انقضى العيد مخلفا وراءه جملة من السلوكات الاستهلاكية المفرطة التي قوضت القدرة الشرائية، ولكن خلف أيضا جملة من قيم العمل والتضامن والتراحم والتعاضد مما قوى بشكل ملفت روح الانسجام داخل المجموعة الوطنية ما يعزز إرادة التقدم إلى مجابهة قضايا التنمية بكل جوانبها. المفروض أن تفتح مع الدخول الاجتماعي الذي يحل في ظل استمرار الجدل حول مسار الإصلاحات صفحة جديدة لسجل الحوار الاجتماعي الذي ينتظر أن تكرسه الثلاثية المقبلة بابتكار حلول ناجعة تتكفل بالملفات المطروحة والتفرغ نهائيا لقضايا التنمية التي يتوقف عليها مستقبل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية. ويندرج كل هذا ضمن التوجه القائم للدفع بمسار الإصلاحات بعيدا عن الظرفية والتزام خط سير هادئ وجريء ومتدرج باتجاه الاستجابة للانشغالات والتطلعات وفقا لمنظور استراتيجي يتجاوز إطار المرحلية. وبلا شك بإمكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي وهو يتولى مهمة تشخيص واقع التنمية ومدى جدوى التطابق مع التقسيم الإداري والتنظيم الهرمي للمؤسسات وقوة علاقة الجدلية في الاتجاهين العمودي والأفقي أن ينتج تصورا لبدائل مندمجة من شأنها أن تزيل المعوقات وتنهي التداخل وتزاحم الصلاحيات على مستوى مختلف المستويات والمتدخلين في الحركية التنموية التي تقف على عتبة انطلاقة متجددة ترتكز بلا شك على تجنيد الموارد المحلية خاصة في قطاعات تملك فيها مختلف الجهات من البلاد أوراق لا تقل أهمية في المعادلة الاقتصادية. ويرتقب أن تكلل عملية تقصي حقائق التنمية المحلية ومساهمة مختلف الشركاء فيها من متعاملين اقتصاديين ومجتمع مدني ينتظر أن يرتقي إلى درجة عالية من الفعالية إلى جانب الإدارة المحلية من بلديات وولايات ودوائر بالتوصل إلى صيغة عملية تدفع بالجميع إلى درجة متقدمة من الأداء الذي يرافق المجموعة الوطنية في التعاطي مع تحديات المرحلة خاصة ما تحمله العولمة التي يتطلب التعامل معها التمتع بقدر معتبر من الذكاء والقوة على الاستشراف ومن ثمة الأخذ معها كل ما هو مفيد وتفادي ما يشكل عائقا أو بالأحرى غموضا. لقد أدخلت الأزمة المالية العالمية قوى اقتصادية كبرى في دوامة البحث عن أوراق للخلاص من تبعاتها التي تبدو للعيان في أكثر من منطقة حيث لا تتوقف حكومات هنا وهناك عن فعل المستحيل للحصول على موارد للسيولة المالية وخاصة الاستحواذ على مناجم مواد طبيعية وكذا تأمين استراتيجي لمنابع الطاقة التقليدية في ظل مناهضة مجتمعاتهم للطاقة النووية بعد كل الذي حدث خاصة في اليابان بل وسرقة أسواق وصفقات ولو بالحرب. في ظل تخبط العالم داخل تداعيات تلك الأزمة، لا مناص لبلادنا من الانتقال إلى سرعة أكثر قوة بانخراط كافة الشركاء حول برنامج تنموي شامل ومندمج لا مجال فيه للأنانية الحزبية أو الارتجال أو المغامرة ولكن لا مجال فيه أيضا للتردد في الخيارات بعد أن تنضج أو الخشية من ضخ دم جديد في دواليب الجهاز الاقتصادي والإداري بالمعايير الاحترافية والبراغماتية حتى لا تكون فاتورة التردد والانتظار مكلفة على أكثر من صعيد وتأمين المسار بتحميل أدوات الضبط وآليات القضاء ومختلف الوسائط المكرسة للشفافية كامل المسؤولية في تنشيط الدورة التنموية المادية والبشرية.