تعزز الدور الدبلوماسي للجزائر على الساحة الدولية منذ تولي رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون مقاليد الحكم، لاسيما في تسوية النزاعات الشائكة بفضل الوسطية والحياد، الذي طبع رصيدها الدبلوماسي منذ الاستقلال، ما أهلها لأن تلعب دورا مهما في مسار تسوية عديد النزاعات الجهوية. عرفت الساحة الدبلوماسية الجزائرية نفسا جديدا في عهد الرئيس تبون، الذي أكد حرصه على إعادة إحياء صورة الجزائر على الساحة الدولية، من خلال إعادة تفعيل دبلوماسيتها التي بنت مبادئها على ترقية الحلول السلمية للنزاعات وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها ووحدتها وحق الشعوب في تقرير مصيرها والتصرف في ثرواتها. وأكد الرئيس تبون في عديد المناسبات على أن «مصداقية ونزاهة الدبلوماسية الجزائرية « يخولانها لأن «تلعب دور الوسيط» في حل مختلف الأزمات والقضايا الإقليمية والدولية. المقاربة الجزائرية في ليبيا ومالي أكدت نجاعتها تجسدت أولى التحركات الدبلوماسية الجزائرية في مشاركة رئيس الجمهورية تارة ورئيس الدبلوماسية صبري بوقدوم تارة أخرى، في عديد اللقاءات للنظر في الأزمات المستعصية، لاسيما تلك التي تشكل تهديدا لأمنها القومي. فكانت البداية مع الأزمة الليبية، التي شكلت أولوية للقيادة الجزائرية، لاسيما بعد التطورات الخطيرة التي عرفتها الأوضاع في الدولة الجارة، حيث جددت عديد الأطراف الفاعلة في الأزمة على المقاربة الجزائرية التي مافتئت تنادي بضرورة حل سياسي للأزمة من خلال حوار ليبي-ليبي يضم كل الأطراف في البلد تحت رعاية الأممالمتحدة، يفضي إلى بناء مؤسسات شرعية عبر انتخابات نزيهة وشفافة تقود ليبيا إلى بر الأمان. وهو ما أكد عليه الرئيس تبون خلال مشاركته في مؤتمر برلين، بدعوة من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في يناير الماضي، مبرزا دور «التدخل السلبي» في عودة ظهور العنف في ليبيا، مطالبا المجتمع الدولي، لاسيما أعضاء مجلس الأمن، بتحمل مسؤولياتهم لضمان السلام والأمن في ليبيا مع احترام سلامتها الوطنية وسيادتها الإقليمية. ولم تغفل الجزائر مجريات الأحداث التي طرأت في مالي، البلد الذي تتقاسم معه 1329 كلم والذي يشهد هو الآخر أزمات أمنية وسياسية تهدد أمن واستقرار الساحل الإفريقي، حيث كانت قد ساهمت من قبل في إطار المساعي الأممية لاستقراره من خلال مرافقة الفرقاء الماليين للتوقيع على اتفاق السلم والمصالحة في 2015. وجددت الجزائر في 2020 التزامها بمرافقة مسار التحول السياسي الحالي عقب التغيير «غير الدستوري» الذي جرى في 18 أوت الماضي والذي أفضى إلى إعلان المجلس العسكري الحاكم تعيين العقيد المتقاعد، وزير الدفاع السابق، باه نداو رئيسا للدولة خلال المرحلة الانتقالية في البلاد. ودعا الرئيس تبون، في شهر سبتمبر، إلى ضرورة احترام اتفاق السلام والمصالحة الوطنية الناتج عن مسار الجزائر والذي يظل –بحسبه- «الإطار المناسب لمواجهة تحديات الحكم السياسي والتنمية الاقتصادية في هذا البلد»، وهو الموقف الذي عكس برأي مراقبين مركزها القوي كفاعل إقليمي مؤثر. نصرة قضايا التحرر عقيدة ثابتة شكلت قضايا التحرر أهم المسائل التي رافعت من أجلها الجزائر، باعتبارها أحد الثوابت النابعة عن مبادئ ثورتها المجيدة التي لم تحد عنها يوما، وهو الذي انعكس على مسيرتها الدبلوماسية، لاسيما فيما يخص القضيتين الفلسطينية والصحراء الغربية. إن التطورات التي طرأت على القضية الفلسطينية، لاسيما ما يعرف بصفقة القرن التي اقترحتها إدارة الرئيس الأمريكي المغادر دونالد ترامب، تلاها إعلان عديد الدول العربية والإسلامية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، دفعت من جديد بالدبلوماسية الجزائرية للتحرك والتأكيد على رفضها لهذه «الصفقة»، الرامية إلى إنهاء القضية الفلسطينية، مجددة من خلال خارجيتها دعمها القوي والدائم للقضية ولحق الشعب الفلسطيني الشقيق غير القابل للتصرف أو السقوط بالتقادم في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وبعد أسبوع من إعلان التطبيع من بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني، جاء رد الجزائر واضحا وصريحا لا لبس فيه، من خلال تأكيد الرئيس تبون على»أن مواقف الجزائر ثابت إزاء القضية الفلسطينية»، مضيفا أنها «قضية مقدسة بالنسبة إلينا وإلى الشعب الجزائري برمته»، معربا عن أسفه بشأن «الهرولة للتطبيع». وكعادتها تبقى الجزائر وفية لمبادئها التحريرية أيضا فيما يخص مسألة الصحراء الغربية التي عرفت هي الأخرى تطورات خطيرة في 2020، عقب العدوان العسكري المغربي في 13 نوفمبر الماضي على المتظاهرين السلميين في الكركرات أقصى الجنوب الغربي للصحراء الغربية. وحذر وزير الشؤون الخارجية من أن هذه الأحداث «شكلت تحديات خطيرا يمكن أن تعرض السلام والأمن في المنطقة بأكملها للخطر». ووعيا منها بأهمية التموقع القاري، وضرورة تفعيل دور الاتحاد الإفريقي لتسوية الخلافات في البيت الإفريقي، دعت الجزائر، على لسان رئيس دبلوماسيتها، خلال أشغال الدورة الاستثنائية الحادية والعشرين للمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي، مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي الى ضرورة أن «يتحمل مسؤولياته» في الصحراء الغربية وسط «الفشل التام لآلية الترويكا». ونظرا للمكانة والوزن الذي تحظى به الدبلوماسية الجزائرية على المستوى القاري، فقد كان لاقتراح الجزائر آذانا صاغية في الاتحاد القاري، حيث قرر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في ديسمبر، استعادة ملف الصحراء الغربية، معلنا عن عقد اجتماع قريبا، للنظر في تطورات القضية. على الصعيد الأممي لم تكتف الجزائر بموقف المتفرج، بل دعت إلى ضرورة إعادة الدفع بملف الإصلاح الشامل للمنظومة الأممية من أجل تحسين أدائها وتعزيز كفاءاتها وهو ما أكد عليه رئيس الجمهورية خلال مشاركته عبر الفيديوكونفرنس في الدورة العادية الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في سبتمبر الماضي.