ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني على لبنان إلى 3583 شهيدا و 15244 مصابا    هولندا ستعتقل المدعو نتنياهو تنفيذا لقرار المحكمة الجنائية الدولية    الرابطة الأولى موبيليس: شباب قسنطينة يفوز على اتحاد الجزائر (1-0) ويعتلي الصدارة    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    شايبي يتلقى رسالة دعم من المدير الرياضي لفرانكفورت    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عباقرة نظَّروا للثورة وقدّموا استشارات وتوجيهات ودراسات أسقطوا بها ادّعاءات فرنسا الاستعمارية
«الشعب» تنفرد بنشر المرجعية التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للثورة الجزائرية
نشر في الشعب يوم 18 - 05 - 2012

تتطرق “الشعب” في هذه القراءة بمناسبة الذكرى ال 56 لليو الوطني للطالب المصادف ل 19 ماي من كل سنة، إلى المراجع السياسية والفكرية والاقتصادية والتاريخية والاجتماعية لإطارات جبهة التحرير الوطني وجيشه.
وتسعى جريدة “الشعب” من خلال وثيقة تحصلت عليها إلى إعلام الجزائريين بالوجه الآخر لكفاح وجهاد المثقفين إبّان الحقب التاريخية التي مرت بها الجزائر، ذلك أنّ الثورة الجزائرية لم تكن كفاحا مسلّحا فقط بل إن الاستقلال صنعه بالإضافة إلى العسكريين نخبة من المثقفين وإطارات من المجتمع الجزائري أثبتوا في المفاوضات وفي المراحل العسيرة من الثورة حنكتهم وجدارتهم من خلال كشف كل خيوط مؤامرات المستعمر، وأحبطوا كل الحروب النفسية والدعائية الفرنسية وتمكّنوا من القيام بكل ما كان يلزم وأكثر.
وتظهر الوثيقة التي جاءت في ثلاثة أجزاء وجهات نظر ودراسات وبحوث حول تاريخ الجزائر واقتصادها وجغرافيتها وأمنها، وكل المجالات التي لها علاقة بالوطنية والهوية، حتى تكون مرجعا للشباب الثوري والشعب الجزائري.
وتعكس قيمة الوثيقة المستوى العالي والبرنامج التكويني الذي خضعت له الإطارات الجزائرية بين التاريخ والسياسة والاقتصاد والاجتماع لأكثر من 4 سنوات عصيبة، حتى تكون لهم القدرة على التحليل والإلمام بحيثيات الملفات والظواهر وكل ما يعترضهم.
وقد مكّنت تلك القراءة للواقع وتحليله من تكوين إطارات في مستوى التحديات، مثلما أشارت الوثائق التي تحمل عنوان مذكرة مساعدة “لإطارات الجزائر” .
وكان الهدف من هذه الوثيقة التي تضمّنت آراء وتحاليل عميقة حول مختلف القضايا حسب ما ورد في الصفحة الثانية من الوثيقة “إنشاء جيل من القيادات ومسيّري مجموعات ومكوّنيين ومربّين ومستشارين منضبطين ومهيئين نفسيا لإلحاق الهزيمة بالعدو. وقد ضاعف القائمون على المشروع من برامج التكوين لقيادات الثورة حتى يصلوا إلى إمكانيات تفوق مستوى التفكير لدى الفرنسيين”.
وفرض القائمون على المذكّرة الموجّهة لإطارات الثورة الجزائرية التعمق في دراسة تاريخ الجزائر وثرواتها، ومعرفة اقتصاديات الدول والجغرافيا، وهذا للسماح لها بالتأثير وتحقيق الأهداف البعيدة المدى التي لا تظهر للعيان إلا بعد سنوات.
ومنه نستنتج أنّ “مشاهدة أطفال يدرسون في الألواح أثناء الثورة، وجزائريون يطلعون على الجرائد هي أمور ذات أبعاد سياسية وفكرية لم تأتي من العدم، بل كان وراءها برنامج دولة واستراتيجية لمكافحة الأساليب القذرة للاستعمار الذي كانت الأسلحة آخر شيء تستعمله بعد التجهيل وسياسة الأرض المحروقة.
