محمد خوان يتحادث مع رئيس الوفد الإيراني    هذه توجيهات الرئيس للحكومة الجديدة    النفقان الأرضيان يوضعان حيز الخدمة    رواد الأعمال الشباب محور يوم دراسي    توقيع 5 مذكرات تفاهم في مجال التكوين والبناء    الصحراء الغربية والريف آخر مستعمرتين في إفريقيا    مشاهد مرعبة من قلب جحيم غزّة    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    على فرنسا الاعتراف بجرائمها منذ 1830    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    الخضر أبطال إفريقيا    ضرورة التعريف بالقضية الصحراوية والمرافعة عن الحقوق المشروعة    300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغيّر المناخ    فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    بوريل يدعو من بيروت لوقف فوري للإطلاق النار    "طوفان الأقصى" ساق الاحتلال إلى المحاكم الدولية    وكالة جديدة للقرض الشعبي الجزائري بوهران    الجزائر أول قوة اقتصادية في إفريقيا نهاية 2030    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    وداع تاريخي للراحل رشيد مخلوفي في سانت إيتيان    المنتخب الوطني العسكري يتوَّج بالذهب    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    مجلس الأمة يشارك في الجمعية البرلمانية لحلف الناتو    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: إبراز دور الوسائط الرقمية في تطوير أدب الطفل    ندوات لتقييم التحول الرقمي في قطاع التربية    الرياضة جزء أساسي في علاج المرض    دورات تكوينية للاستفادة من تمويل "نازدا"    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور    باكستان والجزائر تتألقان    تشكيليّو "جمعية الفنون الجميلة" أوّل الضيوف    قافلة الذاكرة تحطّ بولاية البليدة    على درب الحياة بالحلو والمرّ    سقوط طفل من الطابق الرابع لعمارة    شرطة القرارة تحسّس    رئيس الجمهورية يوقع على قانون المالية لسنة 2025    يرى بأن المنتخب الوطني بحاجة لأصحاب الخبرة : بيتكوفيتش يحدد مصير حاج موسى وبوعناني مع "الخضر".. !    غرس 70 شجرة رمزياً في العاصمة    تمتد إلى غاية 25 ديسمبر.. تسجيلات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق هذا الثلاثاء    مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    صليحة نعيجة تعرض ديوانها الشعري أنوريكسيا    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"    "ترقية حقوق المرأة الريفية" محور يوم دراسي    القرض الشعبي الجزائري يفتتح وكالة جديدة له بوادي تليلات (وهران)        مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحزاب وبرامج
نشر في الشعب يوم 10 - 04 - 2012

تستعد الأحزاب الجزائرية ومعها القوائم الحرة لدخول الحملة الانتخابية للتشريعيات والتي ستنطلق بعد أيام قليلة.
وكانت أسئلة كثيرة طرحت عما يمكن لهذه القوى الحزبية أن تضيفه للمشهد الانتخابي من زاوية نظر بدائل التنمية وأفكار النهضة، هل تتمتع تلك القوى بالمحتوى السياسي والاجتماعي الناضج ؟ ولماذا زاد عددها عن 40 تشكيلة حزبية في بلد متجانس تمام التجانس في بعده الديني والفكري واللغوي والمذهبي أي في كل أبعاده الأنثروبولوجية؟ ولماذا لا تتحالف القوى المذكورة حول مشروع اصلاحي واحد خارج المواعيد الانتخابية؟
السياسة التي يمارسها الجميع
قال رائد الفكر الوطني في الجزائر بعد الاستقلال الأستاذ عبدالحميد مهري رحمه الله بأن السياسة التي يمارسها الجميع ليست بسياسة، وإلى نفس المعنى ذهب المفكر الجزائري البارز مالك بن نبي وهو يفرق بين السياسة والبوليتيك في كتابه المهم »بين الرشاد والتيه«.
والرجلان كلاهما يتحدث من موقع التجربة التي عاشها وربما هي نفسها التجربة التي نعيشها الآن وفي الظروف نفسها، فالسياسة الحقيقية تخضع للأصول الفكرية، تخدم الصالح العام وتعكس قيما وأخلاقا محددة أي أنها ذات مدلول ثقافي وتتمتع بمحتوى اجتماعي، وغير ذلك توظيف للشعب في سبيل الوصول للمنصب وتنابز بالألقاب وصراع لا أخلاق تحكمه، ولهذا من غير المتاح أن يمارس السياسة الجميع، بينما يكون من السهل أن ينخرط الجميع في البوليتيك بالمفهوم الشعبي البسيط للكلمة.
