مقراني: غلق الباب أمام كل دخيل يريد شراء الأصوات يضع الرئيس عبد المجيد تبون «النّزاهة» كأهم عامل في الانتخابات التشريعية المبكّرة المقرّرة يوم 12 جوان المقبل، ومن أجل ضمانها كرّس في قانون الانتخابات الجديد ضوابط تضع حدّا لممارسات سياسية «لوّثت» العملية الانتخابية، فألغى نظام «الكوطة» الذي «نفخ» أحزابا لسنوات ومنحها أكبر من حجمها، واعتمد المناصفة بدل المحاصصة، ونمطا انتخابيا بالقائمة المفتوحة، يمنح للناخب حرية اختيار ممثليه حسب الجدارة والاستحقاق، ولا يجبره على انتخاب قائمة تضم أسماء أو تمثيل نسوي بسبب شرط أو بغيره. تنشد السلطة والأحزاب السياسية على السواء، تنظيم تشريعيات بعيدا عن هاجس «التزوير»، والتخلص من ممارسات سياسية تجذّرت منذ سنوات، غذّاها استعمال المال الفاسد، واعتماد نظام «محاصصة» منح التشكيلات السياسية مقاعد في المجالس المنتخبة أكبر من وزنها وقواعدها الشّعبية. وقد أكّد الرئيس في لقائه مع ممثلي وسائل إعلام وطنية، الأحد الماضي، أن زمن «الكوطة انتهى»، في إشارة لنظام المحاصصة الذي ساد معظم الانتخابات السابقة، واستفادت منه أحزاب من التيار الإسلامي والديمقراطي، بعضها يقاطع اليوم الموعد الانتخابي، ليس تشكيكا في نزاهته ولكن لعلم قادتها جيدا مثلما قال الباحث في الشؤون السياسية والقانونية الأستاذ محمد مقراني ل «الشعب ويكاند»، إنّ «الانتخابات لن تعود عليهم بالفائدة، ولن تمنحهم لا مقعدا لرؤسائها ولا أمنائها العامين ولا لمناضليها البارزين، ولا حتى للقواعد الانتخابية التي هي معولة عليها، بحكم أنّ أحزابهم ظرفية واعتادت أن تمنح الكوطة من طرف النظام السابق، الذي كان يوزع المقاعد على حسب الانتماء والولاء له مثل حزب العمال، الذي اعتاد على المشاركة في كل الاستحقاقات إلى غاية انتخابات 2017 والأفافاس الذي كان يحوز على مقاعد في البرلمان السابق ونوابه كانوا يتقاضون أجورا، وبعض الأحزاب المجهرية التي لا يمكنها جمع نسبة من التوقيعات، وتؤكّد من جديد أنّها كانت تلمع أسماء أشخاص ولم تكن أحزاب بمشاريع هادفة تريد تقديم إضافة للساحة السياسية أو التمثيل الجدي للمواطن». وتعهّد الرئيس بالقضاء على هذه الظاهرة السياسية عبر «انتخابات نزيهة وشفّافة يكون فيها الشّعب سيّد القرار» خلال الانتخابات التشريعية المبكرة التي ستجرى في 12 جوان المقبل. وقال «نأمل أن يدرك الشّعب الجزائري أنّنا بصدد بناء دولة جديدة يكون هو أساسها من خلال اختياراته»، داعيا إلى التّصويت بقوة، وأن تكون نسبة التصويت «عالية». القائمة المفتوحة تكرّس مبدأ الاختيار تغيير النمط الانتخابي من القائمة المغلقة إلى المفتوحة، قرار أملته الحاجة الملحّة لأخلقة الحياة السياسية وقطع دابر الفساد، وتغوّل المال الفاسد، ووضع حدّ للمتاجرة بقوائم الترشيحات وشراء المقاعد والذمم باستعادة ثقة المواطن في العملية الانتخابية، واسترجاع هيبة مؤسّسات الدولة بإسقاط عنها تهمة التزوير. وشهدت الانتخابات التشريعية لسنة 2017، أكبر عملية متاجرة بالقوائم، حيث وصل سعر المقعد على رأس القائمة 7 مليار سنتيم بشهادة أحد نواب الحزب العتيد المتواجد في السجن بتهم فساد، وهو ما جعل المواطنين يطلقون وصف «برلمان الشكارة» على الهيئة التشريعية، ويرفضون كل ما تشرعه لأنّها بنظرهم «منقوصة الشّرعية»، حتى أنّهم طالبوا في الحراك الشعبي أكثر من مرّة بحل البرلمان وإجراء انتخابات مسبقة، تفرز مجلسا شرعيا، منتخبا من طرف الشعب، وهو ما استجاب له رئيس الجمهورية، حينما أعلن عن حلّ المجلس الشعبي الوطني وتنظيم تشريعيات مبكرة، تعيد الهيبة لهذه المؤسسة، وتعيد وصل حبل الثقة بين الشعب وممثليه. «المال»..