رئيس الجمهورية: متمسكون بالسياسة الاجتماعية للدولة    رئيس الجمهورية يؤكد أن الجزائر تواصل مسيرتها بثبات نحو آفاق واعدة    الشروع في مراجعة اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوربي السنة القادمة    المطالبة بمراجعة اتفاق 1968 مجرد شعار سياسي لأقلية متطرفة بفرنسا    تنظيم مسابقة وطنية لأحسن مرافعة في الدفع بعدم الدستورية    مراد يتحادث مع المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة    صدور مرسوم المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي    الكشف عن قميص "الخضر" الجديد    محلات الأكل وراء معظم حالات التسمم    المعارض ستسمح لنا بإبراز قدراتنا الإنتاجية وفتح آفاق للتصدير    انطلاق الطبعة 2 لحملة التنظيف الكبرى للجزائر العاصمة    عدم شرعية الاتفاقيات التجارية المبرمة مع المغرب.. الجزائر ترحب بقرارات محكمة العدل الأوروبية    رئيس الجمهورية: الحوار الوطني سيكون نهاية 2025 وبداية 2026    ماكرون يدعو إلى الكف عن تسليم الأسلحة لإسرائيل..استهداف مدينة صفد ومستوطنة دان بصواريخ حزب الله    العدوان الصهيوني على غزة: وقفة تضامنية لحركة البناء الوطني لإحياء صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: فيلم "ميسي بغداد" يفتتح المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة    للحكواتي الجزائري صديق ماحي..سلسلة من الحكايات الشعبية لاستعادة بطولات أبطال المقاومة    البليدة..ضرورة رفع درجة الوعي بسرطان الثدي    سوق أهراس : الشروع في إنجاز مشاريع لحماية المدن من خطر الفيضانات    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي يعود بعد 6 سنوات من الغياب.. الفيلم الروائي الجزائري "عين لحجر" يفتتح الطبعة ال12    الجمعية الدولية لأصدقاء الثورة الجزائرية : ندوة عن السينما ودورها في التعريف بالثورة التحريرية    رئيس جمهورية التوغو يهنئ رئيس الجمهورية على انتخابه لعهدة ثانية    بيتكوفيتش يعلن القائمة النهائية المعنية بمواجهتي توغو : استدعاء إبراهيم مازا لأول مرة ..عودة بوعناني وغياب بلايلي    الرابطة الثانية هواة (مجموعة وسط-شرق): مستقبل الرويسات يواصل الزحف، مولودية قسنطينة ونجم التلاغمة في المطاردة    اثر التعادل الأخير أمام أولمبي الشلف.. إدارة مولودية وهران تفسخ عقد المدرب بوزيدي بالتراضي    تيميمون: التأكيد على أهمية التعريف بإسهامات علماء الجزائر على المستوى العالمي    بداري يعاين بالمدية أول كاشف لحرائق الغابات عن بعد    حوادث المرور: وفاة 4 أشخاص وإصابة 414 آخرين بجروح خلال ال48 ساعة الأخيرة    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 41825 شهيدا    بلمهدي يشرف على إطلاق بوابة الخدمات الإلكترونية    لبنان تحت قصف العُدوان    البنك الدولي يشيد بالتحسّن الكبير    شنقريحة يلتقي وزير الدفاع الإيطالي    يوم إعلامي لمرافقة المرأة الماكثة في البيت    إحداث جائزة الرئيس للباحث المُبتكر    أسماء بنت يزيد.. الصحابية المجاهدة    دفتيريا وملاريا سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل القاطنين    الأمم المتحدة: نعمل "بشكل ثابت" لتهدئة الأوضاع الراهنة في لبنان وفلسطين    سايحي: الشروع قريبا في تجهيز مستشفى 60 سرير بولاية إن قزام    الجزائر حاضرة في مؤتمر عمان    طبّي يؤكّد أهمية التكوين    استئناف نشاط