وإذا أسقطنا هذه الفكرة على واقعنا اليوم لأمكن لنا من غير مراء أن نكتشف فراغا محسوسا في المحتوى الاجتماعي والاقتصادي لبرامج معظم الأحزاب النشطة على الساحة السياسية للبلاد فضلا عن المحتوى الثقافي الذي يصف بوضوح وبإقناع تميز الحزب في فضاء الأفكار الديمقراطية في العالم، وآية ذلك أن طبقة صامتة واسعة تشكلت في البناء الديمغرافي الجزائري منذ الاستقلال وأن الطبقة ذاتها مازالت تتوسع مع كل استحقاق انتخابي حتى وصلنا اليوم الى حالة من البرودة السياسية تقف عندها النخب المثقفة والجيل المتعلم موقف اللامبالاة.
نهاية العمل الحزبي
ما نلاحظه على برامج الطبقة الحزبية في الجزائر حالة من طغيان الأديولوجيا
في مجتمع لا يستجيب للصراع الأديولوجي، أو طغيان لغة الخطاب في مرحلة تتطلب برامج مدروسة وأفكارا قابلة للتجسيد، أو طغيان البوليتيك بمعنى معارضة المعارضة لأنها منافسة أو معارضة السلطة ليس لأنها طرف سياسي ناتج هن حراك ديمقراطي ولكن لأنها تحمل صفة الحاكم، ولهذا من السهل علينا تصنيف الطبقة الحزبية في الجزائر إلى اسلاميين، وطنيين وديمقراطيين. ومن الأسهل عندنا أن تتشكل الأحزاب وتعتمد وأن تمارس العملية السياسية بمجرد انعقاد مؤتمراتها التأسيسية، ولكن وفي نفس الوقت من السهل أن تتفتت الأحزاب ذاتها وتنشطر ليس لأنها نمت على سلم الأفكار بل لأن الأفق السياسي لديها يقف عند حدود المصالح.
وإذا شئنا مثالا لا نجد أفضل من تجربة الحزب العميد الذي قاد البلاد بعد الاستقلال كحزب جبهوي وحيد باعتباره حزب الدولة، حزب تمتع برؤية اقتصادية متكاملة في ظل منهجية التخطيط، ولظروف تاريخية نجحت الخطة الوطنية التي وضعها في تحقيق أهداف النمو المناسبة لتلك الفترة. ولكن نفس الحزب الذي ظل يختصر كل التفكير السياسي الرسمي للبلاد فقد محتواه الاقتصادي بعد التعددية الحزبية ودخولنا مرحلة الاقتصاد المبني على السوق العام 1993 وذلك بسبب بروز عناصر جديدة في المنظومة الاقتصادية الوطنية لم يستوعبها خطابه السابق ولا برنامجه المبني على امكانيات الدولة.
ويعني غياب المحتوى الاقتصادي أن برامج الأحزاب لا تقترح سياسات متينة وواضحة للموضوع الاقتصادي أي لتوازن الأسواق، ونفس الشيء بالنسبة للرؤية الاقتصادية التي من المفروض أن نجدها في مبادئ البرنامج، فليس مطلوبا أن تقدم لنا الأحزاب من خلال برامجها الآليات والخطط التفصيلية للموضوع الاقتصادي ولكن المطلوب هو تعريف رؤية الحزب وسياساته في توازن الأسواق .
لهذا لا تملك الأحزاب برامج
نقل حزب جزائري نشأ حديثا أي بعد استدعاء الهيئة الانتخابية للتشريعيات القادمة برنامج حزب من دولة عربية شقيقة ونسي أن يعدل فقراته بما يناسب الواقع الجزائري، وهكذا يمكننا تصور فلسلفة النشوء الحزبي عندنا منذ أن أطلقت التعددية الحزبية، قد يكون الأمر متعلقا بالديمقراطيات الناشئة وربما بطبيعة العمل السياسي ذاتها، فطبيعة نشوء الأحزاب عندنا طبيعة قانونية بحتة ولا علاقة لها بمحتوى البرامج، كما أن طبيعة الاطارات الحزبية هي طبيعة نضالية في صفوف الطبقة المتوسطة والأقل من المتوسطة أي من الطبقة التي لا تتمتع بالضرورة بالتكوين السياسي اللازم.
