إدخال تدابير الفعالية الطّاقوية في قطاع البناء ضرورة أكّد البروفيسور سنوسي بن عبو، نجاح توفير الطاقة مرتبط بإرادة سياسية فاعلة، وتوعية المواطن من خلال حملات التحسيس لترشيد استعمال الطاقة، خاصة وان الأجهزة الكهرومنزلية، النقل والسكن تمثل أهم المجالات الأكثر استهلاكا للطاقة، وهي خطوة مهمة لتفعيل مختلف القوانين التي وضعها المشرّع بغية انتقال طاقوي يعتمد على الطاقات المتجددة. قال البروفيسور سنوسي بن عبو بالمدرسة العليا للاقتصاد بوهران في تصريح ل «الشعب» على هامش صالون الكهرباء والطاقات المتجددة، إن الإرادة السياسية هي أهم عامل لتحقيق الانتقال الطاقوي المعتمد على الطاقات المتجددة التي أصبحت البديل المثالي للطاقات الأحفورية، التي أثبتت الدراسات أنها زائلة وقابلة للنفاد، لذلك كان لابد من التحرك وعدم الانتظار الى غاية استنفاد الجزائر طاقاتها البترولية والغازية التي كانت لسنوات طويلة المصدر الرئيس للطاقة، خاصة وأن المشرّع الجزائري وضع ترسانة من القوانين لتحقيق هذا الهدف بالتحديد في توفير الطاقة. وكشف في سياق حديثه أن الإرادة السياسية وحدها لا تكفي لأن وعي المواطن بأهمية ترشيد استهلاك الطاقة خطوة ضرورية للحفاظ على مصادر الطاقة، حتى وإن كانت متجددة لذلك كان من الضروري إعطاء المواطن المعلومات الكافية حول الطاقات المتجددة وطريقة استهلاكها بطريقة عقلانية ورشيدة، معتبرا أنها السبيل ليستطيع المواطن البحث عن الأجهزة الكهرومنزلية المطابقة للمعايير التي تتلاءم والاستعمال غير المضر بالبيئة، وكذا ارتباطها بالفعالية الطاقوية. وذكر البروفيسور أن البنايات التي تحترم شروط توفير الطاقة كالعزل الحراري، أصبحت ضرورة لخفض فاتورة استهلاك الجزائري للكهرباء مثلا، والتي تبلغ ثلاثة اضعاف الاستهلاك العالمي لهذه الطاقة الحيوية، مؤكدا أن المفارقة في ملف رخصة البناء الذي يطالب المعني باستخراج وثيقة لإنجاز بنايات توفر الطاقة من خلال العزل الحراري، لكنها يقيت لما يقارب العشرين سنة حبرا على ورق ما عدا الوثيقة الخاصة بمقاومة الزلازل التي أصبحب بعد زلزال بومرداس 2003 ضرورية لاستخراج رخصة البناء. وفي هذا الصدد، أكّد البروفيسور أن ما عدا المستشفيات والفنادق فإنّ البنايات الفردية أو السكنات المنشأة غير مطابقة لبرنامج إنجاز بنايات تتوفر على مواد عازلة، ومازالت تبنى بنفس الطريقة الكلاسيكية، لذلك فإن الجزائر مقبلة على مرحلة حساسة تعتمد على ادخال الفعالية الطاقوية بصفة منهجية في جميع البناءات، وتعميم التأهيل الحراري في البنايات القائمة مهما كانت سنة انشائها. فإذا علمنا ان قطاع البناء يمثل 37 بالمائة من الاستهلاك النهائي للطاقة في الجزائر هو مقبل على زيادة الاستهلاك بسبب النمو الديمغرافي، الذي أكدت الدراسات الميدانية أنها زيادة بمليون مولود في كل سنة، سيكون الانتقال الطاقوي ضرورة قصوى مع تفعيل البرامج الموجودة لتوفير الطاقة مع إشراك المجتمع المدني لتحقيق الأهداف المرجوة، لأنها قضية الجميع و ليس الدولة فقط. ومن