محطة الحامة    بوغالي يشارك في تنصيب رئيسة المكسيك    افتتاح الطبعة ال12 لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    الرابطة الثانية هواة (مجموعة وسط-شرق): مستقبل الرويسات يواصل الزحف, مولودية قسنطينة و نجم التلاغمة في المطاردة    صحة: تزويد المستشفيات بمخزون كبير من أدوية الملاريا تحسبا لأي طارئ    رابطة أبطال إفريقيا (مرحلة المجموعات-القرعة): مولودية الجزائر في المستوى الرابع و شباب بلوزداد في الثاني    الجزائر-البنك الدولي: الجزائر ملتزمة ببرنامج إصلاحات لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة والشاملة    ديدوش يدعو المتعاملين المحليين للمساهمة في إنجاح موسم السياحة الصحراوية 2025/2024    سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل قاطني المناطق التي شهدت حالات دفتيريا وملاريا بالجنوب    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    كأس افريقيا 2025: بيتكوفيتش يكشف عن قائمة ال26 لاعبا تحسبا للمواجهة المزدوجة مع الطوغو    توافد جمهور شبابي متعطش لمشاهدة نجوم المهرجان    هذا جديد سلطة حماية المعطيات    خطيب المسجد النبوي: احفظوا ألسنتكم وأحسنوا الرفق    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    عقوبة انتشار المعاصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



'الإكرامية' عند الجزائري بين الكرم والكرامة
نشر في الشروق اليومي يوم 21 - 11 - 2007

كم من مرة وجدت نفسك تدفع مبلغا إضافيا، مجبرا أو عن طيب خاطر، على ثمن وجبتك بمطعم أو فنجان قهوة بمقهى أو أن تقدم ضريبة غير معلنة لصاحب محل يتكرر تبضعك منه..تصرف يحبذه البعض ويبغضه البعض الآخر وبين الرأيين نتعرف على حقيقة "الإكرامية" أو "le pourboir" في المجتمع الجزائري..من دون أن تقدموا أي إكرامية.
في العديد من مناطق الجزائر تُعرف ب' القهوة' أو 'قهوتو' أما في المشرق العربي فتلقب ب'البقشيش، الإكرامية أو الحلاوة'، في حين يُطلق عليها في الدول الفرونكفونية اسم 'le pourboir' بينما إختصرها الإنجليز في 'TIPS' وهي إختصار لعبارة في اللغة الإنجليزية تعني بالعربية 'من أجل خدمة سريعة'. ولايقتصر الإختلاف بين الشعوب في تسميتها وحسب بل يتعداه إلى نظرة وموقف هذه الشعوب من تقديمها وكيفية التعامل معها بين مُرحب بها بوصفها سبيلا لمساعدة الغير، ومُوجب لها لأسباب تتعلق بثقافة المدينة والتحضر وطبيعة الإقتصاد الرأسمالي، وآخرون يعتبرونها نوعا من الإهانة أو شكلا من أشكال الرشوة في حين أدمجها بعض أرباب العمل في رواتب العمال.
"البقشيش" أم "البخشيش".. من الإنجليز إلى الأتراك فالجزائر
هي ظاهرة ليست بالحديثة عند شعوب العالم وإن كانت مستحدثة في ثقافة الجزائري، إذ يعتبر الإنجليز أول من قدموا لنادلي المطاعم والمقاهي عام 1652 مبلغا إضافيا عن ثمن الوجبة حسب مراجع التاريخ في ثقافات الشعوب.
أما في العالم العربي، فيعود أصل البقشيش الى الأتراك الذين شكلوا جزءاً كبيراً من ثقافة المنطقة، حيث يعود أصل كلمة بقشيش الى 'بخشيش' التركية وتعني ما يُقدم لمن يؤدي خدمة تافهة، إذ يُربط ظهورها في الجزائر بفترة الحكم العثماني من تاريخ الجزائرالقديم. ورغم إمتداد جذورها التارخية في المجتمع الجزائري إلا أنها لم تتغلغل فعليا في الحياة اليومية للجزائري إلا في الآونة الأخيرة لتتعدى حدود "الأتكيت" إلى دائرة الضروريات.