كما أن طبيعة النشوء الحزبي نفسها تحول دون انخراط النخبة المتكونة في مجالات الاجتماع والاقتصاد والنقد السياسي في الهيئات العليا للأحزاب تحت ضغط اللوائح والآليات التنظيمية التي تمنع بشكل أو بآخر تقدم النخبة في الأجهزة الحزبية مما أدى الى تهميش واسع للاطارات الوطنية التي بإمكانها تطوير سياسات اقتصادية فعالة لصالح برامج تلك الأحزاب.
وهناك منظومة التكوين لدى الأحزاب التي تركز على الأداء الانتخابي وفنيات الاعلام والخطاب الجماهيري وليس على التكوين الأساسي في مجال الاتصال والحلول الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
بطبيعة الحال، فإن ضعف المدخلات يؤدي إلى ضعف المخرجات وهكذا نفسر أداء الأحزاب في الساحة السياسة وبالتالي أداء البرلمان الناتج عن تلك الأحزاب، والدليل على ذلك انعدام أية قيمة مضافة للبرلمان في السياسات الاقتصادية الوطنية وفي برنامج الحكومة بل بالعكس نجد تدخلات بعض النواب تصب في مصالح شخصية لقياداتها وللداعمين لها وخاصة ما تعلق باقتراحات الحكومة ذات العلاقة بالجباية أو الرسوم أو المزايا المالية أو تنظيم الأسواق أو كسر الاحتكار.
نعم، للسياسة أصول وللنشوء والتطور الحزبي قواعد، ومن أصول السياسة ألا يمارسها الجميع ومن قواعد النمو الحزبي أن تعارض الفكرة الفكرة لا أن يعارض الشخص الشخص أو أن تتحول الأحزاب الى حلبات صراع باتجاه شيء واحد اسمه مقعد في البرلمان ، وفي ذلك يكمن الفرق بين السياسة والبوليتيك على رأي فيلسوف الجزائر الكبير مالك بن نبي رحمه الله.
السياسة التي يمارسها الجميع
قال رائد الفكر الوطني في الجزائر بعد الاستقلال الأستاذ عبدالحميد مهري رحمه الله بأن السياسة التي يمارسها الجميع ليست بسياسة، وإلى نفس المعنى ذهب المفكر الجزائري البارز مالك بن نبي وهو يفرق بين السياسة والبوليتيك في كتابه المهم »بين الرشاد والتيه«.
والرجلان كلاهما يتحدث من موقع التجربة التي عاشها وربما هي نفسها التجربة التي نعيشها الآن وفي الظروف نفسها، فالسياسة الحقيقية تخضع للأصول الفكرية، تخدم الصالح العام وتعكس قيما وأخلاقا محددة أي أنها ذات مدلول ثقافي وتتمتع بمحتوى اجتماعي، وغير ذلك توظيف للشعب في سبيل الوصول للمنصب وتنابز بالألقاب وصراع لا أخلاق تحكمه، ولهذا من غير المتاح أن يمارس السياسة الجميع، بينما يكون من السهل أن ينخرط الجميع في البوليتيك بالمفهوم الشعبي البسيط للكلمة.
وإذا أسقطنا هذه الفكرة على واقعنا اليوم لأمكن لنا من غير مراء أن نكتشف فراغا محسوسا في المحتوى الاجتماعي والاقتصادي لبرامج معظم الأحزاب النشطة على الساحة السياسية للبلاد فضلا عن المحتوى الثقافي الذي يصف بوضوح وبإقناع تميز الحزب في فضاء الأفكار الديمقراطية في العالم، وآية ذلك أن طبقة صامتة واسعة تشكلت في البناء الديمغرافي الجزائري منذ الاستقلال وأن الطبقة ذاتها مازالت تتوسع مع كل استحقاق انتخابي حتى وصلنا اليوم الى حالة من البرودة السياسية تقف عندها النخب المثقفة والجيل المتعلم موقف اللامبالاة.
