جسد التغيير الحكومي الأخير، وعود رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، التي كان قد أعلن عنها عقب انتخابه رئيسا للبلاد بأغلبية الاصوات، بحيث أعاد الاعتبار للكفاءات الشابة والنخبة في تولي المناصب السامية بالجهاز التنفيذي، إيمانا منه بقدرتها على التسيير الأنجع لملفات شائكة ومعقدة تنتظر حلولا مستعجلة لاذابة ترسبات أزمة سياسية واقتصادية مازالت تداعياتها قائمة. احتفظ 7 وزراء من الحكومة السابقة بحقائبهم الوزارية سيما السيادية منها، ويتعلق الأمر بكل من وزير الشؤون الخارجية صابري بوقدوم، وزير الداخلية والجماعات المحلية وتهيئة الإقليم كمال بلجود، وزير العدل حافظ الأختام بلقاسم زغماتي، وزير الطاقة محمد عرقاب، وزير المجاهدين الطيب زيتوني، وزير الفلاحة والتنمية الريفية شريف عماري، وزير الشؤون الدينية والأوقاف يوسف بلمهدي، وإن اختلفت القراءات حول احتفاظ هؤلاء بمناصبهم، في ظل توقعات سابقة بإجراء تغيير جذري على الطاقم الحكومي، إلا أن الحاجة إلى الاستمرار في الاستفادة من خبرة وتجربة تلك الكفاءات تكون قد فرضت هذا الأمر؛ خاصة وأنها أثبت قدرتها على تسيير وزارات أغلبها سيادية في فترة استثنائية عرفتها البلاد، وأدارت وواجهت مشاكل على عدة جبهات. وتجديد الثقة في تلك الأسماء، تفرض عليها مواصلة العمل بصرامة وحزم، خاصة وأن الظرف القادم يتطلب التفاف الجميع حول الوطن، وتغليب المصلحة العليا، لبناء جمهورية جديدة أساسها العدل والمساواة، واحترام الحريات الفردية والجماعية، والأهم السيادة الشعبية. فصل وزارة الصيد عن الفلاحة حمل التغير الحكومي الجديد عدة تغييرات، من بينها إعادة فصل وزارة الصيد البحري عن وزارة الفلاحة والتنمية الريفية بعد إدماجهما سنة 2015، وأسندت مهمة تسييرها إلى الوزير السابق للقطاع سيد أحمد فروخي، أوابن القطاع بالنظر إلى المدة التي قضاها على رأسه، حيث ترك بصمة واضحة بدت جليا في المخطط الاستثماري «أكواباش» الذي حدد فيه معالم إنعاش وتطوير شعبة الصيد البحري وتربية المائيات لفترة بعيدة المدى، أعاد دورها الحيوي في دعم الاقتصاد الوطني خارج قطاع المحروقات، وتوفير موارد دخل جديدة للعملة الصعبة، وقد أنجزت العديد من المشاريع سيما تلك المرتبطة بتربية المائيات في الأحواض العائمة بالبحر، أوفي المياه العذبة، وتم لأول مرة إنتاج الجمبري بالصحراء الجزائرية، كما استعادت الجزائر حصتها من التونة الحمراء وعادت بها إلى الأسواق الدولية، فضلا عن إعداد ترسانة قانونية تنظم القطاع وأخرى نشاط المهنيين حيث استفادوا لأول مرة من نظام الحماية الاجتماعية بعد حرمانهم من ذلك لعدة سنوات، كما تم تحرير نص قانوني لإعادة بعث صيد المرجان «الذهب الأحمر» غير أنه لم ير النور بعد أن غادر القطاع. ولعل الوافد «الجديد القديم» للقطاع، يكون على علم بالتحديات والرهانات التي تنتظر القطاع بعد إعادته وزارة قائمة بذاتها، فالظرف الاقتصادي «الصعب» حيث تراجعت احتياطات الصرف ومعها حجم الاستثمارات الوطنية والأجنبية بسبب الأزمة السياسية، يفرض تجنيد واستغلال كل الموارد والثروات