في مطاعم ومقاهي 'الهاي' تدفعها رغما عنك
وإن يبدو دفع مبلغ إضافي للنادل في مطاعم أومقاهي الأحياء الشعبية والبسيطة بالتصرف الغريب والنادر فإنه يعتبر في مطاعم الفنادق والمناطق السياحية وكذا قاعات الشاي ومقاهي الأحياء الراقية وفضاءات الخمس نجوم تصرفا طبيعيا بل ضروريا في بعض الأحيان، كما هوالحال مع 'جميلة.ب' الذي تعرضت إلى موقف حرج بأحد مطاعم اسطاولي الفاخرة، فبعد تناولها لوجبة "مميزة" قدم لها النادل فاتورة الوجبة التي كانت ضخمة بفخامة المطعم، ورغم دفعها ثمن الوجبة للنادل إلا أنه لم يبرح مكانه ما أثار تعجب جميلة لتسأله "هل هناك مشكلة..أم أنك أخطأت في الحساب؟" فرد عليها النادل بكل ثقة نفس"لا..ثمن الخدمة فقط .. البقشيش من فضلك"، لتجد نفسها مجبرة لأن تقدم مابقي في حقيبتها من نقود.
في حين يرفض الكثير من نادلي المطاعم والمقاهي خاصة في الأحياء الشعبية أخذ بقية النقود أو 'الصرف' الذي يقدمه الزبون بطيب نية والتي يقابلها يوسف، نادل بمطعم في حي بروسات بالعاصمة بقوله: "كرامتي أكبر من بقية نقود'صرف' يتركها لي زبون..انا أعمل هنا وأتقاضى مرتبي ولا أطلب الصدقة من أحد".
في صالونات الحلاقة.. مقام الزبونة من قيمة 'البقشيش'
أما في صالونات الحلاقة فالظاهرة تعرف إنتعاشا أكثر خاصة وأن النساء هن الأكثر تقليدا للغرب وإتباعا للموضة وإن ارتفعت ضريبتها. فبعد أن غدت الإكرامية "إتيكيت" حضاري ومقياس للتظاهر بالتحضر والرفاهية القادمة من الغرب فإن دفعها للعاملات بصالونات الحلاقة في مختلف مناطق الجزائر الراقية منها وحتى الشعبية بات ضرورة لا مناص منها، إذ تقول الآنسة إيمان، أستاذة جامعية، :"لامفر من دفع البقشيش حتى تتذكرك الحلاقة، وإن كنت معارضة للفكرة إلا أنني أدفعه حتى تستقبلني المرة القادمة من عتبة الباب وتقدم لي أفضل الخدمات".
بينما أوضحت السيدة وردة.أ، طبيبة، : "أنا أقدم البقشيش في صالونات الحلاقة للعاملات به اللواتي يغسلن شعري فهن الأقل مرتبا في الصالون وماأقدمه لهن من باب الصدقة والمساعدة ليس إلا" في حين أكدت السيدة نادية.ح، موظفة ببنك، "أنا أقدم البقشيش حتى أحظى بمعاملة مميزة فقانون صالونات الحلاقة هو من يدفع أكثر يلقى الأفضل".
في الدوائر العمومية والحكومية..بقشيش أم رشوة؟
إلى حد الآن كل شي قيل عن الإكرامية يمكن قبوله بإعتبار أن الحديث لم يمس سوى مطاعم وصالونات حلاقة وكلها تابعة للقطاع الخاص الذي يجعل الربح هدفه الأسمى أما أن تطول ظاهرة "الإكرامية" المؤسسات العمومية والدوائر الحكومية فإن القضية تأخذ منعرجا آخر بإعتبار أن جميع المواطنين سواسية أمام مؤسسات الدولة ودوائرها، إلا أن إغراء الإكرامية الذي لايقاومه معظم موظفي المؤسسات العمومية الذين يطلبونها صراحة في بعض الدوائر الحكومية.
