الإبحار في عالم رومانسي عبر 50 قصيدة في البداية تصر الكاتبة المحامية سلمى النعيمي على أن تسمي إصدارها هذا (هوادة) بالديوان وليس بالمجموعة الشعرية. وهذا موضوع يستحق أكثر من محطة، لأن مشكلة التصنيف فعلا ترجع لصاحب العمل واتّفاقه مع صاحب الدار، وليس على القارئ والناقد أن يتدخّلا إلا في محتوى المضمون ومسارات وتوجهات المعنى حتى لا نقول بأنه يوجد أهل اختصاص مهمتهم الأساسية هي تصنيف الأعمال. هذه الباكورة تضم 50 قصيدة بالتمام، عكفتُ على قراءتها في مدة لم تتجاوز الأسبوع، أي أنّني لم أجد صعوبة في تفكيك مفاصلها وكيفية الوصول نحو محركات البحث التي كانت تدفع بالكاتبة نحو الولوج لعالم أكثر من رومانسي. بل يذكرنا مع بداية الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حيث كان للعلاقات العاطفية وقع ومغزى مثلها مثل القيم العليا...أو قل بأن الحب نفسه كان رفيع الشأن يومها، عكس ما يحدث في هذا العصر الرقمي المتسارع، حيث يُنظر للمرأة بأنها جسد ليس إلا ومجرد سلعة وأشكال مزخرفة ومساحيق. وأقصد أن القارىء لهذا النوع من المجموعات هو أن يكون ممّن يحمل معه بذور الزمن الجميل وليس (الحب على الطرق المعاصرة). وهو الحب الذي يتغذى بما يحيط به من ماديات ومغريات. إصرار الكاتبة على البقاء في عوالم العشق إنّ القيمة الكبرى التي نخرج بها من خلال غرقنا في مغامرات البطلة الشاعرة هي التوهان وعدم الاستقرار، بل حدوث هواجس متتالية بين ما قبل اللقاء وأثناءه وما بعده، حيث يسود الشك والحيرة وإعطاء الغلبة لمشاعر التوجس والخوف من عدم الوفاء وعدم التضحية..وكأن بالمرأة المحبة تضع في الحسبان كل صغيرة وكبيرة بدءا من حركة إلى نظرة أو إيماءة وإيحاء. ونلتمس بأن ما تحوزه من تجربة في الحياة والتكوين الثقافي هو أكثر بكثير من المحطات التي بدت معانيها شبه ضيقة أو قل هي ضيقة المساحات، وهذا ما ترك مساحات كبيرة للتساؤل والشك والظنون..والدليل على قوة الشخصية التي تتمتّع بها الكاتبها هي محاولتها في كل مرة ملامسة الحكمة كهذا الشطر من إحدى القصائد (ولقد لمحتُ شدائدا وعواصف، حتى ابتليت بما رماه شداد...ورأيت أوجاع الهوى حتى غدا جرحي شديدا من ضراب زماني) وإصرار الكاتبة على البقاء في عوالم العشق (لم العشق مقبرة اللقاء...لم الدهر ساهِ يغيض العشاق...لِم العشق في كل حرب يموت، وفي كل سعي يلقى بلاء) وهذه التوظيفات اللغوية توحي لنا بأن شاعرتنا متأثرة أيما تأثر بالشعراء الأمراء وعلى رأسهم أحمد شوقي، الذي غالبا ما يغوص في المشاعر العاطفية عن طريق استعمال الحكمة والأزمنة البعدية والقبلية...وكذلك عدد من شعراء المهجر. ثم تعرج بنا صاحبتنا نحو صور جد جميلة، وهذا متوقع جدا كونها هي بالذات مصممة حلي وفنانة تشكيلية، مما ساعدها على الرسم بالكلمات كما يقول نزار قباني، خاصة في مقطع (يا أيّها الوجه الجميل رويدك...هل في غيابك راحة لمتيم...ما عاد عشقك في فؤادي قابع....يوم اللقاء ودعتني...يا نصف القلب...يا لعبة الأقدار...قد كنت قطرة ماء في جوف فاهِ). الكثير من هذه الصور تتكرر، وهذه دلالة إسقاطية على حالات عاشتها الشاعرة نفسها وما زالت آثار مرارتها قابعة في الحلق؟ا ومهما يكن فإن تجربة سلمى النعيمي أرّخت لنفسها من خلال التعبير بصدق دون تكاليف، فهي بسيطة المعنى ويسيرة جدا ولا رائحة للتقوعر اللغوي فيها من نصيب، أي أنه مباشرة من القارئ العادي بإمكانه أن يعيش اللحظات التي كانت تريد الشاعرة أن تأخذه نحوها.