ما تزال تداعيات الانتخابات الرئاسية المصرية وما أفرزته من جولة ثانية بين محمود مرسي رئيس حزب العدالة والحرية ومرشح الإخوان المسلمين واللواء أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، وبعدها تداعيات الحكم في قضية مبارك ونجليه جمال وعلاء ووزير داخليته حبيب العدلي ومساعديه الست تصنعا الحدث في مصر وخارجها. ومن المنتظر أن يؤثر الحكم في القضية الثانية على مصير الجولة الثانية من الرئاسيات، حيث أصبح من حكم المؤكد أن تعطي زخما ودعما لمرشح الإخوان المسلمين على حساب اللواء أحمد شفيق الموالي للرئيس المخلوع حسني مبارك. ولعل خروج الآلاف من شباب الثورة ومن كافة فئات الشعب المصري، عقب الإعلان عن الحكم في قضية مبارك، للتظاهر مجددا بالشوارع وميدان التحرير وعبر العديد من المحافظات، يؤكد أن جذوة الثورة لم تنطفئ، وأن الإرادة قائمة للقضاء على النظام القديم، بعدما اقتلع رأسه، بحيث أنه في هذه المرة، لابد من أن تحترم مطالب الثورة، وفي مقدمتها إجراء تحقيقات جدية لجرائم قتل المتظاهرين أمام الثورة، التي لا يمكن الاستمرار معها وكأنها لم تقم، باعتبار أن الثورة قامت ومازالت بالفعل. ولا يمكن إرجاع عجلتها إلى الوراء أو تجاهلها. ولعل الغضب الشعبي لا يقتصر هنا على الحكم المخفف على الرئيس مبارك ونجليه ووزير داخليته مع مساعديه اللواءات الست، وإنما يرجع إلى الكيفية التي جرت بها المحاكمة. وفي النهاية إخلاء سبيلهم مع نجلي مبارك جمال وعلاء، وتبرئة الجميع من غير مبارك والعدلي من مسؤولية سقوط أرواح أكثر من 850 قتيل في صفوف المتطاهرين السلميين، وكذا من حيث غض الطرف عن نهب المال العام بفعل تقادم السنين، فيما تم إصدار أحكام عسكرية على آلاف الشباب المصريين لمجرد إرتكابهم لمخالفات بسيطة، لا ترتفع بالمرة لمستوى القتل العمدي للمدنيين الأبرياء..! والواقع أن السماح لفلول النظام المصري الممثل في اللواء أحمد شفيق بدخول الانتخابات الرئاسية، وتمكينه من خوض جولتها الثانية، وحصر محاكمة جرائم النظام برئيسه المخلوع حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العدلي، كشف مدى قوة الفاعلين الحقيقيين في تحريك الأحداث من وراء الستار. الأمر الذي أكد لفئات واسعة من الشعب المصري الغاضبة أن التخلص من رئيس النظام الظالم، لا يعني بالمرة نهاية الحكم الديكتاتوري وانتهاء عصر المصالح والامتيازات اللامتناهية على حساب المزيد من فقر وقهر الغالبية العظمى من الشعب المصري. ولعل ما أجج المشاعر، استمرارية الوضع على حاله، ومن ذلك الطريقة التي تمت بها محاكمة مبارك في جلسات مغلقة، غير آبهة بالشعب المغيّب عنها، ولقد كشف على سبيل المثال نقله بطائرة مروحية وكأنه مايزال رئيسا للبلاد. كما أن آداء الشرطة العسكرية لوزير داخليته وضباطه الست التحية العسكرية، إستمرار عمل النظام القديم بوسائله المعهودة. ولعل الغضب الشعبي العارم، جاء مفعما بالقلق الشديد من التلاعب بنتيجة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بما يمكن من إيصال فلول رئيس جديد يصدر أمرا رئاسيا، يعفو بموجبه عن مبارك سواء لدواعي كبر السن أو المرض أو لأسباب إنسانية أخرى، في حين أن محمود مرسي مرشح الإخوان المسلمين، استغل حالة الغضب الشعبي هذه، ليعلن تعهده بإعادة محاكمة مبارك في حالة فوزه بالرئاسيات المصرية، الذي قد يمنعها عنه تشكيل مجلس رئاسي لقيادة البلاد، كما تسعى إلى ذلك قيادات وأحزاب وجمعيات المجتمع المدني، التي لم تجد لها مكانا في الهيئة التشريعية المنتخبة. وفي كل الأحوال، فإن الحكم في قضية مبارك، مثله مثل الدفع بأحمد شفيق ، يبدو وأنه يأتي بنتائج عكسية، تصب في مصلحة مرشح الإخوان للفوز برئاسة مصر، خاصة بعدما تأكد بأن مجريات الأمور تسير في اتجاه تخطي الثورة وإفراغها من مضمونها الحقيقي، سواء فيما يتعلق بالقصاص لقتلاها أو القضاء على الفساد المستشري أو من حيث تحقيق الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. وغيرها من المطالب الأخرى التي يعني الوصول إليها الانتصار الحقيقي للثورة المصرية..!