تعرف السينما الجزائرية تراجعا كبيرا على مستوى الإنتاج، من خلال شحّ الأفلام وغيابنا عن التتويج في مختلف المحافل العالمية في صورة تؤكد وضعية الثقافة الصعبة في بلادنا والإقبال المفرط على الفضائيات، وانتشار القرصنة والأقراص المضغوطة التي تتيح للأفراد مشاهدة آخر الأفلام، وحتى قبل عرضها في الكثير من دور السينما والغريب في أمر الجزائر هو ازدهار الصناعة السينمائية في سنوات الستينات والسبعينات، وتخلّفها في الحاضر بفعل المنافسة الشرسة وغياب حركية ثقافية تعكس تطلعات وآمال المجتمع . وقد برزت في السنوات الأخيرة بعض المحاولات من مخرجين جزائريين حاولوا من خلال لها استقطاب الرأي العام الوطني ومختلف النقاد ووسائل الإعلام، إلاّ أنّها سرعان ما تلاشت بفعل غياب الاستمرارية، مثلما أحدثه فيلم ''الخارجون عن القانون'' للمخرج الجزائري رشيد بوشارب من حراك وجدل مهّد لعودة بروز الانتاج السينمائي. وجاء بروز فيلم رشيد بوشارب الذي أثار زوبعة في فرنسا مع المصادقة على مشروع قانون يتعلق بالسينما على مستوى البرلمان، تضمّن العديد من التحفيزات التي قد تجعل الاستثمار في مجال السينما يعود بقوة، وتسترجع الساحة الثقافية والاجتماعية مكانة السينما للمساهمة في التنشئة الاجتماعية ومنح الشباب مجالات للترفيه. ويهدف القانون المتعلّق بالنشاط السينمائي إلى تطوير إنتاج الأفلام الفنية والتربوية والتجارية، سواء كانت خيالية أو وثائقية مع ترقية ثقافة راسخة من القيم الوطنية ومتفتّحة على العالم، وترقية روح التضامن والعدالة والتسامح والسلم والتحضير مع المساهمة في نشر الثقافة الجزائرية عبر العالم وترقيتها وتشجيع النمو الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، وتثمين ثروتنا التاريخية ومآثر المقاومة الوطنية عبر التاريخ. وتعكس هذه القيم ذات الأبعاد السياسية والثقافية لحماية المنتجات السينمائية من العنف والتطرف، وزرع الحقد والكراهية، وكل الظواهر السلبية التي جعلت من عديد الأفلام مجالات للإساءة للآخر، والتهجم على الديانات والتجريح في مشاعر وقيم الدول. ولتجسيد هذه المبادئ وحماية السينما من السلبيات، تحدّثت المادة الرابعة عن خضوع إنتاج وتوزيع واستغلال البث والتصوير إلى رخصة مسبقة يسلّمها الوزير المكلّف بالثقافة، كما اشترطت المادة الخامسة من القانون إخضاع إنتاج الأفلام المتعلقة بالثورة التحريرية ورموزها إلى موافقة مسبقة من الحكومة، وهذا في ظل حساسية الأفلام التاريخية التي يجب دراستها مسبقا، ومعالجة السيناريو لما قد يتضمّنه من أمور تسيء لتاريخ الجزائر وذاكرة الأمة. وأكّد القانون أنّ ممارسة الأنشطة السينمائية المحددة في هذا القانون مضمون من قبل أشخاص معنويون خاضعون للقانون الجزائري بعد الحصول على رخصة يسلّمها الوزير المكلف بالثقافة، وفرض التشريع الجديد على كل شخص يمارس نشاطا سينمائيا حيازة البطاقة المهنية. وفرض القانون الجديد على المنتجين التنفيذيين للأفلام السينمائية الأجنبية استخدام متعاونين جزائريين ينشطون في مجال السينما بالجزائر، ولتفادي النزاعات مع الشركاء الأجانب قرّر القانون إخضاع الإنتاج المشترك خارج الاتفاق الحكومي لقانون البلد الذي يتواجد فيه المقر الاجتماعي لشركة الإنتاج المشترك التي يتمتع تمويلها بالأغلبية. وأضاف القانون أنّه في حالة التمويل المتساوي يخضع الفيلم للقانون الجزائري، وقرر القانون أنه لا يمكن لأي فيلم تمّ إنتاجه بصفة مشتركة الحصول على الجنسية المزدوجة إلاّ في إطار اتفاقات سينمائية حكومية.
بعض المضامين الثقافية تفرض رقابة على الأفلام الأجنبية تعرف الصناعات الثقافية بما فيها السينما في وقتنا الحالي تنافسا كبيرا، واجتهادا كبيرا لتمرير العديد من الرسائل والمضامين التي تؤثر على توجهات الجمهور، ومنه بناء رأي في صالح قضايا معينة وضد أخرى، وعليه فالسينما التي لا تقل خطورتها عن مختلف وسائل الإعلام، فقد قرّرت السلطات تنصيب لجان مشاهدة الأفلام على مستوى وزارة الثقافة لمراقبة الأفلام قبل عرضها على الجمهور. ولحماية جمهور السينما من الرسائل المسمومة التي قد تحملها بعض الأفلام، يشترط القانون الجديد على الممثليات الدبلوماسية المعتمدة بالجزائر والمراكز الثقافية الأجنبية والمنظّمات الدولية، عند عرض الأفلام الحصول على تأشيرة في ظل احترام أحكام الاتفاقيات الدولية. ويفرض القانون في المادة 21 إخضاع النسخة الموجبة لأي فيلم تمّ إنتاجه بالجزائر أو في إطار الإنتاج المشترك، باستثناء الأفلام الاشهارية إلى الإيداع القانوني من طرف المنتج. ولتطوير الإنتاج السينمائي أقرّت المادة 24 إمكانية استفادة الشركات الخاضعة للقانون الجزائري التي تمارس نشاطها في مجال الإنتاج السينمائي وتوزيعه واستغلاله، الاستفادة من إعانة الدولة في إطار إنجاز أنشطتها يحدد تطبيق هذه المادة عن طريق التنظيم. وعرف القانون الجديد للسينما تحديد العديد من العقوبات للذين يخرقون القانون، حيث نصّت المادة 27 على عقوبة بغرامة من 50 إلى 100 مليون سنتيم لكل من يخالف المادتين 5 و6، اللّتان تنصّان على ضرورة الحصول على الترخيص من وزارة الثقافة عند القيام بأي نشاط. كما تحدّثت المادة 29 عن غرامة بين 20 و40 مليون سنتيم على كل استغلال لفيلم لم يحصل على تأشيرة الاستغلال، بينما تصل الغرامة إلى 50 مليون سنتيم على كل من يقوم باستغلال فيلم سينمائي وقعت عليه تعديلات بعد حصوله على تأشيرة الاستغلال. وفي مجال حقوق التأليف تناولت المادة 32 جنح التقليد، حيث أشارت إلى تطبيق المادة 153 من الأمر 03 05 المؤرخ في 19 جويلية 2003، وتنطبق العقوبات على كل من يسجّل على دعائم فيلما سينمائيا أثناء عرضه في قاعة سينمائية، ووسّع القانون في الأخير معاينة مخالفة أحكام هذا القانون بالإضافة إلى ضباط الشرطة القضائية، مفتشو ومراقبو السينما، وهذا بعد تأدية اليمين.