وقد كانت هذه الوثيقة التي تعتبر برنامجا تكوينيا وخطوطا عريضة لإطارات الجزائر أثناء الثورة حلقة مجهولة لدى الكثير من الذين اهتموا بدراسة الإطار المرجعي للثورة، الذي أنشأته نخبة لتدارك ضعف النضج السياسي والمساعدة على إيضاح التوجهات أثناء حرب التحرير، مع الأخذ بعين الاعتبار التحولات الدولية السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وحتى الثقافية والعلمية والإعلامية، وهو جعل الثورة الجزائرية تعرف أبعادا عالمية، وسجّلت حضورها في مختلف المحافل العالمية ومن الباب الواسع أمام دهشة فرنسا التي أيقنت أن وراء الثورة عباقرة وأشخاص لهم نظرة حاذقة متجذرة في التاريخ قادرة على استشراف المستقبل بطريقة عجيبة.
وبدأت نتائج هذا العمل تظهر على الكتابات الحائطية، وكذا الكبت الذي يعبّر عنه التلاميذ فوق طاولات الدراسة وفي مختلف جدران المدارس الاستعمارية، حيث أصيبت فرنسا بإحباط كبير وهي تقرأ “يحيا جيش التحرير الوطني” و«تحيا جبهة التحرير الوطني”، وأيقنت أنّ وراء حرب التحرير عباقرة واستراتيجية موازية لمعارك السلاح تهدف إلى حماية الهوية الجزائرية، وغرس ثقافة الوطنية في أجيال المستقبل، وتعويدها على حمل المثل والقيم، وهي أمور ردّت وسائل التعذيب والتنكيل الفرنسية، وعجزت عن قهر الشخصية الجزائرية التي سجلها التاريخ بأحرف من ذهب.
إطارات الثورة تصدّت للاختراقات الفرنسية والتدخل الأجنبي بعد الاستقلال
ويذكّرني هنا ما قاله الشهيد العربي بن مهيدي عندما قبضت عليه القوات المظلية الفرنسية “أعطونا أسلحتكم وطائرتكم، وسنعطيكم قففنا المليئة بالمتفجرات”، وعادت لمخيّلتي صور المرحوم أحمد زبانة وهو يحضّر نفسه للمقصلة، وصبر علي لابوانت وحسيبة بن بوعلي والطفل الذي استشهد معهم في القصبة. إنّها مواقف تؤكّد التكوين العالي المستوى الذي تلقوه هولاء، وتدريبهم ليصبحوا أبطالا وإلاّ ما كنت الثورة لتكتب بأحرف من ذهب، وتصبح مرجعا عالميا لكل الأحرار والمخلصين. وعادت الوثيقة لتؤكد أنّ تأثير الإطارات الجزائرية التي أطّرت الثورة على الشباب المجاهدين كان كبيرا، وقالت الوثيقة “لقد منح هولاء الشعب الجزائرية حب الكرامة والكبرياء والعدالة بدلا من اليأس والثقة في مستقبل منير، وقاموا بالتعريف بإمكانيات الجزائر ودور كل فرد في تأدية واجبه تحضيرا لطرد فرنسا التي سعت لتجويع وتأخير الشعب الجزائري عن التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.
لعبت إطارات الجزائر بعد الثورة التحريرية دورا كبيرا في عملية البناء أو التصدي لكل الاختراقات الفرنسية التي حاولت القيام بها للتشويش على الجزائر، عبر الكثير من الطرق الخفية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مستغلة هشاشة الأوضاع بعد الاستقلال.
ولم يكن من حل سوى إقحام إطارات ثورة التحرير في مختلف القطاعات لتفادي التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للجزائر، ومساومتنا على الكثير من الأمور.
وقد لجأت فرنسا إلى منع الجزائريين من دخول مدارسها الخاصة بمختلف التقنيات والإدارة، ولم يصب هذا الإجراء الجزائريين بأيّ مركب نقص بل زادهم عزما على التخلص من أية تبعية للخارج والاتكال على أنفسهم لتأمين بلدهم من أية ضغوطات أجنبية، وقد علّقت الوثيقة على هذا الوضع بالقول “رغم العراقيل الفرنسية وتعنّتها لم يمنعنا هذا من تكوين مسيّرين“.
ودعت الوثيقة من خلال قيادة جبهة التحرير الوطني وجيشها إلى الاعتراف بدور هولاء الإطارات كأدنى شيء نقدمه لهم.
