المسيرة الشعبية العارمة التي جرت عبر الوطن ولازالت متوهجة، أعطت الإجابة المقنعة لكل متطاول على الجزائر ومتعمد تجاهل استقلالية قرارها وخياراتها السيادية في التطور واستكمال الصرح الديمقراطي التشاركي، الذي يقر بتعدد الآراء، تباري الأفكار وتناغم التوجهات، خدمة للصالح العام. كانت المسيرة التي هتفت خلالها حناجر آلاف المواطنين بأعلى صوت رافضة أي تدخل أجنبي في الشأن الوطني، رسالة واضحة لمن لم يفهم ولم يحفظ الدرس بعد، ولا يعير أدنى اعتبار للمعادلة الجزائرية المستمدة من عقيدة استقلالية السيادة المرسخة منذ أول نوفمبر، المرجعية الدائمة. هي رسالة غير مشفرة إلى البرلمان الأوروبي تحديدا، الذي أخطأ التقدير والمغزى بانسياقه وراء لوبيات وأصحاب فكر كولونيالي قديم وجديد معروفين بحقدهم الدفين تجاه الجزائر الحرة المستقلة. حملت المسيرة موقفا واحدا موحدا أبطل ألغام أصحاب الفكر الكولونيالي والماسونية، المردد بلا توقف لإسطوانة معروفة حفظت عن ظهر قلب، تحاول ضرب عمق الجزائر والمساس بقلبها النابض، ممثلا في الجيش الوطني الشعبي وأجهزة الأمن، التي كانت دوما صمام أمان الوحدة الوطنية وتلاحم الشعب والسيادة الكاملة غير المنقوصة. هم يروجون بحقد وضغينة لفكرة الدولة المدنية، في محاولة لإفراغها من مضمونها الوطني وبعدها السياسي والاجتماعي والأمن القومي، إلى درجة تسمح باختراق الأمن الوطني وتسهيل تمرير مشاريع محل التخطيط منذ مدة. توظف في الحملة المسعورة التي تختفي تارة وتعود إلى الواجهة تارة أخرى، موظفة منابر إعلامية تسير في الفلك ودوائر مخابراتية تتحرك بالإيعاز والوكالة، وتنطلق دوائرها العدائية في المهمة، تحت الطلب، بهدف تشويه المكاسب المحققة في جزائر التحدي، والإنجازات التي تمت فيها بالتضحيات الجسام، قافزة على جرائم المستعمِر البغيض وحملات الإبادة الشنعاء، مغالطة الرأي العام في مسعى تبييض وجه الاستعمار الفرنسي الذي تطارده الذاكرة. هي مسألة قالها جهرا النائب الفرنسي بالبرلمان الأوروبي رافائيل غلوكسمان، دون حياء، مكررا ما ذكر به أكثر من قيادي فرنسي وشخصية لم تهضم استقلال الجزائر ولازالت تحن إلى «الفردوس الضائع»، بالتأكيد الخاطئ على أن العلاقات مع الجزائر لن تكون طبيعية إلا بذهاب جيل الثورة التحريرية. تجاهل هؤلاء شعبية الثورة التحريرية وتناقل قيمها ومبادئها للأجيال المتشبعة بروح التحرر والمواطنة والوطنية ومسيرة «الوفاء» التي عبرت عن ضمير جمعي واحد رافض بالمطلق لأي تدخل في الشأن الوطني وبصوت جهُوري أنها ذاهبة إلى الاستحقاق الرئاسي لاستكمال بناء الدولة الوطنية التي أوصى بها رواد الحرية، وتعهد بالحفاظ عليها جيل الاستقلال أمانة في الأعناق الى يوم الدين. اختارت الجزائر طريقها بحرية وهي مصممة على مواصلة مسار البناء الديمقراطي، الذي ترى فيه أن الاستحقاق الرئاسي المعبَر الآمن له ومحطة انطلاق ورشات إصلاح نظام سياسي ومنظومة قوانين وتشريعات وآليات حكم ، تعطي إضافة للإستقرار الوطني، عماده الجبهة الداخلية المطهرة من كل الشوائب والمتحررة من التناقضات، التي كثيرا ما كانت منفذا لمحاولات «الاختراق» من أعداء الأمس واليوم.