رغم أن نحو 1500 أسير فلسطيني بدأوا إضرابا مفتوحا عن الطعام في 17 أفريل الماضي، بعد معاناة العشرات منهم قبل هذا التاريخ من إضراب مماثل للمطالبة بتحسين ظروف اعتقالهم الإداري وإنهاء سياسة الاحتلال الإسرائيلي الخاصة بالاعتقال الإداري والعزل الانفرادي، فإن لا أحد من الفاعلين في العالم لم يحرك ساكنا بالكيفية والقوة المطلوبة، رغم أن ذلك أيضا يتنافى وروح الديمقراطية التي تدعيها إسرائيل، ويروج لها الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة وأوروبا الغربية باعتبارها النموذج الوحيد بمنطقة الشرق الأوسط. ورغم أن الفلسطينيين في عهد السلطة وضعوا جانبا سلاح المقاومة لاستعادة حقوقهم المسلوبة، فإن سلاح المقاومة السلمية، مثلما أثبت ذلك الواقع المعاش لسنوات بل لعقود، لم يعد يجدي نفعا، ذلك أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تنفرد بالشعب الفلسطيني الأعزل من كل سلاح، بما في ذلك التضامن العربي الإسلامي الذي انفض من حوله، خارج زمن القرن ال 21، حيث تعتقل أكثر من 4700 أسير فلسطيني بينهم 320 أسيرا تحت بند الاعتقال الإداري، الذي يسمح بتمديد سجنهم من دون تقديم لائحة اتهام في حقهم، وذلك خارج القوانين والشرعية الدولية التي أنشئت بمقتضاها إسرائيل ذاتها. ولهذا، لا غرابة أن تتجاهل إدارة السجون الإسرائيلية الرد على مطالب الأسرى الفلسطينيين، المتعلقة أساسا بتحسين أوضاعهم وإلغاء الاعتقال الإداري وفق ما هو معمول به في المنظومة القانونية التي توصلت إليها البشرية بعد قرون عديدة من التضحيات والنضال، ولم تكتف إسرائيل بتجاهل الرد على هذه المطالب المشروعة، بل راحت تصعد من إجراءاتها القمعية في الآونة الأخيرة مثل تكثيف عمليات التفتيش ومداهمة زنازين الأسرى المضربين عن الطعام، رغم الظروف القاسية وغير الإنسانية للمحتجزين فيها أصلا. إن التعنت الإسرائيلي المعهود في مواجهة نضال ومقاومة الشعب الفلسطيني، لا يمكن أن تسقط أمامه مطالب الأسرى الفلسطينيين، بل على العكس من ذلك ساعد على زيادة أعداد الأسرى المضربين عن الطعام، وهذا في حقيقة الأمر ما هو إلا مؤشرا واضحا على توجه جميع الأسرى للانخراط في إضراب مفتوح عن الطعام، لن ينتهي إلا بتحقيق مطالبهم المشروعة والعادلة. والواقع أنه رغم جدية مسعى الأسرى الفلسطينيين، فإن التجاوب معه من الشارع العربي والإسلامي وحتى الفلسطيني يبقى دون المستوى المطلوب، ويأتي على طراز المحافظة على حصار قطاع غزة الإجرامي وغير القانوني. وهذا ما يفسر حقيقة الموقف الإسرائيلي المتعجرف، الذي يمنع الأسرى من أدنى حقوقهم كالعزل الانفرادي لفترات طويلة، ومنع زيارة ذويهم لسنوات عديدة. ومن دون شك، فإن الموقف الموحد للأسرى وصمودهم، والتضحيات التي يستمرون في تقديمها، وما قد ينجم عنها ليس بانضمام جميع الأسرى للإضراب، وإنما ما ينذر بتفجر الوضع داخل سجون العار هذه قد بدأ يعطي ثماره، حيث المجتمع الدولي أخذ في التململ جراء استمرار إسرائيل في مثل هذه الممارسات الدنيئة، وبدلا من أن تنكسر إرادة ومعنويات الأسرى الفلسطينيين الأبطال، يتزايد التجاوب مع قضيتهم داخليا وخارجيا . إن إضراب الفلسطينيين عن الطعام الذي يعد الثاني خلال ستة أشهر، يأتي ليشهد العالم مرة أخرى على أنه نتيجة طبيعية لاستنفاد جميع الوسائل السلمية للضغط على سلطات الاحتلال للحصول على حقوقهم ومطالبهم المشروعة التي تكفلها لهم الشرائع والأديان السموية. وبقدر ما كانت التضحيات كبيرة، فإن معنويات الأسرى الفلسطينيين عالية؛ بحيث يتسع معها التجاوب الدولي أكثر فأكثر، قد يكون بطيئا لكنه أكيد. ولعل آخر هذه التحركات بعد تحرك الجامعة العربية، مطالبة الاتحاد الأوروبي لإسرائيل بتوفير كافة المساعدات الطبية للأسرى المضربين عن الطعام، والتي جاءت أمس الثلاثاء من القدسالمحتلة ورام الله، ودعت أيضا في بينها الصحفي إلى السماح للأسرى بالزيارات العائلية في أقرب فرصة ممكنة، كما عبرت عن قلقها تجاه تدهور الظروف الصحية للفلسطينيين قيد الاعتقال الإداري غير المشروع أصلا، ولهذا فإن صمود الأسرى الفلسطينيين والتجاوب الدولي معه، لن يؤدي إلا إلى تحقيق مطالبهم المشروعة كلها، بما فيها إطلاق سراحهم من سجون الاحتلال، وإن غدا لناظره قريب.!