يبدو أن انفراج الوضع في ليبيا ليس قريبا، فصوت السّلاح مازال مرتفعا في كلّ مكان، ولا توافق بين الفرقاء في الشرق والغرب على إنهاء الاقتتال، بل على العكس تماما، حيث يتواصل القصف والغارات وترويع المدنيين الذين يجدون أنفسهم، مند عقد من الزمن، تحت رحمة متآمرين خارجيين يتصارعون لبسط نفوذهم على ليبيا ونهب ثرواتها، وفواعل داخلية كلّ همّها الاستحواذ على السّلطة ولو بالقوّة وإراقة الدّماء. في هذه الأجواء المشحونة برائحة البارود والدم، أعلنت قوات حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا، أمس، أنّها نفّذت ضربات جوية على قاعدة الوطنية الجوية، جنوب غرب طرابلس، مستهدفة تمركزات أفراد وآليات غريمها حفتر. ويأتي هذا القصف ليؤكّد موقف حكومة الوفاق الرّافض للهدنة الإنسانية التي أعلنها حفتر قبل يومين بمناسبة رمضان، حيث أعلنت أنها ستستمر في « الدفاع المشروع عن النفس، وضرب بؤر التهديد أينما وجدت وإنهاء المجموعات الخارجة على القانون في كامل أنحاء البلاد». وبرّرت رفضها للهدنة بقولها أنّ «ما سبق من انتهاكات وخروقات يجعلنا لا نثق أبدا فيما يعلنه حفتر، مضيفة أن ما أعلنه منذ يومين بالانقلاب على الاتفاق السياسي والمؤسسات الشرعية، يؤكد أنّ ليس لدينا شريك للسلام «. ضرورة حماية المدنيين وأشارت حكومة الوفاق إلى أن أي وقف لإطلاق النار «وصولا إلى هدنة حقيقية يحتاج إلى ضمانات دولية» تفعّل عمل «لجنة 5+5» التي تشرف عليها بعثة الدعم في ليبيا والتي تسعى إلى التوصل لوقف دائم لإطلاق النار استكمالا لمخرجات مؤتمر برلين حول ليبيا، وتمهيدا لخارطة سياسية لحل الأزمة. وأكدت حكومة الوفاق، أنها «كانت وما زالت ملتزمة بحقن دماء الليبيين»، والتزمت «بقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2510) لسنة 2020، الذي ينصّ على وقف الأعمال العدائية وحماية المدنيين»، و»وقعت منفردة على وقف إطلاق النار الذي طرحته كل من دولتي روسيا وتركيا». وأوضحت أنه في مقابل ذلك لم تتوقف المليشيات المعتدية عن قصف الأحياء السكنية في العاصمة طرابلس، وتسبب ذلك في مقتل العشرات من المدنيين وتدمير بيوتهم». واعتبرت الحكومة أن «ما سبق من انتهاكات وخروقات يجعلنا لا نثق أبداً بما يعلن من هدنة، خاصة وأن حفتر أعلن تراجعه على الاتفاق السياسي والمؤسسات الشرعية» . دوافع الهدنة مشكوك فيها إضافة إلى المبرّرات التي ساقتها حكومة الوفاق لرفض هدنة حفتر، تشير بعض القراءات إلى أن هذا الأخير لم يكن ليعلن مبادرته لولا أن قواته منيت بهزائم أمام الانتصارات التي حققتها عملية « بركان الغضب « ميدانيا، حيث باتت معاقله في الغرب في مرمى قوات الوفاق، ما يعني أنه يريد هدنة لاسترجاع أنفاسه خاصة وهو يواجه حالة من الارتباك داخل حاضنته السياسية والقبلية في الشرق الليبي، لكن في المقابل، هناك من المراقبين من تعتقد بأن حفتر يريد أن يظهر للعالم بأنه الرجل القوي في ليبيا الذي يمكنه إسكات صوت السلاح وهذا حتى يحظى إعلانه الأخير بالانقلاب على الاتفاق السياسي الليبي والاستفراد بشؤون الحكم بالتزكية. رفض التدخلات الأجنبية إلى ذلك، أبدت بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا قلقها البالغ إزاء استمرار الهجمات العشوائية، واستهداف المدنيين في المناطق المأهولة، وزيادة عدد الضحايا بينهم، ودعت البعثة الدول التي تغذي النزاع في ليبيا عبر توفير السلاح والمرتزقة إلى استخدام النفوذ لضمان الالتزام بحظر التسليح. بدورها أبدت دول الجوار قلقها من التصعيد الذي تشهده ليبيا، ودعت الفرقاء إلى وقف الاقتتال والانخراط الجدّي في عملية سياسية تنهي هذا الكابوس الذي يهدّد المنطقة بأسرها. في الإطار، جدّدت الجزائر دعوتها لحل سياسي شامل ودائم، عن طريق حوار ليبي-ليبي جامع بعيدا عن التدخلات الخارجية من أجل وضع حد للاقتتال الدائر في هذا البلد الجار والشقيق». من جهتها، شدّدت تونس على رفض تقسيم ليبيا وتمسّكها بالشرعية الدولية فيها، مع التأكيد في الوقت نفسه على ضرورة أن يكون الحل ليبيا ليبيا دون أي تدخل أجنبي؛ لأن القضية هي قضية الشعب الليبي وليست مسألة دولية. صعوبات في تعيين مبعوث أممي شدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، على أن الوقت قد حان بالفعل لتسمية مبعوث أممي جديد إلى ليبيا، لكنه في ذات الوقت تحدث عن مواجهة الأممالمتحدة بعض الصعوبات في الحصول على شخص يمكنه نيل الإجماع الضروري من الجميع. واستقال مبعوث الأممالمتحدة إلى ليبيا غسان سلامة، في 2 مارس الماضي، مرجعًا ذلك إلى شعوره بالإجهاد، وفي 12 مارس عين غوتيريس ستيفاني ويليامز، ممثلة للأمم المتحدة بالوكالة ورئيسة بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا وذلك حتى تعيين خليفة للمبعوث الأممي المستقيل.