يمثّل مسار الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية أحد التحديات الكبرى التي تواجه المنظومة الاقتصادية الوطنية، التي تقف على عتبة نظام اقتصادي عالمي مفتوح على تنافسية شديدة تتطلب من المؤسسات الاقتصادية والمالية والتجارية والخدماتية أن ترتقي إلى درجة من الكفاءة والتزود بالمعايير التي تسمح لها بالبقاء. الانضمام ليس خيارا اعتباطيا، وإنما هو مسلك حتمي في ظل التحولات التي يعرفها العالم، ومن ثمّة تتجه الجزائر إلى هذا المقصد للاستفادة من ثمار لكن دون أن تدفع كلفة تنعكس سلبا من حيث الآثار الاجتماعية التي غالبا ما تحدثها تنافسية الأسواق غير المتكافئة. الطريق إلى هذا الفضاء التجاري العالمي ليس سهلا لبلد يتمسّك بأولوياته التنموية، ومن ثمّة يسعى للدفاع عن مواقفه التجارية بالحرص على التمتع بإجراءات يصفها الغير بالحمائية، وهي ليست بذلك المفهوم وإنما إجراءات لمرافقة النمو المحلي وتأطير ساحة المنافسة الدولية التي بقدر ما تفتح المجال أمام الجميع لمنافسة الجميع بقدر ما تنتج أوضاعا فيها كثير من الآثار التي تضرب العدالة الاقتصادية الدولية في الصميم وتتنافى مع مبادئ الألفية للأمم المتحدة وأساسها الحق في التنمية لكافة الشعوب. لقد أعدّت الجزائر وطبّقت الكثير من الإصلاحات التشريعية والتنظيمية ذات الصلة بالتجارة، مكرسة قناعة الانفتاح على الأسواق العالمية، لكن ليس بتلك المنهجية غير المسؤولة وإنما ضمن تصور مندمج يرتكز على جملة من الضوابط التي لا تتعارض مع روح المنافسة وحرية المبادرة، وذلك من منظور حق الشعوب في التنمية المستدامة. لكن الملاحظ أن المسعى للانضمام لمنظمة التجارة العالمية ليس غدا على ما يبدو في انتظار موعد الجولة القادمة من المفاوضات، وفي ضوء الحصيلة التي تكون قد حققتها الاتصالات التي أجراها الوفد الجزائري المعني بالمفاوضات في أروقة مقر المنظمة بفيينا، حيث حسم الصراع التفاوضي يرتكز في النهاية على مدى قدرة كل طرف في إقناع الآخرين بمواقفه من خلال مسار الأسئلة والأجوبة عليها، وهي صيغة فيها على ما يبدو جوانب ظاهرة من الاستفزاز أو الابتزاز حتى وهو ما يتطلب من الوفد الجزائري يقظة لا تنقطع وحنكة في الرد على الجميع بحد مقبول من الإقناع بالاستناد على الأوراق القوية للجزائر تجاه الأسواق العالمية، خاصة منها طمأنتها بالتموين بالغاز الطبيعي باعتباره مادة في قلب الانشغالات المطروحة في هذا الظرف ومنذ سنوات طويلة. المحاور الكبرى التي ينبغي التعامل معها بلا تردد وبقوة إلى حين تأهيلها في المديين المتوسط والبعيد تتعلق خاصة بالفلاحة والخدمات والصناعات التي تمثل العمود الفقري للتنمية الوطنية، وهنا يتأكد من جديد الدور البارز للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في أخذ زمام المبادرة لبلوغ درجة عالية من المنافسة، وهو الدور الأساسي أيضا للقطاع الخاص الوطني بانخراطه السريع في الديناميكية الوطنية، وقبول قواعد اللعبة بتشكيل أقطاب مندمجة حول قطاعات تملك فيها الجزائر قدرات تنافسية والتخلص من الطابع العائلي للمؤسسة الاقتصادية الخاصة على اعتبار أن ما سيؤدي إليه الانضمام لمنظمة التجارة العالمية ينعكس مباشرة على المؤسسة الاقتصادية المحلية، التي لا يمكنها أن تستمر في استعمال الحماية عباءة ستنزع يوما بأي شكل من الأشكال، وعندها لن يصمد سوى من يعتمد على الكفاءة الإنتاجية.