تحوّلت الإجراءات الوقائية المتخذة من أجل كبح تفشي فيروس «كورونا» في الجزائر، منذ بداية انتشاره، إلى «كابوس» على الناقلين الخواص الذين أصبحوا بدون دخل مادي جراء تعطل نشاطهم المفروض من قبل الجهات الوصية، لتفادي أي كارثة صحّية قد تضر المصلحة العامة، وهذا رغم الإعانات المالية المقدمة من طرف الدولة، بداية من منتصف شهر مارس المنصرم. تعالت أصوات أصحاب حافلات النقل ما بين الولايات، والناقلين بصفة عامة للمطالبة بعودتهم للنشاط بصفة عادية بعد إغلاق أنهكهم وجعلهم يخرجون للاحتجاج، يوم 6 ديسمبر، أمام مندوبي وسيط الجمهورية عبر 48 ولاية لاسيما وأن عدد كبير منهم لم يتحصل على أي سنتيم من المنحة التي خصصتها الدولة لهم جراء توقفهم عن النشاط، امتثالا لاجراءات الوقاية من تفشي كوفيد-19. واقع يعاني منه كذلك المواطن البسيط الذي أصبح يتنقل من ولاية إلى ولاية عبر سيارات «الكلونديستان» وبأسعار مضاعفة إلى ثلاث مرات من أجل أن يصل لمقر عمله، وهذا ما يحصل مثلا في البليدة، العاصمة وحتى تيزي وزو وولايات 0خرى غرق فيها المواطن في مستنقع الزيادات التي أتعبت جيبه وأضحت تهدد استقراره المادي والمعنوي، وهذا وسط تمديد فترة الحجر الصحي من قبل السلطات العليا لمدة 15 يوما 0خرى مع تخفيف بعض الإجراءات المتصلة به. وبين هذا وذاك وجد الطلبة مع بداية الموسم الجامعي، الثلاثاء الماضي، أنفسهم أمام صعوبة كبيرة من أجل التنقل إلى مؤسساتهم الجامعية بسبب وسائل النقل وعدم وجود حافلات نقل ما بين الولايات، مع فرض اجراءات وقائية صارمة على مستوى حافلات نقل الطلبة، ما يشكل تهديدا على استمرار الموسم الجامعي رغم الوعود التي أطلقتها الجهات الوصية قبيل انطلاق الدراسة في المؤسسات الجامعية والكليات عبر ولايات الوطن. مصاريف إضافية للمواطن وصف رئيس المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، مصطفى زبدي، الوضعية الحالية التي تسبب بها تعليق نشاط النقل ما بين الولايات بالكارثي على جميع الأصعدة وغير مريح، إطلاقا لفئة كبيرة من المواطنين، سواء تعلق الأمر بالعمال، الطلبة أو حتى المرضى الذين يتنقلون من ولاية إلى 0خرى من أجل العلاج، حيث حتم عليهم هذا الواقع مصاريف إضافية بعد أن أضحى التنقل ب «الكلونديستان» مكلفا للغاية وبضعف السعر العادي، ما يوجب على الجهات الوصية إيجاد حل يخدم الجميع. وفي هذا السياق شدّد زبدي في اتصال هاتفي مع «الشعب» عدم مناقشة الاجراءات الوقائية التي اتخذتها اللجنة العلمية لرصد ومتابعة فيروس كورونا في الجزائر، لأنهم أدرى بما يجب أن يكون والعمل عليه، ليستدرك بقوله: «لكن ما نراه في الأرض الواقع وإن كان المبتغى منه ضمان التباعد الجسدي فإن هنالك وسائل 0خرى يتنقل بها المواطن من ولاية إلى 0خرى عن طريق السيارات وبطرق مختلفة». ودعا رئيس المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، السلطات الوصية، لإقرار عودة نشاط النقل ما بين الولايات، وهذا باتخاذ اجراءات صحية ووقائية صارمة تساهم في كبح تفشي الفيروس التاجي، مشيرا إلى ضرورة وضع شروط كتحديد عدد الأماكن المخصصة للمسافرين والعمل وفق بروتوكول صحي خاص يمكن للناقل أن يقبل بها ويشرع في العمل وفقها أو يرفضها وينتظر ما تقرره السلطات العليا التي مددت الحجر الصحي والاجراءات الخاصة به. فوضى في النقل بين الولايات وخسائر كبيرة للناقلين أكد رئيس المنظمة الوطنية للناقلين، حسين بوعرابة، أن النقل ما بين الولايات أضحى يعرف فوضى كبيرة ولا يرتكز على أي اجراء خاص بكبح تفشي فيروس «كورونا»، موضحا في هذا السياق:» أنا شخصيا أجد في صفحات الفيس بوك أشخاص يقومون بإعلانات للنقل ما بين الولايات ويضعون أرقامهم للتواصل معهم»، متسائلا في الوقت نفسه: «فمن أين لهم بترخيصات للقيام بذلك؟ هل تقدم تراخيص بالواسطة، أم تراخيص مزوّرة، أم هناك مؤسسة تقدم لهم تراخيص باسمها؟ لست أعلم». وكشف بوعرابة في اتصال هاتفي مع «الشعب» بأن خسائر كبيرة جدا لحقت بالناقلين، منذ تعليق نشاط النقل، لا سيما النقل ما بين الولايات حيث تجد حافلة متوقفة منذ عام، الأمر الذي قد يسبب لها عدة أعطال،كما قد تحتاج إلى 40 مليون سنتيم على الأقل لإصلاحها من جديد، مضيفا: «أكثر من 40 بالمائة من الحافلات يتجاوز عمرها 25 سنة، ضف الى ذلك أن الناقل يعد مواطن ومتضرر، وهذا العمل أي النقل ليس فيه أرباح لأن التسعيرة مقننة من طرف وزارة النقل، وهي تسعيرة رمزية حتى يتم إرضاء المواطن». ناقلون باعوا حافلاتهم و50 % منهم لم يحصلوا على المنحة وفي السياق وبلغة المتحسر، قال رئيس المنظمة الوطنية للناقلين، أن بعض الناقلين الخواص الذي يعملون ما بين الولايات باعوا حافلاتهم من أجل أن يقتاتوا وينفقوا على عائلاتهم، داعيا إلى ضرورة وضع لجنة وطنية تقوم بتحقيقات ميدانية حول وضعية الناقلين، وستكشف أن نسبة 50 بالمائة من الناقلين لم يحصلوا على الاعانات والمنح المالية التي أقرها الرئيس تبون كمساعدة لتجاوز 0ثار الأزمة الصحية التي تسبب بها فيروس «كورونا». وأشار المتحدث إلى أن البعض من الناقلين أصبحوا يتصلون به يبكون ويطالبون بإعادة حركة النقل بين الولايات بعد إعادة نشاط المقاهي والأسواق والحمامات، متعجبا من تسهيل نشاط الناقلين غير الشرعيين «كلونديستان» الذين يعملون جهارا نهارا وبأسعار باهضة حيث يقومون بنقل المسافرين بثلاثة أضعاف تسعيرة الناقلين المرخصين، وهذا دون حسيب أو رقيب، ما يفتح علامات استفهام عديدة عن مدى متابعة الوصاية للوضع ميدانيا. الإدارة تتحمل الجزء الأكبر من معاناة الناقلين في 48 ولاية بوعرابة وفي حديثه مع صحفي «الشعب» حمّل الإدارة في 48 ولاية مسؤولية المعاناة التي أضحت تؤانس الناقلين، منذ بداية، تفشي الفيروس التاجي، موضحا في هذا السياق: «لقد تخلوا عنا، ليست الحكومة من تخلت عنا، لأنها قدمت مايجب تقديمه، لكن الإدارة أو بالأحرى البيروقراطية هي من جعلتنا نعاني كثيرا حيث اشترطت العديد من الوثائق وتحجّجت بعدم توفر المال في الخزينة وهذا في كثير الولايات». وأضاف: «لا أخفي عليك يوجد بعض الولاة هداهم الله وبعض مديري النقل، من وضعوا قوانين لهذه المنحة، حيث كل جهة كيف تتلاعب بالناقلين فهناك من يقول إن الخزينة العمومية فارغة وآخر يقول بعد إعداد الملف»، بالمقابل طالب بضرورة تواجد نقابته في لجان وطنية للمتابعة مع الوالي من أجل كشف المستور ومتابعة الاجراءات الخاصة بمنح الاعانات المالية المتعلقة بوباء «كورونا» والتي تم تحديدها ب 10 ألاف دينار. معاناة.. وفي سياق 0خر، أفاد بوعرابة بأن النقل الخاص في الجزائر يمثل 95 بالمائة ويقوم بنقل يوميا 12 مليون مواطن، ما يجعلنا نستنج المعاناة التي لحقت بهم بسبب تعليق نشاط النقل جراء تفشي «كورونا»، وهذا على كافة الأصعدة سواء مادية أو بالتنقل الذي أضحى صعبا للغاية، متابعا: «إذا توقفنا عن نشاطنا مستقبلا، هل يمكن للحكومة أن تنقل 12 مليون مواطنا في اليوم؟ وهل يمكن أن تقتني 80 ألف حافلة جديدة؟ لهذا يجب إعادة النظر في عديد الأمور». قرار عودة النقل بين الولايات بيد الحكومة من جهته ربط عضو اللّجنة العلمية لرصد وتفشي فيروس كورونا في الجزائر، محمد بركاني بقاط، اتخاذ قرار عودة نشاط النقل ما بين الولاية بالحكومة التي لها كل الصلاحيات من أجل إقرار أي اجراء يخدم الصالح العام في الوقت المناسب، ليقول: « لا يجب أن نخفي تضرر المواطن من توقف النقل، لكن هنالك تخوف كبير من انتشار الوباء في ظل عودة الطلبة للجامعات والدخول المهني ما يخلق تحركا كبيرا، لهذا سننتظر عودة انخفاض الاصابات اليومية من أجل فرض بروتوكول صحي خاص يتابع عودة نشاط الحافلات. وشدد بركاني في اتصال هاتفي مع «الشعب» على عدم وضع تسهيلات تساهم في عودة ارتفاع الاصابات مثلما شاهدناه، خلال الأسابيع الماضية حيث فاقت ألف حالة يوميا، لأنه يجب أن نعلم أن الخطر يكمن حين يتنقل المسافر في الحافلة من ولاية «الوادي إلى العاصمة» مثلا، وبالتالي يسهل نقل العدوى ما بين المسافرين نظرا للعدد الكبير من المقاعد.