أسالت مسألة الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال استقدام موارد من السيولة المالية القوية لتمويل مشاريع محددة الكثير من الحبر بين مبالغ في الرهان عليها كخيار أوحد يخرج الاقتصاد الوطني من عنق الزجاجة من جهة، ومتحفظ يعتقد أن الرأسمال الأجنبي لا يمكنه أن يمثل سوى إضافة نوعية للرأسمال الوطني المرتكز على الموارد المالية العمومية التي تشكل الجانب الأكبر للاستثمارات خاصة في البنية التحتية والتمويلات الموجهة للقضايا السوسيواقتصادية من جهة أخرى، بينما القطاع الخاص لا يزال مشتتا تائها لم يضبط معادلة المصلحة الخاصة ونظيرتها العامة. حقيقة لا يمكن انتظار الغير لتحقيق النمو المطلوب خاصة وان الأزمة المالية العالمية تضرب في طريقها كل البلدان التي تتعطل عجلتها الاقتصادية. هذه العجلة ينبغي أن تستمر في الحركة مهما كانت الوتيرة وإن كان المطلوب أن ترتفع بشكل مضطرد بالارتكاز أولا على الموارد المحلية، وثانيا التوظيف العقلاني والفعال للموارد الأجنبية التي تستهدف استثمارات اقتصادية واضحة ومنتجة للثروة تتكفل باحتياجات وطنية بالأساس، ولديها قدرة على التنافسية في الأسواق الإقليمية والعالمية التي تعرف إعادة ترتيب للأوراق بما اخلط حسابات الكثيرين. وهنا يرتقب أن تكون للمنظومة البنكية نهجا تمويليا جريئا يتجاوز مجرد تقسيم للقروض التمويلية، بل الحاجة ملحة لإنشاء بنوك استثمارية تقوم على معايير دولية يديرها أكفاء مهنيين ولكن أيضا أوفياء للمجموعة الوطنية لا يفرطون في دينار واحد من المال العام. تتوفر الجزائر على إمكانيات وموارد تحسد عليها خاصة في هذا الظرف العالمي الذي تراجعت فيه مؤشرات النمو بشكل يدق فيه ناقوس الخطر، مما يستدعي درجة عالية من اليقظة الاقتصادية خاصة المالية والاستثمارية منها من اجل جذب لا يتوقف للمستثمرين الاحترافيين من كافة جهات العالم وإشراكهم في الديناميكية التي تعرفها دواليب الاستثمار المحلي خاصة وان الضمانات القانونية والتحفيزات التنظيمية مثيرة للاهتمام وقد تكون أكثر تنافسية مقارنة بأسواق أخرى. ولعل البرنامج الاستثماري العمومي الذي يشمل مختلف القطاعات خير دليل على أن السوق الجزائرية اكبر بكثير من ان تختزل في مجرد سوق استهلاكية تنشط وتيرة إنتاج الغير. أين القطاع الوطني الخاص من مشاريع استثمارية تسيل اللعاب لدى العارفين بقاعدة الربح والخسارة؟، ومن هؤلاء من أدركوا منذ بداية الانفتاح حسن استعمال الفرص واقتناص المشاريع ليحققوا حصيلة تتجاوز طموحاتهم بكثير بينما يبقى جانب معتبر من المتعاملين الوطنيين الخواص في حالة تخندق بينما يداهمهم تيار منافسة لا تعترف بالفراغ. ومن الطبيعي التساؤل إن كان الأمر يتعلق بعقدة الخوف من المغامرة، أم نتيجة ثقافة ارتباط مصيري بالرأسمال العام للدولة ومواصلة ارتداء عباءة الحماية. هذا الأخير الذي لا يمكن أن يستمر في سياسة اجتماعية للقطاع الخاص ما عدا لتلك المؤسسات القليلة التي انخرطت منذ البداية في عملية إنتاج القيمة المضافة دون الركون في خندق المطالبة بالدعم بل تحسن توظيفه لاكتساب مناعة المنافسة الأجنبية القادمة حتما غداة الانضمام الوشيك إلى منظمة التجارة العالمية.