نهاية العمل الحزبي
ما نلاحظه على برامج الطبقة الحزبية في الجزائر حالة من طغيان الأديولوجيا
في مجتمع لا يستجيب للصراع الأديولوجي، أو طغيان لغة الخطاب في مرحلة تتطلب برامج مدروسة وأفكارا قابلة للتجسيد، أو طغيان البوليتيك بمعنى معارضة المعارضة لأنها منافسة أو معارضة السلطة ليس لأنها طرف سياسي ناتج هن حراك ديمقراطي ولكن لأنها تحمل صفة الحاكم، ولهذا من السهل علينا تصنيف الطبقة الحزبية في الجزائر إلى اسلاميين، وطنيين وديمقراطيين. ومن الأسهل عندنا أن تتشكل الأحزاب وتعتمد وأن تمارس العملية السياسية بمجرد انعقاد مؤتمراتها التأسيسية، ولكن وفي نفس الوقت من السهل أن تتفتت الأحزاب ذاتها وتنشطر ليس لأنها نمت على سلم الأفكار بل لأن الأفق السياسي لديها يقف عند حدود المصالح.
وإذا شئنا مثالا لا نجد أفضل من تجربة الحزب العميد الذي قاد البلاد بعد الاستقلال كحزب جبهوي وحيد باعتباره حزب الدولة، حزب تمتع برؤية اقتصادية متكاملة في ظل منهجية التخطيط، ولظروف تاريخية نجحت الخطة الوطنية التي وضعها في تحقيق أهداف النمو المناسبة لتلك الفترة. ولكن نفس الحزب الذي ظل يختصر كل التفكير السياسي الرسمي للبلاد فقد محتواه الاقتصادي بعد التعددية الحزبية ودخولنا مرحلة الاقتصاد المبني على السوق العام 1993 وذلك بسبب بروز عناصر جديدة في المنظومة الاقتصادية الوطنية لم يستوعبها خطابه السابق ولا برنامجه المبني على امكانيات الدولة.
ويعني غياب المحتوى الاقتصادي أن برامج الأحزاب لا تقترح سياسات متينة وواضحة للموضوع الاقتصادي أي لتوازن الأسواق، ونفس الشيء بالنسبة للرؤية الاقتصادية التي من المفروض أن نجدها في مبادئ البرنامج، فليس مطلوبا أن تقدم لنا الأحزاب من خلال برامجها الآليات والخطط التفصيلية للموضوع الاقتصادي ولكن المطلوب هو تعريف رؤية الحزب وسياساته في توازن الأسواق .
لهذا لا تملك الأحزاب برامج
نقل حزب جزائري نشأ حديثا أي بعد استدعاء الهيئة الانتخابية للتشريعيات القادمة برنامج حزب من دولة عربية شقيقة ونسي أن يعدل فقراته بما يناسب الواقع الجزائري، وهكذا يمكننا تصور فلسلفة النشوء الحزبي عندنا منذ أن أطلقت التعددية الحزبية، قد يكون الأمر متعلقا بالديمقراطيات الناشئة وربما بطبيعة العمل السياسي ذاتها، فطبيعة نشوء الأحزاب عندنا طبيعة قانونية بحتة ولا علاقة لها بمحتوى البرامج، كما أن طبيعة الاطارات الحزبية هي طبيعة نضالية في صفوف الطبقة المتوسطة والأقل من المتوسطة أي من الطبقة التي لا تتمتع بالضرورة بالتكوين السياسي اللازم.
كما أن طبيعة النشوء الحزبي نفسها تحول دون انخراط النخبة المتكونة في مجالات الاجتماع والاقتصاد والنقد السياسي في الهيئات العليا للأحزاب تحت ضغط اللوائح والآليات التنظيمية التي تمنع بشكل أو بآخر تقدم النخبة في الأجهزة الحزبية مما أدى الى تهميش واسع للاطارات الوطنية التي بإمكانها تطوير سياسات اقتصادية فعالة لصالح برامج تلك الأحزاب.
