منذ خطاب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في جامعة القاهرة، بدعوة من شيخ الأزهر السابق، تصاعد الحديث عن «تجديد الخطاب الديني» ويقصد به حصريا: الدين الإسلامي. وعندما بدأتُ الكتابة لتسجيل تحفّظاتي على هذه الدعوة المشبوهة، عاجلني السفير الجزائري في قطر مصطفى بوطورة بهذا المقال للكاتبة الأردنية إحسان الفقيه، ووجدت أنّني لن أكون أكثر منها قدرة على تناول القضية، ومن هنا أضع المقال تحت تصرف القراء مع بعض الاختصار. تقول الكاتبة الفاضلة: هل صار علينا أن نحاكم الصحابة لكي يُقال أنّنا نجدّد الخطاب الإسلامي؟ وهل صار على المسلم أن يُمزّق قرآنه ليقال أنه يُحسن التعايش مع الآخرين؟ أنا لَستُ من العلماء ولست من فقهاء العقيدة ولكني أرى أن عبارة «تجديد الخطاب الإسلامي» التي يَتغنى بها البعض هي تعبير مُبطن عن الردّة، فالإسلام ليس عُلبة «بيبسي كولا» تحتاج الى إعادة تسويقها بطريقة مُبتكرة. يبدو العنوان صادما ولكني تعمّدت أن أستهل سُطوري بسؤال لمُدعي الإسلام، الذين يرتلون مزامير تحسين صورة الإسلام وإعادة تجديد الخطاب الإسلامي، أقول لهؤلاء: هل يتجرّأ أحدكم للقول بأن أفكار الحاخام «عوفاديا يوسف» تشوّه اليهودية وعلى اليهود البراءة منه وتصحيح الخطاب..؟ الحاخام يقول بالنص في خطبة بثّتها الفضائيات الإسرائيلية: «إنّ اليهودي عندما يقتل مسلما فكأنما قتل ثعبانا أو حشرة، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن كلاّ من الثعبان أو الحشرة خطر على البشر، لهذا فإن التخلص من المسلمين مثل التخلص من الديدان أمر طبيعي أن يحدث»، وفي التلمود: «إذا دخلت ال باسمنا فقط نحن المسلمين، فلم يتجرأ أحد على أن يقول، ولو همسا، بأن القس «لاس كاساس» كان أكبر النَخّاسين في عصره، وهو الذي كان يقود تُجار الرقيق الذين قاموا بخطف وترحيل ما بين 15 إلى 40 مليوناً من الأفارقة حيث تم بيعهم كعبيد، وكان يصاحب كل سفينة قسيس ليقوم بتنصير العبيد مقابل مبلغ مالي يتقاضاه عن كل رأس. ولكن الكل يتسابق ليكتب عن كذبة مزعومة يقصد منها تشويه الإسلام. هل يتجرّأ أحد أن يكتب حرفا عن البابا «يوجينياس» الرابع الذي أعلن رعايته لحملات الاستعباد التي يقوم بها الملك «هنري» في أفريقيا!! وفي الفترة من 1450 حتى 1460، عقد البابا نكولا الخامس وكالكاتاس الثالث صفقة لاسترقاق الأفارقة مقابل تنصير العبيد ودفع 300 كراون للكنيسة عن كل رأس، بل أرسل أحد الأساقفة سفينة لحسابه في إحدى الحملات لاصطياد العبيد باسم الرب. وإذا كان الإسلام انتشر بحد السيف (كما زعموا) فإن المسيحية انتشرت عن طريق الإبادة الجماعية باسم الرب، ولم يجرؤ أحد أن يدعي بأنّ ذلك شوّه المسيحية، ولم نصفها بالإرهاب عندما تمّ تخفيض عدد سكان المكسيك من 30 مليونا الى 