قرأوا التاريخ فصنعوا تاريخا
لعب تاريخ الجزائر في الحقب الماضية دورا كبيرا في حشد همم الإطارات الجزائرية، حيث عمد مثقفي الجزائر والإطارات أثناء الثورة إلى البحث في كتب التاريخ عن تصدي الجزائريين لمحاولات الاستعمار القديمة، وبطولات الشهداء الذي وقفوا في وجه “الرومان” و”الوندال” ومختلف الغزاة، وهذا لكسر الخوف من فرنسا ودحر مقولتها “القوى الاستعمارية التي لا تقهر”.
وقالت الوثيقة أنّ التعرف على التاريخ هو “النواة الأولى لتشكيل المواطنة”، وقالت “بأنه واجب وطني” و”حتمية أخلاقية”، لأنّ فرنسا في اطار سياستها البربرية استهدفت الهوية الوطنية قبل ثرواتنا وممتلكاتنا، فكانت الثقافة والحضارة والقيم مستهدفة عبر كل مراحل الاستعمار.
وتضمّن المرجع الذي أنجزته الإطارات الجزائرية فصولا هامة حول مجهودات تكوين اتحاد مغاربي أو اتحاد شمال إفريقيا في سياق توحيد جهود النضال والكفاح ضد فرنسا الاستعمارية بين تونس والمغرب، في سياق الحفاظ على التاريخ وانتماء شمال إفريقيا، وهو ما يفسر ورود شمال إفريقيا في تسميات الأحزاب الجزائرية كنجم شمال إفريقيا، وبروز تقارب بين مختلف أحزاب تونس والمغرب والجزائر أثناء فترة الكفاح.
وقد حاولت فرنسا في القرن ال 16 طمس الانتماء الجزائري إلى المنطقة الإسلامية المتوسطية، وبدأت نوايا فرنسا لضم الجزائر إلى الغرب.
وركّزت مذكرة الإطارات الجزائرية على البعد العربي والإسلامي والإفريقي والمتوسطي للجزائر، وقدّمت تاريخ المنطقة بالتفاصيل والحملات المتتالية للصليبيين على شمال إفريقيا للسيطرة عليها، وقالت الوثيقة بأنّ الحديث عن شمال إفريقيا يعود إلى الحضارة اليونانية، وتطرّقت إلى مرور القرطاجيين بتونس والحقبة الرومانية.
وأطلق العرب عند وصولهم إلى شمال إفريقيا على المنطقة “جزيرة المغرب”، وتمّ التأكيد على أنّ تسمية شمال إفريقيا الأكثر قبولا بالنظر لما لها من أثر إيجابي، لأنّ بعض الأوروبيين حاول التركيز على كلمة “بربر” من أجل تبرير حملات الغزو والاحتلال الأوروبية.
وتحدّثت الوثيقة عن الامتداد التاريخي للجزائر التي يعود تاريخ وجودها إلى 3000 سنة خلت، أين كانت تسمى “ليبيا”، وكانت حضارة مزدهرة بعيدا عن ما كان يروج بأن هذه المنطقة لا علاقة لها بالإنسانية، ومرّت الوثيقة على حقبة ماسينيسا الذي انتصر لقسنطينة من الرومان والقرطاجيين في 203 قبل الميلاد.
الأوربيون حضّروا لاستعمار شمال إفريقيا
بعد اعتناقهم الإسلام وانتشار العربية
وعرف القرن السابع ميلادي وصول الإسلام إلى شمال إفريقيا عن طريق مبعوثي الدولة الإسلامية من الجزيرة العربية، وبفضل رسائل الإسلام السمحة والسلوك الحضاري الذي حمله تمكّن من إحداث ثورة تاريخية في شمال إفريقيا مثلما اعترف به المؤرخ الفرنسي “قوتيي”، وهو ما رفع من حالة الطوارئ لدى فرنسا التي بدأت تفكر في تدمير الديانة الجديدة “الإسلام” من خلال الدفاع عن القيام الرومانية القريبة من المسيحية.
وخلقت القيم السمحة للإسلام من خلال دعوته للمساواة والابتعاد عن العالم المادي في التعامل بين البشر، وما زاد في تخوف فرنسا هو الفتوحات الإسلامية التي قادها معتنقو الإسلام من شمال إفريقيا إلى القارة العجوز، وهو ما جعل أوروبا تتوجس من الزحف الإسلامي الذي وصل إلى الأندلس.