وهناك منظومة التكوين لدى الأحزاب التي تركز على الأداء الانتخابي وفنيات الاعلام والخطاب الجماهيري وليس على التكوين الأساسي في مجال الاتصال والحلول الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
بطبيعة الحال، فإن ضعف المدخلات يؤدي إلى ضعف المخرجات وهكذا نفسر أداء الأحزاب في الساحة السياسة وبالتالي أداء البرلمان الناتج عن تلك الأحزاب، والدليل على ذلك انعدام أية قيمة مضافة للبرلمان في السياسات الاقتصادية الوطنية وفي برنامج الحكومة بل بالعكس نجد تدخلات بعض النواب تصب في مصالح شخصية لقياداتها وللداعمين لها وخاصة ما تعلق باقتراحات الحكومة ذات العلاقة بالجباية أو الرسوم أو المزايا المالية أو تنظيم الأسواق أو كسر الاحتكار.
نعم، للسياسة أصول وللنشوء والتطور الحزبي قواعد، ومن أصول السياسة ألا يمارسها الجميع ومن قواعد النمو الحزبي أن تعارض الفكرة الفكرة لا أن يعارض الشخص الشخص أو أن تتحول الأحزاب الى حلبات صراع باتجاه شيء واحد اسمه مقعد في البرلمان ، وفي ذلك يكمن الفرق بين السياسة والبوليتيك على رأي فيلسوف الجزائر الكبير مالك بن نبي رحمه الله.
السياسة التي يمارسها الجميع
قال رائد الفكر الوطني في الجزائر بعد الاستقلال الأستاذ عبدالحميد مهري رحمه الله بأن السياسة التي يمارسها الجميع ليست بسياسة، وإلى نفس المعنى ذهب المفكر الجزائري البارز مالك بن نبي وهو يفرق بين السياسة والبوليتيك في كتابه المهم »بين الرشاد والتيه«.
والرجلان كلاهما يتحدث من موقع التجربة التي عاشها وربما هي نفسها التجربة التي نعيشها الآن وفي الظروف نفسها، فالسياسة الحقيقية تخضع للأصول الفكرية، تخدم الصالح العام وتعكس قيما وأخلاقا محددة أي أنها ذات مدلول ثقافي وتتمتع بمحتوى اجتماعي، وغير ذلك توظيف للشعب في سبيل الوصول للمنصب وتنابز بالألقاب وصراع لا أخلاق تحكمه، ولهذا من غير المتاح أن يمارس السياسة الجميع، بينما يكون من السهل أن ينخرط الجميع في البوليتيك بالمفهوم الشعبي البسيط للكلمة.
وإذا أسقطنا هذه الفكرة على واقعنا اليوم لأمكن لنا من غير مراء أن نكتشف فراغا محسوسا في المحتوى الاجتماعي والاقتصادي لبرامج معظم الأحزاب النشطة على الساحة السياسية للبلاد فضلا عن المحتوى الثقافي الذي يصف بوضوح وبإقناع تميز الحزب في فضاء الأفكار الديمقراطية في العالم، وآية ذلك أن طبقة صامتة واسعة تشكلت في البناء الديمغرافي الجزائري منذ الاستقلال وأن الطبقة ذاتها مازالت تتوسع مع كل استحقاق انتخابي حتى وصلنا اليوم الى حالة من البرودة السياسية تقف عندها النخب المثقفة والجيل المتعلم موقف اللامبالاة.
نهاية العمل الحزبي
ما نلاحظه على برامج الطبقة الحزبية في الجزائر حالة من طغيان الأديولوجيا
في مجتمع لا يستجيب للصراع الأديولوجي، أو طغيان لغة الخطاب في مرحلة تتطلب برامج مدروسة وأفكارا قابلة للتجسيد، أو طغيان البوليتيك بمعنى معارضة المعارضة لأنها منافسة أو معارضة السلطة ليس لأنها طرف سياسي ناتج هن حراك ديمقراطي ولكن لأنها تحمل صفة الحاكم، ولهذا من السهل علينا تصنيف الطبقة الحزبية في الجزائر إلى اسلاميين، وطنيين وديمقراطيين. ومن الأسهل عندنا أن تتشكل الأحزاب وتعتمد وأن تمارس العملية السياسية بمجرد انعقاد مؤتمراتها التأسيسية، ولكن وفي نفس الوقت من السهل أن تتفتت الأحزاب ذاتها وتنشطر ليس لأنها نمت على سلم الأفكار بل لأن الأفق السياسي لديها يقف عند حدود المصالح.
