يثبت مع مرور السنين جدوى الشعار الذي اختاره رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة للعهدة الثالثة التي راهن عليها في استكمال مسار التقويم والتجدد الذي شرف فيه لإعطاء البلاد متانة واستحقاقا وتوازنا. يثبت مع مرور الحقب كم هو مدروسا العنوان التي سار عليه لتجسيد برنامج وطني يمتد إلى الأفق البعيدة ولا يتوقف عند الطارئ وقصر النظر. ويظهر بحق مدى الرؤية البعيدة حاملة الإستراتيجية المبنية على مقارعة الواقع المتغير الموجه للاهتزازات قبل وقوعها وما تحدثه من تداعيات خطيرة على بنيان الدولة وهيكلها ومؤسساتها ونظامها السياسي. اختار الرئيس بوتفليقة للعهدة الرئاسية الثالثة التي تمر عليها يوم 9 أفريل ثلاث سنوات “جزائر قوية آمنة” كاشفا ليس فقط عن قراءة واقعية للمتغيرات المتسارعة وتوظيف الوسائل المتوفرة وطنيا دون السقوط مرة أخرى في إشكالية الاستدانة الخارجية، وما تفرضه من املاءات سياسية ترهن استقلالية القرار الوطني والسيادة، بل تجربة رائدة في إدارة شؤون الرعية والحكم في زمن يشهد حراكا من كل الأصناف يحمل مضامين متناقضة وأهداف مخالفة وتعاكس ما يرفع من عناوين التغيير والإصلاح. وتزيد من حدة التناقض أن موجة التغيير التي تعرفها أكثر من جهة جوارية عربية ولم تستقر بعد ولم تهدأ تحرك في الغالب من الخارج توظف فيها الدبابة والفضائية ومصالح استعلاماتية فاقت المعقول من أجل أجندة مدروسة وحسابات جيوسياسية وإستراتيجية موضوعة على المقاس. كلها لتغيير خارطة جغرافية سياسية بالقوة. من هذه الزاوية يقرأ شعار “الجزائر قوية آمنة” اعتمدها الرئيس بوتفليقة عنوانا وخارطة طريق في تسيير بلد خرج بشق الأنفس من عشرية سوداء بفضل سياسة شاملة عالجت تداعيات المأساة الوطنية دون الاكتفاء بالطرح الأمني الضيق. وهي خارطة طريق غايتها استكمال ما بناه سابقا في أولى الخطوات الرئاسية عندما أكد بلا انقطاع “إنه جاء من أجل وقف نزيف الدم والدمع وإعادة الجزائر إلى سابق عهدها من السؤدد والشموخ مرفوعة الهامة في عصبة الأمم.” حرص الرئيس من خلال السياسة المنتهجة في العهدة الرئاسية ال3 على مواصلة تجسيد البرامج الخماسية التي تعود له الفضل في إقرارها لتصحيح اختلالات سابقة وانكسارات تسببت في الإبقاء على تأزم وضع إثر على الاستقرار الوطني. فجاء مخطط دعم النمو لتكملة برنامج الانتعاش الاقتصادي لإعطاء الجزائر حالة من التوازنات المالية وديمومة التمويل المؤسساتي والمشاريع والنفقات واعتماد آليات تعالج الاهتزازات في السوق الوطنية التي تسلل إليها بارونان المال والأعمال وحلوا محل الدولة عقب الانتقال إلى اقتصاد سوق لم يرتب أموره ويحضر على أحسن وجه. وهو تفتح تم في ظروف استعجالية أقرتها سياسة التعديل الهيكلي ووصفات “اتفاق ستاند باي” الذي فرضه صندوق النقد الدولي “افامي”. ووجدت تداعيات الاتفاق الممتدة عبر السنين علاجا جذريا من السياسة التي انتهجه الرئيس بوتفليقة. وهي سياسة امتدت إلى العهدة الثالثة التي تحمل الكثير من محاورها طرق تسوية تراكمات مشاكل وتعقيدات ظرف وتحديات مرحلة تختصر في عبارة ذات دلالة وقيمة “جزائر قوية وآمنة”. لكن تحقيق هذا المسعى وتعزيزه يمر بإصلاحات سياسية تفتح الباب الواسع للممارسة التعددية بإشراك كل الحساسيات دون إقصاء. هذا ما اهتم به الرئيس بوتفليقة في خطابه للأمة منتصف أفريل الماضي كاشفا عن تدابير عملية لتجسيد الإصلاحات السياسية فتحت لمشاورات مع مختلف التشكيلات الحزبية والشخصيات الوطنية والمجتمع المدني إدراكا منه أن دولة القانون والمؤسسات تبنى من الجزائريين تطبيقا للقاعدة “الرأي والرأي المعاكس”. بهذه الطريق تشق الجزائر دربها وتتحدى الظرف عبر تجربة مستقلة دون اتكالية على الآخر. بهذا الأسلوب اعتمدت الجزائر ورشات الإصلاح التي شملت مجالات الأحزاب والجمعيات ،الانتخاب، المرأة، تراهن عليها في محطة 10 ماي القادم المؤدية إلى برلمان تعددي تتنافس فيه البرامج الحزبية ولا تستلم لمبدأ الاحتكار. من هنا تظهر قوة الشعار المعتمد “جزائر قوية آمنة” التي تثبت بالملموس كيف وضع الرئيس خارطة طريق لتسيير بلد وتأمين محيطه الجيو سياسي الذي يعرف حراكا يحمل في الكثير من الحالات أخطارا محدقة بالأمن الوطني والاستقرار. وما عرفته ليبيا من شروخات وفجوات تسربت منها ترسانة من الأسلحة الثقيلة سقطت بيد الجماعات الإرهابية المثال الحي. وما يشهده مالي وبلدان الساحل من توترات خطيرة يعد الدليل القاطع والجواب الشافي على السؤال المحير لماذا وكيف ومتى صيغت عبارة “الجزائر قوية آمنة” التي تسقط أمامها كل التحديات وتظهر حنكة بوتفليقة الرجل السياسي صاحب تجربة دبلوماسية في إدارة الأزمات وتسويتها مهما تعقدت.