بحثا عن العمل يلجأ الكثير من الشباب للاشتغال في مهن مختلفة، يعرضها أصحاب فنادق ومطاعم وورشات البناء ومختلف المحلات، طمعا في مقابل مادي مقبول يكون في مستوى الجهد المبذول، لكن المقبلين على مثل هذه الأعمال يصطدمون بواقع آخر غير الذي يظنونه. لعل الجميع لاحظ انتشار المقاهي والمطاعم ومحلات بيع الألبسة بشكل كبير في جميع ولايات الوطن، تعرض مختلف الأكلات والملابس الفاخرة، وكل مقبل عليها تستوقفه تلك الوجوه الشبابية التي تحاول بكل الطرق ارضاء الزبائن، وفي نفس الوقت ارضاء اصحابها الذين يجدون في هذه الفئة وسيلة للربح. وعلى غرار المطاعم والمحلات نجد ورشات البناء التي بدورها تستقطب العديد من الشباب البطال، لكن بقدر ما يراها البعض متنفسا للشباب للحصول على عمل، بقدر ما تخفي وراءها اسرارا لا يعرفها إلا من يعيش الوضعية من الداخل، وتختلف قصص هؤلاء من شاب لأخر لكن كلها تصب في خانة الاستغلال غير الإنساني من طرف أناس همهم الوحيد الربح. 4 أشهر عمل مضنٍ نتيجتها كسر في اليد وتسريح دون قبض الراتب والتعويض ياسين.ب 19 سنة، يحكي لنا قصته بمرارة عن تجربته بأحد المطاعم بالجزائر الوسطى، الذي التقيناه في حالة نفسية منهارة، نظرا لظروفه الاجتماعية الصعبة. يقول ابن باب الوادي عن اقباله للعمل بالمطعم «شد انتباهي وأنا أمر بأحد أحياء الجزائر الوسطى بناية جميلة ذات الألوان الزاهية بمدخل رائع، ولما اقتربت منها تأكدت أنها ''بيتزيريا ومطعم''، وبحكم اني كنت أبحث عن عمل منذ مدة أي منذ توقفي عن الدراسة في السنة الثانية ثانوي، جاءتني فكرة الدخول واستفسار صاحب المطعم إن كان يبحث عن عامل، لكني ترددت لأني شعرت بأن المكان أكبر مني لفخامته، لكن ومع مرور الأيام تخلصت من ترددي ودخلت المطعم، استفسرت صاحبه إن كان يبحث عن عامل، وبمجرد ما انتهيت من كلامي أمرني بالانطلاق مباشرة في العمل كغاسل للأواني. في نفسي لم اكن ارغب البدء في تلك اللحظة، لكني قبلت الامر خوفا من ضياع الفرصة. بدأت العمل دون ان اسأله عن الأجر والأمور التنظيمية داخل المطعم، ولكن فرحتي لم تدم طويلا بعد ان اكتشفت صاحب المطعم على حقيقته، بتصرفاته وتعاملاته اللاإنسانية معي وحتى مع باقي الزملاء، والعبارات والكلام البذيء الذي يستعمله لتقديم الأوامر، ضف الى ذلك فرضه عليّ القيام بعمل اضافي يحرمني من اخذ راحة، إذ أبدأ العمل على الساعة 8 صباحا دون توقف ولو لحظة قصيرة حتى الرابعة مساء، اصبت بالإحباط لكني تحملت لحاجتي الماسة للمال لأعيل به نفسي، أمي وإخوتي، لاني فقدت أبي لما كنت في سن ال8، وبعد تقريبا مرور شهر على بدئي العمل كنت انتظر ان يمنحني أجر تعبي، لكن صاحب المطعم لم يفعل، قررت الاستفسار فقال لي انه يمنح اجر العامل الجديد بعد شهرين، اصبت بالذهول من رد فعله هذا لكني تحملت وواصلت العمل، وبعد شهرين منحني مبلغ مفاجئ 20000 دج اي ان اجري الشهري 10000، فكرت في التوقف لكني استمريت، ليأتي اليوم الذي لن انساه في حياتي»، توقف قليلا وطأطأ رأسه من شدة الألم ثم واصل الحديث «بعد 4 اشهر و29 يوما بالتحديد على وجودي بالمطعم، وفي لحظة كنت اغسل فيها الأواني سقطت على جانبي الأيسر، شعرت بأوجاع كبيرة في يدي اليسرى فهرول الجميع لمساعدتي إلا صاحب المطعم، الذي بقي يتفرج دون أن يكلف نفسه عناء أخذي إلى مستشفى في سيارته، وقام بمداواة الجرح الذي اصابني بالأدوية التي يملكها، وتركني أذهب وحيدا للمستشفى دون أن يمنحني مبلغا ماليا، وبعد التحاليل التي قمت بها تأكدت من اصابتي بكسر في اليد اليسرى، وبعد يومين من الحادث عدت للاستفسار عن تعويضات الاصابة وطلب الحصول على راتبي، فقال لي عد بعد 15 يوما لان عليّ ديون، تعجبت وعدت خائبا. وبعد 15 يوما شفيت نوعا ما من الكسر، قررت العودة للمطعم للعمل وفي نفس الوقت للحصول على مالي، فكان رده اكثر قسوة حيث قال لي انه لا يحتاجني لأنه وظف عاملا أخر، ولما استفسرته عن اموالي قال انه لا يمنح المال لمن جاءني للعمل ويده مكسورة، ورغم الحاحي