3 ملايين خلال 20 عاما فقط. لم تتشوّه المسيحية بدعوة بوش الذي وقف وأعلن أنها حرب صليبية، فغزا العراق ليحصد أربعة ملايين ضحية، ولكن إسلامنا يجب أن يحاكم ونحرق كتبه لتجفيف منابع التطرف..!! ولم نتّهم المسيحية بالإرهاب يوم وقف البابا أوربان الثاني ليشعل شرارة الحروب الصليبية التي حصدت أرواح الملايين. لم نسمع أحدا تحدث عن الهندوس والهندوسية وقد بلغ عدد ضحايا العبودية الحديثة في الهند لوحدها 14 مليون شخص وفق مؤسسة «ووك فري فاونديشن»، ولم نسمع أحدا طالب بتصحيح الهندوسية، ولكن علينا أن نحاكم الإسلام لأنه منع المثليين من ممارسة ما تدينه كل الديانات. الهوان الذي نعيشه لم يكن نتيجة ضعف ولكن دياثة بني جلدتنا هي التي جعلت زنادقة الأرض يجتمعون على الأمة كما تجتمع الغربان على جثة ميتة، وكما تجتمع الضباع على فريستها. ولأنّنا ضعفاء، فإن الضعيف عليه أن يدفع الثمن. وتزداد الفجيعة عندما تعرفون أن التنازلات التي تمس العقيدة لا ولن تنتهي. فقد سمعت أحدهم يقول إنّ «محمدا كان دكتاتورا عندما أمر بإزالة الأصنام من حول الكعبة فتسبّب في إلغاء الآخر ومنع التعددية وحرية الرأي…!!». هنا مربط الفرس ولكن قومي لا يفقهون صفحات التاريخ تكرر نفسها يصادف هذا اليوم الذكرى 20 لحرب الإبادة التي شنّها الصليبيون الصرب على مسلمي البوسنة، واستشهد فيها 300 ألف مسلم. واغتصبت فيها 60 ألف امرأة وطفلة مسلمة.. وهجر مليون ونصف مسلم.. هل نذكرها؟ أم عصفت بها رياح النسيان؟؟ لم أننا لا نعرف عنها شيئا أصلا؟! مذيع «سي إن إن» يتحدث عن ذكرى المجازر البوسنية، ويسأل (كريستيانا أمانبور) المراسلة الشهيرة: هل التاريخ يعيد نفسه؟ فتجيب: كانت حربا قروسطية، قتل وحصار وتجويع للمسلمين، وأوروبا رفضت التدخل. أستمر «الهولوكوست» ضد الإسلام والمسلمين نحو 4 سنوات، هدم الصرب فيها أكثر من 800 مسجد، بعضها يعود بناؤه إلى القرن السادس عشر الميلادي وأحرقوا مكتبة سراييفو التاريخية.. تدخلت الأممالمتحدة فوضعت بوابين على مداخل المدن الاسلامية مثل غوراجدة وسربرنيتسا، وزيبا لكنها كانت تحت الحصار والنار.. فلم تغن الحماية شيئا. وضع الصرب آلاف المسلمين في معسكرات اعتقال وعذبوهم وجوعوهم، حتى أصبحوا هياكل عظيمة..! ولما سئل قائد صربي: لماذا؟ قال: إنهم لا يأكلون الخنزير! نشرت الغارديان أيام المجازر البوسنية، خريطة على صفحة كاملة، تظهر مواقع معسكرات اغتصاب النساء المسلمات.. 17 معسكرا ضخما بعضها داخل صربيا نفسها.. اغتصب الصرب الأطفال. طفلة عمرها 4 سنوات، والدم يجري من بين ساقيها.. ونشرت الغارديان تقريرا عنها بعنوان: الطفلة التي ذنبها أنها مسلمة.. الجزار «ملاديتش» دعا قائد المسلمين في «زيبا» إلى اجتماع.. وأهدى إليه سيجارة، وضحك معه قائلا، ثم انقض عليه وذبحه.. وفعلوا الأفاعيل بزيبا وأهلها.. لكن الجريمة الأشهر كانت حصار «سربرنتسا». كان الجنود الدوليون (الصليبيون) يسهرون مع الصرب، ويرقصون، وكان بعضهم يساوم المسلمة على شرفها مقابل لقمة طعام.. حاصر الصرب سربرنتسا.. سنتين.