تعد المناضلة بفيدرالية جبهة التحرير بفرنسا والممرضة المتقاعدة سليمة صحراوي بوعزيز، إحدى المجاهدات اللائي كافحن إبان الثورة وغداة الاستقلال من أجل إعادة بناء الجزائر، والتي استعرضت في حديثها ل«الشعب» المهام المتعددة التي أوكلت لها، ولرفيقاتها في الكفاح. مؤكدة أن الثورة الجزائرية هي أعظم ثورة في العالم.وبالمقابل، أعربت عن استيائها للوضعية الاجتماعية التي آلت إليها الجزائر من غياب العدالة الاجتماعية التي أدت الى هجرة الكثير من شبابنا وإطاراتنا، لكنها أبدت افتخارها وثقتها بشباب اليوم الذين حسبها أظهروا في العديد من المناسبات حبهم للوطن. «الشعب»: بداية سيدتي الكريمة، حدثينا عن مسيرتك النضالية بفيدرالية جبهة التحرير بفرنسا؟ المجاهدة سليمة صحراوي بوعزيز: تم الاتصال بي للنضال داخل فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا في نوفمبر 1957 بباريس، في الوقت الذي كنت قد استأنفت دراستي لأصبح معلمة التربية البدنية، وذلك بعد نهاية إضراب الدراسات الذي رأيته في الجزائر منذ ال19 ماي 1956، لقد بدأت النضال في شبه سرية لغاية ماي 1958، ثم السرية التامة، أي بوثائق هوية مزورة وبدون مسكن محدد لغاية الاستقلال الوطني، كنت عضوة دائمة في المنظمة الخاصة. ما بين ال05 جويلية ونهاية أوت 1962، واصلت نضالي (بدون سرية لان الحرب كانت قد انتهت) داخل قسم النساء بباريس، ليون، مارسيليا مهمتنا كانت التحضير للدخول الى الجزائر للمشاركة بأكبر قدر ممكن من الفعالية، كل واحدة في مجال اختصاصها، على إعادة بناء بلدنا الذي دمرته سبع سنوات من الذبح والتدمير والهجرة الجماعية التي تديرها الأقدام السوداء. ما هي المهام التي أوكلت لك داخل فيدرالية جبهة التحرير بفرنسا؟ يمكنني ذكر البعض من نشاطاتي، لكن يجب أن ندرك أنه خلال خمس سنوات من العمل السري، وكنت نشطة لوقت كامل بما أنني كنت عضوا دائما، قمت بتنفيذ التوجيهات التي أعطيت لي من طرف المسؤولين، مثلا: أعمال الأمانة، الضرب على الآلة الراقنة، وحفظ الوثائق وتحرير النصوص (بأوامر من طرف المسؤولين) واستعراض الصحف التي تعالج مقالات عن الجزائر، نقل المال والوثائق، النقل في سيارة التي تأثرت بها «من نوع رونو دوفين» إطارات الفيدرالية وحقائب من الوثائق. ومرافقة المسؤولين الى أماكن عقد الاجتماعات أو الاتصال بالجزائريين أو الفرنسيين أصدقاء قضيتنا، والمشاركة في الاجتماعات السياسية مع شخصيات فرنسية أو أجنبية (حيدر بامات، ميشال رابتي، سيمون دوبفوار، جون بول سارتر، أندري ماسون، ميشال ليريس، ايمي سيزار... وأعضاء من شبكة جونسن اكيري). تحرير كتاب برفقة الأخ رابح بوعزيز مسؤول المنظمة الخاصة، بعنوان «استعمارية الاغتراب ومقاومة العائلة الجزائرية» وبأسماء مستعارة للمؤلفين «سعدية لخضر». هذا الكتاب نشر في أوت 1961 بلوزان وبجريدة «مطابع المدينة» لمديرها نيلس أندرسن الذي ساند ثورتنا. وقام جون بول سارتر باختيار مقتطفات ونشرها في مجلته «العصور الحديثة» في شهر جوان 1961، هذا المؤلف تم بثه بفيدرالية فرنسا وأرسل الى الصحف والسفارات والقنصليات للدول الصديقة. يجب أن تعلموا أن الدعاية السياسية والدبلوماسية كانت احد مهام فيدرالية فرنسا الأكثر أهمية