وإذا شئنا مثالا لا نجد أفضل من تجربة الحزب العميد الذي قاد البلاد بعد الاستقلال كحزب جبهوي وحيد باعتباره حزب الدولة، حزب تمتع برؤية اقتصادية متكاملة في ظل منهجية التخطيط، ولظروف تاريخية نجحت الخطة الوطنية التي وضعها في تحقيق أهداف النمو المناسبة لتلك الفترة. ولكن نفس الحزب الذي ظل يختصر كل التفكير السياسي الرسمي للبلاد فقد محتواه الاقتصادي بعد التعددية الحزبية ودخولنا مرحلة الاقتصاد المبني على السوق العام 1993 وذلك بسبب بروز عناصر جديدة في المنظومة الاقتصادية الوطنية لم يستوعبها خطابه السابق ولا برنامجه المبني على امكانيات الدولة.
ويعني غياب المحتوى الاقتصادي أن برامج الأحزاب لا تقترح سياسات متينة وواضحة للموضوع الاقتصادي أي لتوازن الأسواق، ونفس الشيء بالنسبة للرؤية الاقتصادية التي من المفروض أن نجدها في مبادئ البرنامج، فليس مطلوبا أن تقدم لنا الأحزاب من خلال برامجها الآليات والخطط التفصيلية للموضوع الاقتصادي ولكن المطلوب هو تعريف رؤية الحزب وسياساته في توازن الأسواق .
لهذا لا تملك الأحزاب برامج
نقل حزب جزائري نشأ حديثا أي بعد استدعاء الهيئة الانتخابية للتشريعيات القادمة برنامج حزب من دولة عربية شقيقة ونسي أن يعدل فقراته بما يناسب الواقع الجزائري، وهكذا يمكننا تصور فلسلفة النشوء الحزبي عندنا منذ أن أطلقت التعددية الحزبية، قد يكون الأمر متعلقا بالديمقراطيات الناشئة وربما بطبيعة العمل السياسي ذاتها، فطبيعة نشوء الأحزاب عندنا طبيعة قانونية بحتة ولا علاقة لها بمحتوى البرامج، كما أن طبيعة الاطارات الحزبية هي طبيعة نضالية في صفوف الطبقة المتوسطة والأقل من المتوسطة أي من الطبقة التي لا تتمتع بالضرورة بالتكوين السياسي اللازم.
كما أن طبيعة النشوء الحزبي نفسها تحول دون انخراط النخبة المتكونة في مجالات الاجتماع والاقتصاد والنقد السياسي في الهيئات العليا للأحزاب تحت ضغط اللوائح والآليات التنظيمية التي تمنع بشكل أو بآخر تقدم النخبة في الأجهزة الحزبية مما أدى الى تهميش واسع للاطارات الوطنية التي بإمكانها تطوير سياسات اقتصادية فعالة لصالح برامج تلك الأحزاب.
وهناك منظومة التكوين لدى الأحزاب التي تركز على الأداء الانتخابي وفنيات الاعلام والخطاب الجماهيري وليس على التكوين الأساسي في مجال الاتصال والحلول الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
بطبيعة الحال، فإن ضعف المدخلات يؤدي إلى ضعف المخرجات وهكذا نفسر أداء الأحزاب في الساحة السياسة وبالتالي أداء البرلمان الناتج عن تلك الأحزاب، والدليل على ذلك انعدام أية قيمة مضافة للبرلمان في السياسات الاقتصادية الوطنية وفي برنامج الحكومة بل بالعكس نجد تدخلات بعض النواب تصب في مصالح شخصية لقياداتها وللداعمين لها وخاصة ما تعلق باقتراحات الحكومة ذات العلاقة بالجباية أو الرسوم أو المزايا المالية أو تنظيم الأسواق أو كسر الاحتكار.
نعم، للسياسة أصول وللنشوء والتطور الحزبي قواعد، ومن أصول السياسة ألا يمارسها الجميع ومن قواعد النمو الحزبي أن تعارض الفكرة الفكرة لا أن يعارض الشخص الشخص أو أن تتحول الأحزاب الى حلبات صراع باتجاه شيء واحد اسمه مقعد في البرلمان ، وفي ذلك يكمن الفرق بين السياسة والبوليتيك على رأي فيلسوف الجزائر الكبير مالك بن نبي رحمه الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.