تعاني الأسواق التجارية الغذائية من غلاء فاحش للأسعار وهذا منذ شهر فيفري الماضي وتحول الأمر إلى انشغال عام يلقي بظلاله على الساحة الوطنية خاصة في ظرف كالذي تعيشه البلاد وقد يستغله دعاة تعطيل المسار أو تعكير صفوه، مما يستدعي اتخاذ الإجراءات المطلوبة لكسر المعادلة، وهو واقع غير ممكن أن يستمر لما يحمله من انعكاسات لا مجال لها بعد كل الأشواط التي تم قطعها باتجاه تكريس اقتصاد السوق الاجتماعي القائم على الشفافية ومكافحة الاحتكار والمضاربة. تتوفر البلاد من حيث الإحصائيات الرسمية على 1597 سوق منها 43 سوقا للجملة و654 للتجزئة و623 سوقا أسبوعية والمتفق عليه أنها غير موزعة بعقلانية على امتداد التراب الوطني. ومنذ 5 أفريل الجاري ورد ترتيب قانوني جديد لتنظيم هذه الأسواق وغيرها من المساحات التي تمارس فيها التجارة من أجل تطهير الأسواق وإحداث أخرى متخصصة وبالأخص التوصل إلى ضبط مسار البضاعة من المنتج إلى المستهلك، مرورا بالموزع ومن ثم كسر سلوكات المضاربة مثل تعدد عمليات البيع لأكثر من متدخل. وتبقى أسواق الجملة للخضر والفواكه والمواد الغذائية خاصة الإستراتيجية منها الوجهة التي لا تزال تبدو خارج إطار التحكم والمراقبة وليس بالمفهوم القمعي وإنما بالمفهوم التنظيمي الضامن لشفافية الأسعار والتحكم في هوامش الربح التي أصبحت خارج السيطرة وكأنها تخضع لفئة تتحكم في معيشة المجموعة الوطنية، متخفية وراء شعار اقتصاد السوق ولا تؤمن إطلاقا بتوازن المعادلة ونبذ الاحتكار والمضاربة. وتبقى البطاطا المادة التي فجرت المسألة بعد أن تجاوز سعر الكلغ الواحد ال 100 دج، ناهيك عن الطماطم التي تجاوز سعرها المعقول وغيرها من المواد التي تعد في موسمها إلى جانب ارتفاع جنوني لأسعار الفواكه المختلفة، الأمر الذي لم يجد تفسيرا غير أن الموضوع يعكس على ما يبدو وقوع الأسواق في قبضة ثلة من بارونات التجارة يبدو أنهم قرروا العبث بالقدرة الشرائية وخلط أوراق الاستقرار، مما يستدعي تحركا للجهات المكلفة بالتنظيم والرقابة ومكافحة الاحتكار لكسر شوكتهم. ولعل سوق بوقرة بالبليدة يمثل العينة التي ينبغي التعامل معها في إعادة صياغة أسواق الجملة ليس بالتنازل عليها للخواص الذين يزيدون الطين بلة وإنما بتأسيس مؤسسات ذات طابع عمومي أو بالشراكة مع الاحترافيين المهنيين الخواص وفق دفتر شروط عقلاني ينعكس مباشرة على الأسعار والمهنة نفسها، كي لا يتسرب إليها المافيا الذين يتعاملون ب »الشكارة« بعيدا عن البنوك ويخشون الشفافية ووضوح مصدر الأموال. ومن المشروعية أن يتساءل المتتبع عن ماهو السر وراء رفع إيجار مربعات عرض المنتوج من 2500 دج إلى 15000 دج، أي بزيادة تقدر ب 500 بالمائة؟. وتقدم شبكة التخزين والتبريد التي جاءت لتكون ضمانة تساعد على منع الندرة والتدخل لتغطية أي عجز في التموين صورة أخرى مخالفة تماما لذلك، فهل تحولت لأدوات احتكار وتحكم فاحش في الأسواق؟.