وركّزت الوثيقة على الدور الحضاري للإسلام من خلال تشجيعه نشر العلوم ومحاربة الأمية والاهتمام بالثقافة والعلماء، وتنبّهت فرنسا لانتشار اللغة العربية بين المشرق والمغرب، وصنعها لجسر بين المشرق وشمال إفريقيا، وهو ما يعني خسارة الغرب لشمال إفريقيا وإفريقيا، خاصة بعد أن لقي الإسلام قبولا كبيرا في القارة السمراء بسبب معاملة التجار والبعثات.
ويستشف من تنبيه مسطّري المذكرة الموجّهة لمساعدة إطارات الثورة بالامتداد القومي العربي لجلب الدعم، والتأكيد على أنّ الاستعمار والتحرش الغربي الصليبي لا يستهدف الجزائر فقط، بل كل العرب والأمة الإسلامية، وما حديث الغرب اليوم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلا انعكاس لمعرفتهم الجيدة بتاريخ المنطقة وكيف تعرّبت واعتنقت الإسلام.
وذكّرت الوثيقة بمختلف الدول والحضارات التي مرت بالجزائر وشمال إفريقيا من عهد إدريس ابن عبد اللّه، والذي أنشأ في 970 ميلادية أو مملكة مغربية، وهو من أسس مدينة فاس، وبالموازاة بالجزائر المملكة الرستمية والتي امتدت إلى جبال النفوسة بليبيا مرورا بمنطقة الأوراس، وقد وصلت إلى غاية سمرقند بعد أن ساعد الإسلام على قابلية التوسع والاندماج والسعي نحو الوحدة.
ولغرس ثقافة البطولة لدى إطارات الثورة، توقفت الوثيقة عند ما قام به ابن تومرت والمهدي عبد المومن موحد المغرب العربي وياغموراسن ابن زيان (1235 1283) مؤسس الدول الزيانية التي كانت عاصمتها تلمسان، ودامت 3 قرون وعرفت ازدهارا كبيرا للتجارة.
عظماء كانوا وراء تأسيس الدولة الجزائرية، والاستعمار جاء لتدمير الحضارة وليس نشرها
تناولت الوثيقة عظماء الجزائر الذين حاربوا مختلف القوى الامبريالية لرفع معنويات جيش التحرير الوطني، من خلال الاستلهام من مختلف العظماء الذين كوّنتهم الجزائر والتذكير بتاريخها الممتد إلى العصور الغابرة.
تعود نشأة الدولة الجزائرية حسب ذات الوثيقة إلى النصف الثاني من القرن العاشر ميلادي بفضل الأمير زيري بولوغين، الذي أسس الجزائر على أنقاض المدينة الرومانية “إكوزيوم”، غير أن هذه المبادرة لم تعجب الاسبان واتصلوا بالدولة العثمانية التي كانت تعرف نموا متصاعدا.
واستجاب عروج الأخ الأكبر للشقيقين بربروس وهو أحد أقوى البحارة لكل الأوقات، بالإضافة إلى كونه مسلما بسط سيطرته على البحر الأبيض المتوسط، وتمكّن في القرن ال 16 من دحر الاسبان الذين احتلوا الجزائر، وتمّ اغتياله في “ريو سالادو” في كمين. وواصل شقيقه خير الدين المهمة، وبدعم من الدولة العثمانية تمّ تحرير الجزائر من بقايا الغزو الاسباني الذي عاود الكرة في 1541 مع شارلي كنت الذي فشل في مهمته.
وبرز حسان باشا، ابن خير الدين بربروس، الذي تمكن من إقناع الزيانيين في تلمسان من الاندماج في الدولة الجزائرية، وقام صالح رايس بالاتصال بولايات الجنوب من عين الصفراء إلى ورقلة ولبيض سيدي الشيخ، والذين لم يعارضوا الانضمام إلى السلطة المركزية في الجزائر.
وازدهرت الجزائر في القرن ال 16 مستفيدة من الدعم التركي الذي ساهم في ترسيخ نظام إداري واجتماعي جديد، واكتسبت الجزائر جيشا منظما مدعم بأسلحة ثقيلة وقوات بحرية في مستوى رهان الدفاع عن البلاد ضد الحملات الاستعمارية الغربية، ونالت الجزائر اعترافا أوروبيا بسيادتها طمعا في تأمين بواخرها وأساطيلها البحرية.