الأفكار والتّكوين يقول الأستاذ مقراني «إنّ اعتماد النّمط الانتخابي القائم على القائمة المفتوحة يحذف أهم نقطة كان يتصارع عليها أصحاب المال الفاسد المتمثلة في شراء المقاعد، ويجبر أي شخص يريد الترشح على غير العادة، على امتلاك مشروع يثبت جدارته أمام المواطن ويكسب ثقته حتى يعوّل عليه في الانتخابات ويمنحه صوته، واختيار ممثلا له». وأكّد أنّ «المال لن ينفع بقدر ما تفيد الأفكار والتكوين، وأهم شيء اكتساب ثقة الناخب». ويضع النّمط الانتخابي الجديد المواطن - يضيف مقراني - ضمن إطار يتركه يختار ممثليه حسب كفاءتهم، ولا يجبر على انتخاب قائمة تضم بعض الأسماء أو حتى التمثيل النسوي بسبب شرط أو غيره. واسترسل قائلا: اليوم المواطن الجزائري بإمكانه اختيار وتفضيل أي مترشح على حساب الآخر، لأنّ القائمة المفتوحة تكرّس مبدأ الاختيار والديمقراطية التامة للمواطن، الذي سيكون أمام تحدّ جديد يواكب العصرنة والديمقراطية التي يطمح لها كل فرد، في اختيار ممثليه داخل البرلمان. وأضاف «تظهر بوادر نزاهة الانتخابات في ضمانات السّلطة المستقلة التي تجسّدت في استفتاء تعديل الدستور، وكشفها للنتائج الانتخابية للكتلة الناخبة دون تضخيم مثلما اعتدنا». المناصفة ليست حجر عثرة يعد قانون الانتخابات الجديد الرّكيزة الأساسية لنزاهة الانتخابات لما يحمله من جملة جديدة من القوانين، تمثّلت في المناصفة وتشجيع الشباب على دخول عالم السياسة. وقال الباحث مقراني «المناصفة لا تشكّل حجر عثرة أمام الديمقراطية وإنما تفتح الآفاق للكل، حتى المشاركين بقوائم حرّة، وهذا الشرط لا يأخذ به في كل الحالات، وإنما هناك حالات استثنائية تتمثل في المناطق التي ليس فيها تمثيل نسوي كبير أن يسقط هذا الشرط». وذكر مقراني «أنّ نظام الكوطة سابقا كان يعتد به طبقا للقوانين الدولية والاتفاقيات المبرمة من طرف الجزائر لضمان التواجد النسوي في الجانب السياسي وعدم هضم حقوق المرأة، وهذا ما كان يفرض التواجد النسوي على حساب الكفاءة، لذلك شاهدنا الكوارث في المجالس المنتخبة خاصة المجلس الشعبي الوطني إلى درجة أنه أصبح ينعت بأبشع الأوصاف». لكن هذه الوضعية لن تستمر مع التنظيم الجديد، لأنه اليوم حسب مقراني «بإمكان المواطن الاختيار، وبإمكاننا أن نشاهد برلمانا تكون أغلبيته السّاحقة من الرجال، وهذا احتمال وارد وبشكل كبير، وفي حال تمّ الانتخابات على النساء سيتم اختيار الكفاءات لأنّ المواطن لن يمنح صوته لمن يشكّك في قدراته». والمناصفة الجديدة في نظر الباحث في الشؤون السياسية، «لا تجعل المرأة عاجزا وإنما تفتح لها آفاقا جديدة لممارسة السياسة، وتعطي للمواطن الخيار التام في اختيار ممثّليه سواء كانوا نساء أو رجالا، كما أنّها تشجّع الشباب على المشاركة السياسية، يمنح ضمانات جديدة تتمثّل في الجانب المالي، مع تحييد المال الفاسد عن الحملات الانتخابية». ويتوقّع الأستاذ مقراني أن تكتسح القوائم الحرّة السّاحة السياسية دون إغفال الأحزاب ذات القواعد الشّعبية مثل حزب التجمع الديمقراطي «الأرندي» وجبهة التحرير الوطني «الأفلان»، ولكن لا يمكن إغفال أنّ القوائم الحرّة ستكون بقوّة من جهة، لأنّ الأحزاب التي تقاطع الانتخابات، بدأ مناضلوها في الانشقاق عنها للترشح ضمن قوائم حرّة للمشاركة في الانتخابات. وختم مقراني بالقول «إنّ الجزائر ستشهد تجربة جديدة تتمثل في غياب النّتائج المسبقة للانتخابات بل أصبحت منعدمة، لعجز بعض الأبواق الوصول إلى المعلومة الحقيقية بسبب السرية التي تشهدها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، ليبقى الشعب يشكّل عنصرا مهما للمراقبة والمحافظة على صوته، وعدم ترك الباب مفتوح أمام أي دخيل يريد شراء أصواتهم التي تعد حجر بناء الوطن». ويتحمّل المواطن جزءا من مسؤولية ضمان نزاهة الانتخابات، بالتوجه إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بصوته، وعدم ترك الساحة فارغة لمن يتربّصون بأصواته. وتوقّع الأستاذ مقراني مشاركة أكبر للمواطنين في التشريعيات بحكم أنّها «ضمن اهتماماته والمنتخب أقرب إليه قد يكون ابن حيه، أو أحد أفراد عائلته، أو صديقه، لذلك نجده يصوّت، عكس الانتخابات الرئاسية والاستفتاء».