، لم يتوقف القصف لحظة. كان الضرب يأخذون جزءا كبيرا من المساعدات التي تصل إلى البلدة، ثم قرر الغرب تسليمها للذئاب، الكتيبة الهولندية التي تحمي سربرنتسا تآمرت مع الصرب. ضغطوا على المسلمين لتسليم أسلحتهم مقابل الأمان.. ! رضخ المسلمون بعد إنهاك وعذاب.. وبعد أن اطمأن الصرب، انقضوا عل سربرنتسا، فعزلوا ذكورها عن إناثها، جمعوا12000 من الذكور، صبيانا ورجالا فذبحوهم جميعا ومثلوا بهم. من أشكال التمثيل: كان الصربي يقف على الرجل المسلم فيحفر على وجهه وهو حي صورة الصليب الأرثوذكسي (من تقرير لمجلة نيوزويك أو تايم).. كان بعض المسلمين يتوسل إلى الصربي أن يجهز عليه من شدة ما يلقى من الألم..! أما النساء فاعتدي على شرفهن وقتل بعضهن حرقا.. وشرد أخريات في الآفاق. وبعد ذبح سربرنتسا.. دخل الجزار «رادوفان كاراجتش» المدينة فاتحا وأعلن: سربرنتسا كانت دائما صربية وعادت الآن إلى احضان الصرب. كان الصرب يغتصبون المسلمة ويحبسونها 9 أشهر حتى تضع حملها، لماذا؟ قال صربي لصحيفة غربية: نريد أن تلد المسلمات اطفالا صربيين (Serb babies) لن ننسى، لن نعفو ولن نصدق أبدا أبدا شعارات التسامح والتعايش وحقوق الإنسان.. في غمرة القتل في البوسنة كتبت صحيفة فرنسية: يتضح لنا من تفاصيل ما يجري في البوسنة أن المسلمين وحدهم هم الذين يتمتعون بثقافة جميلة متحضرة.. وهنا يجب أن نسجل بمداد من العار.. مواقف العجوز الأرثودكسي (بطرس غالي) الذي كان وقتها أمين الأممالمتحدة، والذي انحاز بشكل سافر إلى إخوانه الصرب.. كان الصرب يتخيرون للقتل علماء الدين وأئمة المساجد والمثقفين ورجال الأعمال وكانوا يقيدونهم، ثم يذبحونهم ويرمونهم في النهر..! لكننا بعد 20 عاما لم نتعلم الدرس. وتعليقا على تطاول الرئيس الفرنسي: ماذا لو أن حاكما عربيا أصبح مادة للسخرية في بلاد الغرب، وعلّقت رسوم مسيئة له على واجهات المباني «الرسمية» وتم تداولها رسميا وبرعاية حكومية؟ ماذا سيكون موقف وسائل الإعلام في دولته؟ أو لن تنطلق أبواقه بالصراخ وبمطالبات مقاطعة منتجات الدولة المسيئة لجناب الرئيس أو الأمير أو الملك، بل وبسحب السفير منها؟! إحسان الفقيه- بتصرف
وبعد، هل بقي ما يقال لأصحاب العمائم الذين يتشدّقون بتعبير «تجديد الخطاب الديني» ولا يجرؤون على إضافة توضيح يقول... كل خطاب ديني، أيّا كان الدين، سماويا أو غير سماوي. ولا أملك إلا أن أقول: سلمت الأنامل النبيلة للكاتبة الأردنية التي لم أتشرّف بمعرفتها، وتبت أيدي أوباش الدين وعلى رأسهم مُعمّم: أنا شارلي.