المواجهة مع الصهاينة صارت مفتوحة على جميع الاحتمالات « صفقة القرن» تستكمل وعد بلفور المشؤوم يؤكد سفير دولة فلسطين بالجزائر، السيد أمين مقبول في هذا الحوار الذي خصّ به «الشعب»، أن القضية الفلسطينية تمر بفترة خطيرة وحالكة، لكنه شدّد على تأهب الشعب الفلسطيني للمقاومة بكل ما أتيح من وسائل حتى تلك المؤلمة، للحفاظ على دولته واستقلاله وحريته، ودعا المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات فعلية لمنع الكيان الصهيوني من ضم أراض فلسطينيةبالضفة الغربية. - «الشعب»: منذ عام 1948، والكيان الصهيوني يحتل معظم الأراضي الفلسطينية، ويريد هذه المرة ضم مساحات أخرى بالضفة الغربية في إطار ما يسمى «صفقة القرن»، لماذا يريد الاحتلال الإقدام على هذه الخطوة، وكيف التصّدي لها ؟ السفير الفلسطيني: من المعلوم أن الاحتلال الإسرائيلي استكمل احتلال أرض فلسطين عام 1967. احتل عام 1948 جزءا من الأراضي الفلسطينية بدعم بريطاني أمريكي أوروبي وغربي، واستكمل احتلال باقي الأراضي مع أجزاء من سيناء وأجزاء من سورياولبنان وبسط سيطرته على هذه المناطق، إلى أن جاءت حرب أكتوبر (1973) وذهب الجميع إلى مدريد كما هو معروف لعمل اتفاق مع الاحتلال الإسرائيلي. الوضع العربي لم يتحسن بعد حرب أكتوبر وإنما كانت هناك انتكاسات عديدة وخاصة بعد حرب بيروت 1982، وإخراج الثورة الفلسطينية من لبنان وتوزعها على أقطار عربية عديدة وكانت الأوضاع في غاية الصعوبة والتشتت. هذا الوضع، شجع الاحتلال الصهيوني، على الاستمرار في الاستيطان رغم محاولات الدول العربية والصديقة أن تعقد سلاما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكن هذا السلام تبين أنه خدعة وفشل ولم يحقق السلام الحقيقي الذي يبتغيه الشعب الفلسطيني. فأقيمت سلطة فلسطينية، ولكن الاحتلال استمر في ضرب فلسطين وقرارات الأممالمتحدة والمبادرات العربية للسلام بعرض الحائط، إلى أن جاء اليوم الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي، ما سمي «صفقة القرن»، ونحن نسميها «مظلمة القرن» والتي استكمل فيها ترامب وعد بلفور المشؤوم، وأعطى الاحتلال القدس كاملة واعتبرها عاصمة لدولة إسرائيل، وأيضا سمح بتقسيم الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية، وفي الأصل كانوا قد قسموا الضفة عن القطاع (قطاع غزة)، ونتج عن ذلك انقسام في الجغرافيا الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني. هذا، إضافة إلى الأوضاع العربية المتردية، وما جرى من مؤامرات غربية على كثير من الدول العربية التي حصل فيها ما سمي ب «الربيع العربي». وبالتالي بعدما أصبح، الوضع العربي صعبا والوضع الفلسطيني منقسم، والوضع الدولي منهمك في مشاكل دولية كثيرة، وجد الاحتلال فرصته لكي يستكمل السيطرة على الأراضي الفلسطينية. بداية في القدس، وانتهاء بما أعلن عنه من نيته ضم المستوطنات -وهي أعداد هائلة- وغور الأردن وشمال البحر الميت، وهذه بالنسبة للفلسطينيين تشكل سلة غذائية، الأغوار منطقة زراعية هامة، وتشكل إضافة إلى ذلك الحدود الشرقية مع دولة الأردن، وبالتالي هو أعلن فرض سيطرته على هذه المناطق لإفشال وتحطيم إمكانية قيام الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني المتفق عليه دوليا وعربيا وفلسطينيا. - الدولة الفلسطينية قامت بتفعيل بعض أدوات الضغط على الاحتلال والإدارة الأمريكية، هل ما زال بحوزتها ما يكفي للتصدي لهذه الخطة ؟ بالتأكيد، ردود فعل القيادة الفلسطينية كانت غاضبة، حيث أعلنت مقاطعتها للإدارة الأمريكية وأعلنت عن وقف العمل بالاتفاقيات التي وقعت في أوسلو. والوضع الآن في غاية الخطورة والاستفزاز والحالة الفلسطينية صعبة جدا. في الحقيقة، لم تكن خطوة القيادة الفلسطينية بوقف اتفاقيات أوسلو والملاحق الاقتصادية والأمنية والسياسية أمرا سهلا، لأنها خلقت صعوبات للشعب الفلسطيني وقيادته. ومثال ذلك أن سلطة الاحتلال كانت تصدر للدولة الفلسطينية الضرائب التي كانت تقتطعها من التجار الفلسطينيين الذي يدخلون بضائعهم عن طريق البحر (الاحتلال يسيطر على الموانئ)، الآن توقفت وهي مبالغ هائلة، وتوقف أيضا التنسيق بين المدن وكل ما كانت حياة الفلسطينيين ترتبط به، وهذا أمر ليس بالسهل. ولكن هذا لا يمكن أن يثنينا عن التصدي لمحاولات الضم وتثبيت الاحتلال وشطب الدولة الفلسطينية. وللإجابة عن سؤالك، نعم لازال هناك خطوات بالإمكان أن تتخذها القيادة الفلسطينية، وهي تنتظر نتائج التدخلات والضغط الغربي والأوروبي لعل وعسى أن تعود حكومة الاحتلال الإسرائيلي العنصرية المتغطرسة عن قراراتها، وإذا لم تفعل وقامت بما أعلنت عنه، فإن هناك خطوات فلسطينية أخرى ربما تصل إلى مرحلة انهيار السلطة الفلسطينية وربما عودة العنف وهذا ما يتوقعه الجميع. وبالتالي أمام القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني خيارات أخرى. صحيح أنها صعبة ومؤلمة ولكن، ليس أمامنا خيار آخر غير الحرية والاستقلال والتمسك بوطننا ودولتنا. ونحن طالبنا أيضا، بعقد مؤتمر دولي، لا تكون الولاياتالمتحدةالأمريكية الوحيدة فيه، لأنها أثبت أنها منحازة للاحتلال، وإنما تشارك فيه اللجنة الرباعية، ونطالب بإدخال دول أخرى ذات وزن مثل ألمانيا والصين لتطبيق قرارات الأممالمتحدة ومجلس الأمن، التي تدين الاحتلال والاستيطان والاستيلاء على الأراضي بالقوة. نريد خطوات عملية من الاتحاد الأوروبي - شاهدنا مواقف دولية وبالأخص أوروبية حازمة ضد خطة الاحتلال لضم أجزاء من الضفة الغربية، إلى أي مدى يمكن المراهنة عليها ؟ في الواقع، كل الاحترام والتقدير للموقف الأوروبي الذي يتصاعد يوميا بعد يوم، ويقترب أكثر نحو دعم وتأييد الحقوق الفلسطينية، ولكن تبقى الخطوة الأهم، وهي الخطوات العملية في مقاطعة الكيان الصهيوني ومحاسبته ودفع ثمن الاحتلال والغطرسة. وبالتالي الاحتلال الأوروبي، لم يقم بالخطوة الأكثر أهمية، على سبيل المثال عليه أن يعترف بالدولة الفلسطينية، هناك دول تعترف بها، ولكن نطالب ألمانيا وفرنسا وبريطانيا أن تفعل ذلك، لتضع حدا للغطرسة والتوسع والأطماع الصهيونية في فلسطين. هذا مجال لا يخص فقط الاتحاد الأوروبي ولكن يخص أيضا روسيا والصين ودول أمريكا اللاتينية. الحقيقة الموقف الدولي كله باستثناء الكيان الصهيوني والولاياتالمتحدةالأمريكية بقيادة الرئيس ترامب، يقف مع الشعب الفلسطيني ضد الاستيطان وضد الضم وضد استمرار الاحتلال. - ماذا عن الموقف العربي ؟ جميع الدول العربية بلا استثناء، أصدرت بيانات ترفض خطة الضم. والأصل أنه قبل أن نطالب المجتمع الدولي والأوروبي بمساندتنا، نطالب أشقائنا العرب بذلك، لأن القضية الفلسطينية، ليست قضية فلسطين فحسب، وإنما قضية العرب والمسلمين. يبقى أن هذه البيانات لا تكفي، لأن هناك مقولة إسرائيلية «إرفضوا ونحن نعمل ما نريد». إذا لم تكن هناك خطوات عملية وخاصة الدول التي تقيم علاقات والدول التي تسعى لإقامة علاقات والتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي القاتل، هذا أمر في غاية السوء والاهانة، للعقيدة الإسلامية والعروبة وكل المقدسات التي آمنا بها على مدار التاريخ. فالمطلوب من الأمة العربية قبل الأمة الأوروبية أن تقوم بكثير من الخطوات، من بينها وقف التنسيق وتبادل السفراء والعلاقات التجارية والاقتصادية، وللأسف هناك بعض الدول العربية تجاوزت حدودها وتقوم بكل صفاقة وغرور بالإعلان عن إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني على حساب الدم الفلسطيني وقدسية القدس. هو أمر مخجل، ولا أخفي أنه يخلق نوع من الإحباط لدى الفلسطينيين لأنهم طوال فترات الصراع كانوا يعتمدون على دعم أشقائهم العرب والمسلمين ويزدادون قوة وصلابة واستمرارية طالما الدول العربية والإسلامية تدعمهم. - أمام هذا الوضع، هل بدأ الفلسطينيون يقتنعون بعدم جدوى الاعتماد على غيرهم؟ صحيح، يجب ألا يراهنوا على أحد، وأن يعتقدوا أنهم يقفون لوحدهم، وإذا جاءهم دعم عربي أو إسلامي سيكون فيه خير وبركة للموقف الفلسطيني. ولكن ينبغي أن نشير أيضا إلى أنه ورغم الموقف العربي الموحد الرافض لخطة ترامب، هناك موقف داخلي فلسطيني غير موحد، فكما يعلم الجميع هناك انقسام عمله وسعى له الكيان الصهيوني، ورغم أنني لا أريد أن استرسل، إلا أن الانقسام هدف ومطلب صهيوني ليحول دون قيام الدولة الفلسطينية. الآن يريد الاحتلال أن يستفرد بالضفة الغربيةوالقدس لأنه لا يريد العودة لقطاع غزة، والشعب الفلسطيني في الضفة وكل القرى المهددة بالضم يقاوم بكل ما أوتي من قوة بحسب قدراته، ولكن ليست هناك انتفاضة، كما حدث في السابق، حيث طرد عساكر الاحتلال خارج المدن، والمفترض أن تتصاعد هذه الانتفاضة لتصبح مكلفة وهناك خطط لتصعيد المقاومة الشعبية وقطع الطرق أمام المستوطنين والقيام بعمليات المقاومة الأخرى. وأقول دائما إن الشعب الفلسطيني وقضيته يمران بأخطر مرحلة، إما أن نذهب للدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس أو نذهب إلى مزيد من العنف والقتل والحرب في المنطقة. @ الرئيس الأمريكي الذي صار الراعي الأول للاحتلال الإسرائيلي يمر بأسوأ أيامه، هل يمكن أن تربك أزمة العنصرية في الولاياتالمتحدة خطة الضم هذه ؟ @@ حتى لا نكون متفائلين أكثر من اللازم، الإدارة الأمريكية تدعم منذ عشرات السنين الكيان الصهيوني وازداد دعمها وتأييدها ومشاركتها له بالتسلط والاستعمار في زمن ترامب. هذا الرئيس ينتمي للحزب الجمهوري، الذي غالبية أعضائه من الصهيونية المسحية الذين يؤمنون بخرافات و أساطير أن أرض فلسطين أرض الميعاد إلى غير ذلك من الترهات. هؤلاء دعموا بدون توقف وبلاد تردد الكيان الصهيوني في غطرسته، وهم لوبي قوي يعد بالملايين في الولاياتالمتحدة، وأمام هذه الأحداث التي تجري في الأراضي الأمريكية والثورة التي تجري ضد ترامب والعنصرية البغيضة هناك، ربما تسقط هذا الرئيس ويأتي الحزب الديمقراطي للحكم. هذا الأخير، أقل دعما للمشروع الصهيوني الاستيطاني الذي لا يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني. تبقى الإشارة أيضا إلى هناك أعضاء في الكونغرس الأمريكي ضد خطة الضم، وهناك يهود في أمريكا وأوروبا، حتى هناك صهاينة غير مقتنعين بهذه الخطة، وخرجت مظاهرات في الداخل الإسرائيلي ترفضها وتطالب بإسقاطها. وإذا جاء شخص من الحزب الديمقراطي ستكون الضغوطات على الجانب الفلسطيني أقل. - ماذا عن مسار المصالحة الوطنية الفلسطينية؟ طرح الأخ الرئيس أبو مازن أكثر من مبادرة، وكانت الأخيرة منذ فترة قصيرة عندما اتخذ قرار وقف التنسيق والعمل باتفاقيات أوسلو، دعا الجميع ليشارك في هذه القرارات فامتنعت بعض القوى عن حضور الاجتماع. مرة أخرى دعا لاجتماع واتفق على أن يكون في غزة ولكنه لم يحدث. المصالحة حيوية بالنسبة لنا، ولكن على ما يبدو نحن أمام تعنت البعض وعدم السير وراء إنهاء الانقسام، لذلك نعود إلى الوراء و نتساءل ما الذي يعيق المصالحة؟ وكيف جرى الانقسام؟ وبالتالي نخرج باستنتاجات مؤسفة جدا لا أريد أن أطرحها الآن.