عليه بقي على رأيه، ولحد الان لم احصل على راتبي لشهر وتعويضات الكسر». وفي تفصيله لظروف العمل قال ياسين «العمل يومي دون إنقطاع، ومن بين العمال شابات وجامعيين يعملون كنادلين من مناطق داخلية يعانون من سوء المعاملة والأجر الضعيف، وضعيتهم الاجتماعية دفعتهم للعمل بالمطعم، كما أن صاحبه له سياسة خاصة في التوظيف، إذ في كل مرة يوظف عمال جدد معياره في ذلك الشاب الذي ''يَسْمَحْ في حَقُو''، كما أنه حسب معرفتي لديه أصدقاء لهم شأن كبير في مختلف الهيئات، يسدون له خدمات مقابل الأكل مجانا خاصة فيما يتعلق الضرائب، وهذا ينطبق حسب تجربتي على باقي المطاعم، لأن اصحابها يلهثون وراء الاموال وفقط. لكن ما لم افهمه لماذا يقوم هؤلاء بمثل هذه الأمور تجاه شباب بطال محتاج دون أن يحاسبهم أحد» . نفس الظروف تقريبا سردها لنا (فاروق.ع 24 سنة)، وهو نادل بأحد مطاعم درارية من بوغني (تيزي وزو)، موضحا أنه يعمل 13 ساعة يوميا من 8 صباحا إلى 16، ثم من الساعة 18 الى غاية ال23 ليلا وفي بعض الاحيان إلى غاية الواحدة صباحا خاصة في فصل الصيف، براتب لا يتجاوز 25000 دج دون تأمين. حتى أن المال الذي يقدمه الزبائن مقابل الخدمة ''بُورْبَوارْ'' يأخذه صاحب المطعم، في سلوك اعتبره فاروق سرقة إضافة كما قال إلى سلوكاته وكلامه البذيء مع جميع عماله . طلبت الإذن لرؤية أبي فخيرني بين العمل أو الطرد نهائيا لوناس.ك 23 سنة، من بلدية صدوق ولاية بجاية كان يعمل مُحضّر «بيتزا» بمدينة بجاية مدة 4 سنوات، روى لنا حادثة وقعت له مع صاحب مطعم البيتزا، عندما طلب منه أن يمنحه أسبوع عطلة حتى يتمكن من لقاء أبيه الذي عاد لبلديته من فرنسا لم يره لوناس مدة 16 سنة، لكن صاحب المطعم رفض بحجة أن الفترة غير مناسبة لتركه العمل مدة أسبوع (فصل الصيف الذي يكثر فيه الطلب على البيتزا)، وخيّره بين البقاء أو الذهاب لرؤية أبيه، الذي يعني الطرد النهائي «فلم يكن أمامي سوى اختيار الذهاب لرؤية الأب والنتيجة الطرد، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ رفض منحي راتب شهر، ولم احصل عليه حتى الآن رغم ترددي على المطعم وإلحاحي على صاحبه لكن دون جدوى». وعن الأجر الذي كان يحصل عليه صدمنا بإجابته عندما قال انه كان يحصل على 15000 دج ل8 ساعات على مدار الاسبوع. وعندها قاطعه احد اصدقائه الذي كان يجلس بجانبه، وأشار إلى أن لوناس يشهد له جميع عمال ذلك المطعم بالجدية والتفاني في العمل، لكن كل هذا لم يشفع له لان صاحب المطعم كما قال جشع يبحث عن المال وفقط. شهران عمل بدون مقابل جمال.ب 26 سنة، ابن الرغاية متحصل على ليسانس حقوق حاجته للمال دفعته للبحث عن أي وظيفة، وفي أحد الأيام وهو يطالع صفحة الإعلانات بجريدة وجد إعلانا لمحل بيع الألبسة بالعاصمة يبحث عن مضيف، فاتصل به وانطلق في العمل في اليوم التالي، ولما استفسر صاحب المحل عن الراتب رد عليه بالقول انه سيجربه مدة معينة ثم يقرر قيمة الأجر، فما كان على جمال إلا القبول، لكن المفاجأة انه بعد شهرين قرر صاحب المحل التخلي عنه، بدعوة انه لا يجيد العمل، والأكثر من ذلك انه لم يحصل على اي سنتيم. نفس القصة تنطبق على (سمير.م) ابن البليدة، الذي اقبل على فندق للعمل واشترط عليه صاحبه ان يجربه مدة شهر رغم الشهادة التي يملكها من معهد تيزي وزو للفندقة، وبعد شهر سرحه ولم يقبض سوى 2000 دج، تأكد فيما بعد من بعض من عمل معهم انه وظف في مكان احد العاملين الذي اخذ راحة شهر. وفي ورشات البناء حدث ولا حرج، إذ يعاني الشباب من «الأشغال الشاقة» في ظروف تحمل الكثير من المخاطر دون تأمين، وفي كثير من الأحيان تأخير في دفع الأجور تمنعهم من الأكل لأيام، خاصة وأن أغلبهم قادمون من مناطق داخلية. هي مجرد عينة من شباب يعاني في صمت من استغلال غير إنساني من طرف أصحاب مقاهي، فنادق، مطاعم، محلات، مخابز، ورشات البناء... تستدعي اتخاذ إجراءات ردعية من طرف الجهات المسؤولة، لوضع حد لهذا الاستغلال وبالتالي حماية حقوق شباب في حاجة ماسة لعمل.