بشكل عقلاني وفعال لتحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوة، وتحريك عجلة النمو خارج قطاع المحروقات، ولن تكون المأمورية صعبة عليه باعتبار المعرفة المسبقة له لكل مواطن ضعف وقوة القطاع، وجميع الملفات المرتبطة بإعادته إلى سكة الإنتاج. وزارة منتدبة للفلاحة الصحراوية وعودة الاستشراف ومن بين الجديد الذي حمله التغيير الحكومي، استحداث 7 وزارات منتدبة و4 كتابات دولة، مع تسجيل عودة وزارة الاستشراف التي أسندت مهامها لبشير مصيطفى، العائد هو الآخر لنفس المنصب، نظرا لما يملكه من مؤهلات وخبرة تسمح له بإدارة دواليب قطاع يعول عليه في تحريك جميع القطاعات الأخرى عن طريق منح الاستشارات والاستشرافات لمستقبل أفضل يتطلب التخطيط له سنوات طويلة، بناء على تحليل معطيات وإحصائيات تضبط بدقة الاستراتيجيات التنموية وتحدد مدى نجاح السياسات العمومية في تلبية طموحات الفرد والمجتمع. كما تم ولأول مرة استحداث وزارة منتدبة خاصة بالفلاحة الصحراوية، ما يعكس الاهتمام بتطوير الأقاليم الجنوبية، خاصة وأنها أثبت قدرتها على منافسة أكبر ولايات الشمال المعروفة بكثرة إنتاجها للمحاصيل الفلاحية، بطرح منتوج كمي ونوعي يشمل جميع أنواع الخضر والفواكه وفي فترات متواصلة، وأصبحت تمول السوق ب80٪ من الاحتياجات الوطنية بعد أن ساد الاعتقاد لسنوات أن الصحراء منتجة للتمور فقط، بل وأكثر من ذلك أصبحت تنافس عدة منتوجات دولية في عقر دارها، حيث دخلت مجال التصدير إلى الدول الأوربية والعربية والآسيوية والأمريكية بفضل جودة منتجاتها. حركية اقتصادية بحاجة إلى دعم ومرافقة من طرف الدولة، وهو ما سيتعزز عن طريق الوزارة المنتدبة الجديدة التي سيحاول مسؤولها الأول وهو ابن القطاع حيث سبق وأن شغل عدة مناصب آخرها مدير المعهد الوطني للبحوث الزراعية، على تذليل الصعوبات التي تقف عائقا أمام الاستثمار المنتج بهذه الأقاليم، وتهدد استدامته. وزارة منتدبة للحاضنات دعم للمؤسسات الصغيرة وكما وعد الشباب أصحاب المشاريع، استحدث رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون وزارة منتدبة مكلفة بالحاضنات وأخرى بالمؤسسات الناشئة، وعيا منه بأهمية كل واحدة منها في تقديم الدعم والمرافقة لحاملي المشاريع المنتجة، وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والناشئة، نظرا لقدرتهم على تحقيق الأهداف الاقتصادية الاجتماعية كاستحداث فرص عمل أكثر استمرارية، وتنمية الابتكارات وترقية روح المبادرة الفردية، وتحقيق التنمية المتوازنة. واستجابة لطلب هؤلاء، بعد أن فشل الكثير منهم في بلوغ الأهداف المرجوة، وعجزهم عن انقاذ مؤسساتهم من الفشل والزوال بعد استفادتهم من قروض دعم عن طريق وكالات «أونساج» و»كناك»، تقرر توفير الحاضنات التي أثبتت الدراسات قدرتها على مساعدة المؤسسات الصغيرة على تجاوز الأعباء وإخطار مراحل التأسيس والإنشاء وتنمية وتطوير المشاريع الجديدة، بمنحها كل ما تحتاجه من دعم لستقتر، تنافس وتستمر، وبالتالي المساهمة في التطور التكنولوجي ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.