وبالمقابل لم تخف أوروبا أحقادها على الجزائر، وفكّرت في الكثير من المرات على الاعتداء على الجزائر وإضعافها مثلما قامت به فرنسا بين 1661 1665، أين قصفت الجزائر من البحر مخلّفة مئات الضحايا وخسائر مادية كبيرة، وحاولت إنزال قوات لها في ميناء جيجل وفشلت بعد أن تكبّدت خسائر كبيرة.
وتمكّن الداي حامد باقطاش في 1707 من طرد الاسبان بصفة نهائية من الجزائر، وشاركت رفقة القوات البحرية العثمانية في حرب ضد الاسبان في 1786 وأخرى ضد الروس في 27 أفريل 1816 وهو ما جعل القوى الامبريالية تعود للدبلوماسية مع الجزائر لتأمين مصالحها، واكتسبت بلادنا هيبة كبيرة قبل أن تتربّص بها قوى الشر.
وعليه، فادّعاءات فرنسا الاستعمارية بعد احتلال الجزائر بأنها جاءت لنشر الحضارة وتطوير الجزائر كلها أسباب واهية، فالجزائر كانت قمة في التطور في مختلف المجالات وسمعتها كانت محترمة بين جميع الدول.
وتشير الوثيقة دائما إلى ازدهار الفلاحة والصناعة والهندسة المعمارية في بلادنا، والعمل بنظام إداري راقي جدا كما كان النظام التربوي مزدهرا من خلال تواجد 2000 مدرسة ومتوسطة وثانوية، وحتى الجامعات كانت منتشرة بتلمسان ومازونة والعاصمة وبجاية، وكانت الأمية في الجزائر أقل من تلك المنتشرة بفرنسا، حيث بلغت نسبة الأمية 40 بالمائة، وهو ما يعكس الفارق الكبير في التحضر بين الجزائر وفرنسا.
حقائق حادثة المروحة ؟
تطرّقت “الوثيقة” إلى حادثة المروحة التي حاول الكثيرين اعتبارها السبب المباشر للحملة الفرنسية على الجزائر، بينما يخفي التاريخ الكثير من الوقائع التي سبقت احتلال فرنسا للجزائر.
ففرنسا التي عاشت أوقاتا عصيبة بعد الثورة الفرنسية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعجزت سلطات باريس عن توفير المؤونة واحتياجات الشعب الفرنسي، ولم تجد أمامها سوى الجزائر لإنقاذ نفسها.
واستفادت فرنسا من امتيازات استيراد القمح الجزائري بالتقسيط من خلال وسيطين “بوشناق وبكري”، كما قدم “باي” الجزائر قرضا لفرنسا ب 1 مليون فرنك فرنسي بدون فائدة لشراء القمح، وتواصل الأمر إلى غاية 1815 أين تنصيب القنصل “بيار ديفال” قنصل فرنسا بالجزائر.
وبلغت الديون الجزائرية لدى باريس 18 مليون فرنك، وبدأت بعدها فرنسا في التماطل والتهرب من طلبات “الداي” التي عرفت تصعيدا، وقد تزامن هذا الواقع مع هجمات قوية من مختلف القوات البحرية الأوروبية وخاصة فرنسا، وهو ما جعل الداي “حسين” يستدعي القنصل الفرنسي بالجزائر في 30 أفريل ،1827 ويعبّر له عن غضبه من تصرفات سلطاته وأمره بالخروج باستعمال مروحته لتقلبها الدعاية الفرنسية بأنه تعرض للضرب بالمروحة.
واتّخذت باريس من تلك الحادثة ذريعة وشنّت حربا على الجزائر بحجة إجبار الجزائر على طلب الاعتذار، وشاركت في عملية الإنزال بسيدي فرج 675 بارجة محمّلة ب 000 37 عسكري وبأسلحة متطورة.
واندلعت معارك شرسة في 14 جوان 1830 في سيدي فرج، وقاد المعارك آغا إبراهيم إلى غاية 5 جويلية أين أمضى الداي اتفاقية مع الفرنسي “دو بوغمون” سلّمه الجزائر وبالمقابل تلقى ضمانات من فرنسا باحترام الدين الإسلامي والإبقاء على ممتلكات الجزائريين وتجارتهم ومختلف الحقوق التي كانوا يتمتعون به.
