اختارت دائما الابتعاد عن الأضواء، متواضعة جدا، هي دائما في رحلة بحث عن المعرفة، استقت من مناهل العلم، أول امرأة جزائرية تحصلت على دكتوراه في الاقتصاد سنة 1972، حضيت بثقة المسؤولين في السلطة وكانت المرأة الوحيدة التي شاركت في المفاوضات التجارية بين الجزائر و فرنسا سنة 1963، لها عدة شهادات عليا في السوسيولوجيا والتاريخ وكانت مستشارة في العديد من القضايا، وصاحبة المقال تحت عنوان ''المرأة الجزائرية، النضال الصامت'' الذي نشر في المجلة ''مشرق - مغرب'' الذي أحدث ضجة كبيرة في فرنسا سنة 2008، إنها المجاهدة والخبيرة في الاقتصاد فاطمة الزهراء أوفريحة التي التقتها ''الشعب'' على هامش الملتقى التحاوري حول صورة المرأة السياسية المغاربية في الإعلام المنظم الأسبوع الماضي بالبليدة، حيث فتحت لنا صدرها الرحب، وكان لنا معها هذا الحوار الشيق.. @الشعب: الأستاذة أوفريحة، عرفتك من خلال مداخلاتك في بعض الملتقيات العلمية التي كثيرا ما كانت تحظى باهتمام الجميع، لكن لا نعرف الجانب الآخر عن حياتك كامرأة، فهل تفتحي لنا صفحات كتاب الذكريات؟ @@ أوفريحة: سيكون لي الشرف أن أجري معك هذا الحوار لأن ''الشعب'' أول جريدة تبحث عن أوفريحة المرأة، ولم يسبق لأي وسيلة إعلامية أن سألتني عن هذا الموضوع، سأعيد عجلة الزمان إلى الوراء وأحكي بعض التفاصيل عن حياتي الشخصية، أنا من مواليد الأربعينيات بمدينة تلمسان التي ترعرعت فيها، وزاولت فيها دراستي إلى غاية الباكلوريا، كنت متفوقة على أقراني وكان أغلبهن فرنسيات، ما جعلني محط اهتمام الأساتذة وكلهم فرنسيون لدرجة أنهم طلبوا من والدي أن أكمل دراستي في فرنسا وقد حدث ذلك. @ ما هي الأحداث التي ما تزال تحتفظ بها ذاكرتك عن مرحلة الدراسة التي كانت إبان الاستعمار؟ @@ منذ صغري وأنا دائما أحاول أن أفهم العالم الذي يدور حولي، وأهم شيء فهمته أنه بالرغم من أنني فتاة لكن لدي أفكار طورتها عبر مراحل عمري، كما فهمت أن بلدي مستعمر، ولا بد أن أساهم قدر طاقتي لكسر الأغلال التي جعلته لزمن طويل أسير الجهل والتخلف، فيتقدم الفرنسيين ويتراجع الجزائريين. استجبت لنداء جبهة التحرير الوطني وانخرطت في صفوفها سنة 1959 وكنت من بين منظمي الإضراب في تلمسان الذي دام ثلاثة أيام على اثر استشهاد زميلتي في الدراسة ''مليحة حميدو''، الذي تحمل إحدى الثانويات اسمها في هذه الولاية. @ كم استمرت سنوات الدراسة في فرنسا، ومتى عدت إلى أرض الوطن، وما هي الشهادات التي حزت عليها؟. @@ تواجدي بفرنسا للدراسة لم يدم طويلا، وقد عدت إلى أرض الوطن في 1962 بعد الإعلان عن الاستقلال، وكنت من بين القلائل الذين فضلوا العودة إلى الجزائر، بالرغم من أنني لم أكن بعد قد أكملت دراستي، وقد تم تعييني برئاسة الجمهورية وعمري آنذاك لم يتجاوز 20 سنة، وأخبرك شيئا، لقد كنت المرأة الوحيدة ضمن الوفد الجزائري الذي قام بمفاوضات مع وفد فرنسي حول المبادلات التجارية هنا بالجزائر سنة 1963، وقد كنت رئيسة مشروع جزائري