إذ يؤكد السيد عاشور.ن، متقاعد ومجاهد في الثورة التحريرية، أنه توجّه لإحدى مكاتب دراسة ملفات منحة المجاهدين التابعة لوزراة المجاهدين قصد إكمال ملفه الإداري فإذا بموظف الإستقبال يقترح عليه تمرير ملفه في المقدمة أمام لجنة الدراسة مقابل مبلغ مالي بقوله 'الحاج،أنت وصلت متأخرا جدا ولا اظن أن ملفك سيقبل اليوم وسيطلب منك الرجوع الأسبوع المقبل ويعني هذا أن ملفك لايدرس إلا بعد ثلاثة اشهر أو أكثر..مارأيك أن أمرره لك مقابل 'قهوتي'".
كما إخترقت "الإكرامية" أسوار المستشفيات لتتحكم في مواعيد المرضى وتُقدم ملفاتهم الصحية وتأخرها، إذ يكشف الممرض رفيق.س عن تجاوزات بعض الممرضين وحتى الأطباء "هناك العديد من الممرضين يتجولون في الأروقة يتصيّدون الحالات والأشخاص خاصة كبار السن والنساء وبين توجهيهم أو بإدخالهم لطبيب يصفونه بالأحسن في المستشفى أو بوعدهم بتمرير ملفهم الصحي بسرعة قصد الإستفادة من الفحص أو العملية في أقرب وقت مقابل بعض من المال جزاء لهم عن خدمتهم وإن كانت الظاهرة اقل بين الأطباء الذين يفضلون تبادل الخدمات مع مرضاهم عوض المقابل المادي".
عمال يجعلون منها راتبا شهريا إضافيا..
ومن جانب آخر ساعدت "الإكرامية" في تقليص الفجوة بين زهد الراتب الشهري وضعف القدرة الشرائية لدى العامل البسيط الذي يستفيد من هذه "الإكرامية" التي عادة ما يُشكل تراكمها راتبا شهريا إضافيا، حيث يُوضح لطفي.س، طالب و عامل بمحل متعدد الخدمات، " لولا الإكرامية لما عملت في هذا المحل لأن الراتب الشهري جد ضئيل إلا أنني بإضافة ما أجنيه من الإكراميات التي تقدم لي إلى راتبي الشهري يكون مدخولي مقبول"، ويضيف "ربي يكثر خير الكرماء والحمد لله فموقع المحل أمام العديد من المؤسسات الإقتصادية والمطاعم يجعل من المحل قبلة ل"أصحاب الشكارة" الذين يُقدمون "البقشيش" للتباهي أم لكرمهم أم لسبب آخر.. المهم أنني أتقاضى مرتبا شهريا آخر بفضل هذه الإكرامية".
الإكرامية من المستحب إلى الحرام
وفي إتصال مع الشيخ يوسف، إمام مسجد العربي تبسي بحي البحر والشمس بالعاصمة، أوضح ان "الإكرامية" تخرج في بعض الأحيان من باب الإستحباب لمافيها من مساعدة للغير بإعطاء جزء من مال الغني للفقير قصد تحقيق التكافل الإجتماعي لدائرة الحرام إن كان تقديم هذه النقود للعامل قصد الظفر بمعاملة أحسن أو للتعجيل في المعاملة إذ يتسبب ذلك في عدم العدل وتدفع العامل للتفريق بين من يقدم ومن لايقدم الإكرامية عند تأدية عمله، فالأصل في الإكرامية هو الإستحباب إن إقترن بنية طيبة صالحة، أو أنه مباح إن لم يقترن بنية إلا أن 'الإكرامية' تصير حراما إن اقترنت بمانع شرعي وفي الأغلب هو عدم العدل.
زين العابدين جبارة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.