وشرعت فرنسا في ترحيل 4500 أوروبي إلى الجزائر، وهو ما أكّد نيّتها الاستيطانية والاستعمارية خاصة بعد أن حطّت بعنابة ووهران، وانفجرت فضيحة الاستيلاء على خزائن الدولة الجزائرية والقيام بعمليات اغتصاب وسرقات بقيادة القائد العسكري “دو بوغمون”، كما تمّ الاستيلاء على المناطق التي تضم أراض فلاحية مثل البليدة ومنحها للكولون.
الحركة الوطنية كانت تتويجا
لقرون من النضال والكفاح
تناولت الوثيقة دور الأمير عبد القادر في مكافحة الاستعمار الفرنسي، وكان أب المقاومات الشعبية ونموذجا في الحفاظ على أسس الدولة الجزائرية.
ويظهر أنّ إطارات الثورة قد تأثّروا كثيرا بعبقرية الأمير من خلال انتهاجه الكفاح المسلح والدبلوماسية، واللجوء إلى تنظيم إداري مهم لإدارة شؤون المواطنين.
وبالنظر لحنكته وقدرته على مجابهة الاستعمار الفرنسي، وقّعت معه فرنسا على معاهدات هدنة “دي ميشال” في 24 فيفري 1834 ومعاهدة تافنة في 30 ماي ،1837 حيث أجبر فرنسا على الاعتراف بسيادة الأمير على الداخل الجزائري.
واتّصل بداي قسنطينة وركّز على بناء جيش قوي، وأرسى صناعة عسكرية، غير أنّ مكر فرنسا أضعف مقاومة الأمير من خلال نقض فرنسا لتعهداتها وشنّها هجومات مفاجئة، رد عليها الأمير بشراسة قبل أن ينفى ويهجر إلى سوريا بعد 5 سنوات قضاها في الأسر بفرنسا.
وتواصلت المقاومات الشعبية بعد الأمير عبد القادر من خلال مقاومة الزعاطشة ببسكرة (1849)، منطقة القبائل في 1851، الأغواط في 1852، القبائل الكبرى بين 1853 و1857 وثورة أولاد سيدي الشيخ بالبيض بين 1864 و1870.
وتواصلت المقاومة مع الأمير خالد في العشرينات من القرن العشرين، وهذا تزامنا مع إعادة بعث الحركة الوطنية واستغلال اتفاقية فرساي، وإنشاء عصبة الأمم للمطالبة باستقلال الجزائر، وقد برزت نخبة جزائرية متخرجة من الجامعات الفرنسية ومتشبعة بالوطنية.
وتحدّثت الوثيقة عن دور العلماء المسلمين من محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، الذين أثروا بكتاباتهم ضد الاستعمار والاستعباد، واستلهم منهم الجزائريون ذلك من خلال جمعية العلماء المسلمين التي انشات في 1931 وقادها عبد الحميد بن باديس.
وقد استفادت الحركة الوطنية من حزب الشعب الجزائري إلى نجم شمال إفريقيا من الكثير من النضج السياسي، الذي زاد تطورا مع اندلاع الحرب العالمية الثانية في 1939 والاتصالات التي جرت بين الجزائريين والألمان من أجل استقلال الجزائر، وانتهت تلك الحقبة بمجازر 8 ماي 1945 وحل الأحزاب السياسية من قبل السلطات الاستعمارية، قبل أن تعيد الحركة الوطنية تنظيم نفسها من خلال أحزاب جديدة على غرار حركة انتصار الحريات الديمقراطية التي قادها مصالي الحاج وفرحات عباس، وبكل الصراعات والاختلافات شقّت الحركة الوطنية طريقها نحو الاستقلال بعد إنشاء المنظمة الخاصة التي قادها محمد بلوزداد، والتي شكّلت قيادة الثورة. وبالرغم من إلقاء القبض على العديد من أعضائها في 1950، إلاّ أنّ الناجين منهم على غرار ديدوش مراد ومحمد بوضياف وحسين آيت أحمد هم الذين كتب لهم تفجير الثورة فيما بعد أزمة حركة انتصار الحريات الديمقراطية وانقسامها بين المركزيين وأنصار اللجنة المركزية حول تفجير الثورة، ومن ثمة تشكيل مجموعة ال 22 ومجموعة ال 6 التي أعلنت عن تفجير الثورة في 1954.
بوغرارة حكيم
الجزء الأول


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.