فرنسي ''برنامج تعاون صناعي'' في نفس الفترة. بالرغم من عملي ''بالرئاسة'' إلا أنني لم انقطع عن الدراسة وطلب العلم، وقد كنت منجذبة دائما إلى هذا الأخير، وانتهى بي الأمر إلى ترك العمل برئاسة الجمهورية التي كنت أتقاضى فيها أجرا مغريا، لكنني فضلت الكتب و تفرغت للبحث، حيث حصلت على دكتوراه سنة 1972 في الاقتصاد وكان عنوان الرسالة ''اقتصاد الصحة في الجزائر''، وكنت أول امرأة في الجزائر حصلت على هذه الشهادة العليا، وهذا شرف كبير لي. @ هل لديك كتب أو مؤلفات؟ @@ ألفت عدة كتب ومؤلفات، في عدة مجالات في الصحة، التاريخ والسوسيولوجيا، سأذكر لك بعض عناوين هذه الكتب، لكن أولا أريد أن أنشط ذاكرتي التي يبدو أنها بدأت تتعب بفعل المرض .. أول كتاب تحت عنوان ''التصنيع والنقل التكنولوجي: ديوان المطبوعات الجامعية : دراسة حالة''، كتاب ''هذه الصحة الغالية : تحاليل اقتصادية حول نظام الصحة في الجزائر''، كتاب'' من الإصلاحات إلى الإصلاحات : نظام الصحة في الجزائر في ملتقى الطرق''. وأريد أن أقول لك كذلك أنني مهتمة بالتاريخ ومن بين الكتب التي ألفتها في هذا المجال ''سيدي بومدين وابن رشد : اثنين خالدين في الغرب الإسلامي''، ''تلمسان عاصمة إسلامية''، وكتاب ''العصور الذهبية للمغرب الأوسط''. @ هل كتبت الأستاذة أوفريحة عن المرأة؟ @@ أنا من دعاة محاربة التخلف الفكري لكلا الجنسين، وخاصة فيما يتعلق بالمرأة، دافعت بقوة عن ''الجزائرية''، نضالي ثقافي وعلمي لتغيير الأفكار والذهنيات البالية، التي تريد أن تبقى ''حواء'' حبيسة تقاليد تحرمها حقها في التعليم والعمل. نعم، كتبت عدة مقالات نشرت في ''كتب جماعية'' في الخارج تحت عنوان ''اقتصاد الشغل، النشاطات النسوية'' سنة 2007، والمقال الذي نشر في مجلة ''مغرب مشرق'' سنة 2008 تحت عنوان ''المرأة الجزائرية، النضال الصامت'' الذي لقي صدى كبيرا، وقد حاولت من خلاله إظهار الأشياء الايجابية فيما يتعلق بحقوق المرأة، التي ناضلت في صمت وأثبتت أنها جديرة بالمناصب التي وصلت إليها في جميع الميادين. @ كلمة أخير؟ @@ الجزائر حاليا في مرحلة البناء والتشييد وهي مرحلة هامة وتتطلب من المرأة أن تثبت كفاءتها كعنصر فعال في المجتمع، وأريد التأكيد على أن النضال الصامت للمرأة الجزائرية أكسبها تقدير واحترام كل العالم، ولا يفوتني أن أشكر ''الشعب'' على هذه الالتفاتة الطيبة.
- من مواليد مدينة تلمسان. - أستاذة بارزة في الاقتصاد (حاليا في مرحلة التقاعد)، حائزة على شهادات عليا في السوسيولوجيا والتاريخ. - عضو سابق في مجلس النقد والقرض. - مستشارة في العديد من القضايا الاقتصادية. - قدمت نقدا علميا يقع في 50 صفحة في جميع النواحي الاقتصادية، قدمت نسخة منه لرئاسة الجمهورية، والنسخة الثانية إلى الوزارة المنتدبة المكلفة بالأسرة وقضايا المرأة. - لديها عدة مؤلفات في مجالات تخصصها لم تنشر بعد وتبحث حاليا عن دار للنشر، لتضعها في متناول الطلبة والباحثين في الاقتصاد والتاريخ والسوسيولوجيا.