بين المشاريع المدرجة في برنامج التحكم في الطاقة، حسب البروفيسور، العزل الحراري في البنايات، إدخال المصابيح ذات الأداء العالي وتوزيعها، توزيع السخانات الشمسية ذات الاستعمال الفردي او الجماعي، تحويل السيارات الى استعمال غاز البترول المميع او الغاز الطبيعي المميع، بالاعتماد على مرافقة الوكالة الوطنية لتطوير استخدام الطاقة وترشيده من خلال مرافقة الهيئات لوضع نظام تسيير الطاقة وفقا لمواصفة إيزو 50001. المرافقة لترشيد استهلاك الطّاقة حتى نلم أكثر بالموضوع، زارت «الشعب» جناح الوكالة الوطنية لتطوير استخدام الطاقة أين تلقّت شروحات (من ممثليها الذين رفضوا الإفصاح عن أسمائهم) عن عملها في إطار توفير الطاقة بغية الانتقال الى اقتصاد أخضر غير مضر بالبيئة. وتحدد مواصفة «إيزو 50001» متطلبات تصميم نظام إدارة الطاقة، تنفيذه، صيانته وتحسينه ممّا يسمح للهيئات من خلال مقاربة منهجية بالوصول الى تحسين مستمر لنجاعتها الطاقوية التي تضمن الفعالية للاستعمال والاستهلاك الطاقوي، ومن أهم فوائد هذا النظام هي وضع منهج تحسين مستمر يتولد عنه مدخرات طاقوية معتبرة ودائمة، من بين البرامج المكلفة بها برنامج الاقتصاد في البناء لأن الرهانات الاقتصادية معتبرة ما يجعل من التحكم في استهلاك الطاقة في البنايات مهمة أساسية وتشكل تحديا للعقود القادمة، عن طريق ادخال تدابير الفعالية الطاقوية في هذا القطاع الاستراتيجي. ويهدف هذا البرنامج الى توفير الدعمين التقني والمالي من اجل تقليص استهلاك الطاقة المرتبطة بالتدفئة، والتكيف مع العمل بصفة خاصة على تحسين غلاف البنايات وعزل السطوح واستخدام نجارة عالية الجودة، تحديد انتقال الحرارة بين داخلها ومحيطها الخارجي، والأهم تكوين يد عاملة مؤهلة تستجيب لمتطلبات توفير الطاقة وترشيد استهلاكها في مختلف مراكز التوين المهني، خاصة وان قطاع البناء يعرف الكثير من الفوضى بعدم اجبار البناء على التكوين في هذا المجال، أخيرا إنشاء سوق مستدامة وتنافسية لمواد البناء والتجهيزات المساهمة في العزل الحراري. الى جانب الدعم التقني، تقدم الوكالة دعما ماديا يصل الى 80 بالمائة من التكاليف الزائدة الناجمة عن إدخال العزل الحراري من خلال مساهمة يقدمها الصندوق الوطني للتحكم في الطاقة والطاقات المتجددة والمشتركة، أما المستفيدون منها فهي جميع البنايات والسكنات سواء كانت فردية او جماعية. التّوعية والتّحسيس وفي السياق ذاته، قال الباحث عبد الغني بوالشحم بمركز البحث في تكنولوجيا نصف النواقل الطاقوية في تصريح ل «الشعب»، إن الانتقال الطاقوي في الجزائر بحاجة الى إرادة سياسية، والى وعي كبير من طرف المواطن الذي وصفه بانه غير مهيأ لهذه الخطوة لأنه غير قادر على اتباع سلوك يومي لترشيد الطاقة وتوفيرها، فهذه العقلية السائدة تجعل من توعية المواطن وتحسيسه بضرورة تغيير سلوكه اتجاه استعمالاته المختلفة للطاقة خطوة ضرورية، لأن ترشيد استهلاكها سيؤدي الى نجاح الانتقال الطاقوي من الطاقة الأحفورية الى الطاقات المتجددة والمستدامة.