غاص كمال بوشامة، السفير والوزير الأسبق، في النظام السياسي الجزائري الذي ظل محلّ تطور مستمر منذ 1 نوفمبر، حتى الآن. وشرح بوشامة في ندوة نقاش بيومية «الشعب» حول ''الجزائر بعد 50 سنة من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية''، مختلف محطات عرفها النظام السياسي، وطبعت مساره. وحسب بوشامة في مداخلته ونقاشه حول ماذا تحقق، وماذا ينتظر، فإن هناك مغالطات كثيرة تروّج عن الجزائر من أناس ينظر كل واحد في تحليله من زاوية ذاتية خالية من الواقعية، عكس كتابات أخرى، ونظرات تعطي الأشياء حق قدرها من العناية والإهتمام ولا تخطئ الحسابات بترديد شعارات وعبارات (الكل ليس على ما يرام). ويرى بوشامة الذي عايش مختلف التطورات الجزائرية من داخل النظام السياسي، وتولى حقائب وزارية ومسؤوليات قيادية على مستوى (الأفالان)، أن التوجه الذي سلكته البلاد غداة الاستقلال، نابع من مضمون أول نوفمبر المشدد على بناء دولة ديمقراطية إجتماعية في إطار إسلامي. ومعناه أن خيار الإشتراكية لم تفرضه جماعة، إنفردت بالحكم والقرار، لكن إعتمد حسب المرجعية الثورية، لإنهاء التبعية للمستعمر، وكسب كيان مستقبل له هويته وإنتماءه. ويظهر من إسم الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، كيف أن هذا النهج، يعبّر عن البديل الثالث الذي إتبعته دول حاولت الحفاظ على خصوصية النموذج الإنمائي السياسي. وتظهر هذه التجربة بالخصوص عند الدول الأوروبية حاملة الديمقراطيات الإشتراكية في يوغوسلافيا تحديدا، لم تندمج كلية في النموذج السوفياتي، أو غيره. وتظهر هذه التجربة كذلك في الصين، عندما حملت إسم جمهورية الصين الشعبية على يد ماوتسي تونغ. ولا ننسى كيف تلقت هذه التجارب الصدى، وقدمت السند الكبير للجزائر التي حاربت مستعمر إستيطاني وقهرته، وكانت حاضرة في المحافل الدولية بدء من باندونغ إلى بلغراد، حيث تنامت فكرة حركة عدم الإنحياز. يضاف إلى هذا الطرح، حسب بوشامة، أن الجزائر التي خرجت من حرب ضروس لم تكن لديها بورجوازية يعوّل عليها في بناء نموذج ليبيرالي ومصانع.. فكانت التأميمات الأولى في عهد بن بلة للبنوك، والمناجم، ثم المحروقات مع بومدين حتى المركبات الصناعية، التي أكسبت البلاد قطبا وذهبية إلى درجة أدرجت ضمن الدول في طريق النشأة مثل إسبانيا، البرتغال، كوريا وغيرها... لكن التحول الفجائي ما بعد بومدين، والإستراتيجية المعتمدة، لم تكن في مستوى الطموح والآمال، فبدأت الإنهيارات والإنكسارات، حتى أكتوبر وما بعده.. وأدركت الجزائر عندها، أن الإصلاحات الجذرية ضرورية لإستقامة الوضع والخروج الأبدي من الإنتقالية الدائمة. ويجد هذا الخيار ترجمة ميدانية في حكم الرئيس بوتفليقة الذي فهم اللعبة، وقرأها جيدا، وأدرك أن هذه الإصلاحات التي تكرّس الشرعية الدستورية، هي أكبر ضمانا للبلاد، وأقوى خيارا لها في ظل عولمة زاحفة، وحسابات جيوسياسية وإستراتيجية خطيرة عن الأمن الوطني، وما يجري في دول الجوار هو البرهان.