي طالتك مؤخرا؟ - أعرف جيدا من يطلق هذه الشائعات عبر الصحف الجزائرية فتارة أتهم أنني اتجهت إلى دول البتروذولار إبداعيا ومدحهم وذلك كلام فارغ لا أساس له من الصحة، كما روايتي الأخيرة جاءت بعد 4 سنوات من رواية "كتاب الأمير" وبالتالي المسافة السنوية والذي قال أنني أصدر بوتيرة متسارعة أوقع نفسه في عمق الخطأ والغريب أنني هوجمت وأنا في قمة أزمتي الصحية دون مراعاة ذلك وبالمناسبة أشكر رئاسة الجمهورية ووزيرة الثقافة وجهات مسؤولة أخرى تدخلت لتمويل مصاريف المستشفى وأوضحت لهم أن جامعة السوربون التي أدرس بها تكلفت بالمصاريف••• أنا مع النقد الصريح الذي آخذ به وأستفيد منه لكن أن يكون النقد المقصدية منه، هو الإساءة فذلك ما أقول فيه أنه عيب كبير وأتأسف لذلك وأشير هنا أن الروائي الطاهر وطار بعث برسالة واتصل بي للإطمئنان على صحتي بعد الوعكة التي أصابتني كدليل على تضامن المبدعين لأنه يمكن أن اختلف معه في قضايا عديدة لكن لا يمكن أن أنفي وجود قامة مثل المبدع الطاهر وطار•