لكسب تعاطف الشعوب ومن أجل الحصول على إدانة فرنسا والدول الأعضاء بمنظمة الأممالمتحدة. زيادة على ذلك، فقد أوكلت لي مهام التكفل بالمناضلات اللائي حررن من السجن أو الجاري البحث عنهن بهدف معالجتهن (إذا كن بحاجة لذلك) إسكانهن وضمان لهن تكوين مهني، وذلك بألمانيا وسويسرا. وكذا الاتصال بالرياضيين الجزائريين ذوي مستوى عال لمغادرة الفريق الفرنسي وينخرطون في جبهة التحرير الوطني بتونس. وابتداء من سنة 1960 وبقرار من اللجنة الفيدرالية كلفت وأنا ناشطة بالمنظمة الخاصة بتنظيم النساء في المهجر في «قسم النساء» بالشروع في تنظيم المناضلات الناشطات من قبل في العمل المسلح لكن بصفة فردية. وبالمقابل، فقد شاركت في اجتماعات مع شخصيات فرنسية وأجنبية لشرح كفاحنا وإقناعهم بمساعدة نضالنا على حسب إمكانياتهم: الإيواء، كراء المساكن أو السيارات بأسمائهم، مختلف النقل، مخابئ، الإعلانات السياسية العامة للدعم، إدانة التعذيب والتدخل للمطالبة بالعفو عن الأحكام بالإعدام. وقمت رفقة المناضلات بقسم النساء بتنظيم الاستقبال الباهر لحفل ال5 جويلية 1962 بفندق «لوتيا» في قلب باريس، مهدى للنساء الفرنسيات اللائي ساندن القضية الجزائرية. وبالنسبة للمناضلات الأخريات؟ وبالنظر الى العمل السري وقواعده الصارمة في التقسيم وعدم الكشف عن الهوية لم التق بالكثير من المجاهدات ما عدا الطالبات اللائي التقيتهن في بداية عملي داخل الجبهة. لكن من خلال خبرتي في العمل السري ومهامي كمسؤولة عن قسم النساء يمكنني القول أن النساء والعائلات الجزائرية في أغلبيتهن شاركن في حرب التحرير الى جانب المجاهدين، بعض فتيات والنساء كن مثلي دائمات النشاط، والأكثرية منهن كن ضابط اتصال، وفي مجموعة الصدمات حيث يحملن السلاح قبل العمليات ويسترجعنها عند نهايتها، كما يخبئن المجاهدين ويعالجن الجرحى. بالإضافة الى جمع المال، الأدوية ونقل الأسلحة، مراقبة المواقع أو الاشخاص المشتبه في تعاونهم مع الشرطة الفرنسية، لقد شاركن في نشاطات «الجبهة الثانية» لأوت وسبتمبر 1958 (تفجير مصافي النفط، وضع القنابل في المواقع الاستيراتيجية ببرج إيفل، وبلدية مارسيليا)، وأيضا شاركن بقوة في المظاهرات الكبرى بباريس وبمقاطعة 17 اكتوبر، 20 ديسمبر، 09 ديسمبر 1961 أين واجهوا بشجاعة وشرف البوليس الفرنسي، وهذا بشهادة بعض الصحفيين الفرنسيين. علما أن أكثر المجاهدات ديناميكية عملن داخل قسم النساء التي أنشئت سنة 1960، حيث أن البعض منهن شاركن في بلورة مشروع برنامج العمل لهذا القسم وانجاز دروس لفائدة النساء المهاجرات كدروس محو الأمية، ثقافة عامة، رعاية الاطفال، تسييس والإعلام حول أهداف ثورتنا. وبالموازاة مع ذلك، فان الممرضات ومساعدات الرعاية الطبية المتطوعات دخلوا الى الجزائر في اليوم الموالي لوقف إطلاق النار لمداوات الجزائريين ضحايا المنظمة الإرهابية، وبالتنسيق مع الفريق الطبي وأطباء فرنسيين متطوعين. ما هي التضحيات التي دفعتها في نضالك من أجل القضية الجزائرية؟ لم اشعر بأنني قدمت تضحيات في الكفاح من أجل الاستقلال الوطني، يمكنني القول منذ قراءتي لنداء الفاتح نوفمبر 1954، بحثت الدخول في الكفاح من أجل الاستقلال. والداي كانوا وطنيين وعلموني منذ صغري مساوئ الاستعمار وهذا ما لاحظته يوميا مثل كل الجزائريين: اللاعدل، الفقر، الامراض، الاستغلال، الأمية في حين المستوطنين يتمتعون بكل الحقوق. وعندما التحقت بجبهة التحرير الوطني سنة 1956، طلبت منهم الذهاب الى الجبل وكنت انتظر في نفس الوقت أناضل ضمن الطلبة ثم بالقصبة، لقد انتخبت بحماس وقمت بالإضراب عن الدراسة في ال19 ماي 1956، وبالعاصمة طلب مني مسؤولي بالافلان بجمع المال من العائلات والأصدقاء الذين اعرفهم ومتأكدة من شعورهم الوطني. هذه المهمة التي حاولت إكمالها بشكل أفضل رغم أنها ظهرت لي متواضعة، كان بودي لو منحت لي مهام أكثر خطرا وخاصة الصعود الى الجبل. ولهذا عند رفع الإضراب في سبتمبر 1957، حين ذهبت الى باريس قائلة لأهلي أنني سأكمل دراستي، بحثت في الحين للانخراط في جبهة التحرير الوطني بفرنسا، قضية الاستقلال الوطني (ومازلت أظنها لحد اليوم) بدت لي أكثر أهمية من متابعة دراستي. الامر الذي أتعبني خلال الخمس سنوات من النشاط السري هو عدم معرفة أخبار عائلتي وأيضا هم لا يدرون أين اوجد وماذا افعل وكيف أعيش. لقد علمت غداة الاستقلال حجم المعاناة التي تكبدتها عائلتي نتيجة غيابي الطويل «اختفائي» وكيف تم مضايقتهم بالبليدة من طرف المضليين لإعطائهم معلومات عني بما أنني كنت محل بحث. وبالطبع فقد قاوموا هذه الضغوطات ولم ينطقوا بكلمة بالرغم من التهديدات، الله يرحمهم. حدثينا عن الكتاب الصغير الذي يتكلم عن حياة النساء في القسم النسوي بفرنسا؟ لم يكن هناك كتاب في هذا الموضوع، كان هناك نشرية حول مظاهرات النساء بفرنسا والذي ذكرته في الأعلى. كيف ترون الأمور بعد الاستقلال؟ أعتقد أن الاستقلال بدأ كما هو متوقع في اتفاقيات (إيفيان) تحت سلطة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية التي ترأسها الأخ بن يوسف بن خدة نظم انتخابات رئاسية حرة والتي اتبعت بالانتخابات الحرة للجمعية الدستورية، التي ضمت إطارات سياسية ومجاهدين ومجاهدات حرب التحرير، وأيضا أظن أن الجزائر هيكلت على قواعد بيان أول نوفمبر وميثاق الصومام. أي دولة قانون التي تضمن حرية الفكر، التعبير والدين، وأين يكون المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات. كفاحنا ضد الاستعمار كلف سقوط الكثير من الشهداء وثورتنا ضد اكبر قوة استعمارية آنذاك أكسبتنا احترام شعوب العالم. أتذكر أنه في اليوم الموالي للاستقلال استقبلت الجزائر العديد من الأجانب ومن كل الجنسيات خاصة ممثلي الحركات التحررية في العالم، وأصدقاء الجزائر من اطباء، مهندسين وأساتذة الذين قدموا خدماتهم للمشاركة في إعادة بناء الجزائر. خمسون سنة بعد الاستقلال الواقع يبدو لي بعيدا بالرغم من التحسن المهم في شروط حياة السكان لاسيما في المدن. وأعرب عن استيائي من عدم المساواة الاجتماعية التي لا تطاق، ومن سلطة المال السهل وسلطة علاقات الوساطة للحصول على بعض الحقوق، والحرمان من التعليم الذي يمنع نهضة شبابنا، وكذا الهجرة الجماعية للجامعيين نحو الخارج وغيرها من المشاكل. لكنني أثق في شبابنا الرائع الذي أثبت في العديد من المرات حبه للجزائر لاسيما في مواجهة الأعداء التي تحاول تدمير الجزائر، ورفع النساء والرجال تحدي التنمية الحديثة لأمتنا.