سيكون لزاما على وزراء حكومة عبد العزيز جرّاد 35 البقاء بمكاتبهم والعزوف عن الخرجات الميدانية، قُبيل انطلاق الحملة الانتخابية في 17 ماي الجاري، إلى غاية انتهائها يوم 8 جوان الداخل، وهذا استكمالا للوعود السابقة التي قطعها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبّون على نفسه، بالمضيّ نحو انتخابات نزيهة وشفّافة، بعيدة كلّ البعد عن الممارسات السّابقة، وإبعاد استخدام وسائل الدولة للدعاية الانتخابية، مهما كان نوعها. بالرّغم من أنّ التشكيلة الحكومية للوزير الأوّل عبد العزيز جرّاد، هي حكومة «تكنوقراط»، بعيدة كلّ البعد عن «المعطى الحزبي»، إلاّ أنّ الرئيس أبى إلا أن «يحجر» على نشاطات الوزراء «بأمر رئاسي» اتخذه في آخر اجتماع لمجلس الوزراء، يقضي ب «توقيف كلّي للنشاطات الميدانية لأعضاء الحكومة قٌبيل وخلال الحملة الانتخابية». وقد يتساءل البعض عن سرّ هذه الخطوة، بما أنّ تشكيلة الوزير الأول غير «متحزّبة» بتاتا، ولا تمتّ بصلة إلى ما يحدث في الشارع السياسي، خاصة بعد اجتياز معركة جمع التوقيعات وخوض مرحلة الطعون التي تنتهي يوم 14 ماي الجاري. لكن قراءات المتابعين تذهب إلى الاعتقاد بأنّ الرئيس كان قد تعهد في تصريحاته السابقة، على أن تلتزم الهيئات الرّسمية للدولة الحياد وتنأى بنفسها عن دعم أيّ مرشح من المترشحين، سواء كانوا تابعين لتشكيلات سياسية، أو مترشّحين أحرارا، التزاما منه بعدم الانحياز المطلق للدولة في هذه الانتخابات، التي تتولى تنظيمها لأول مرة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بعد دسترتها، واكتفت السلطات بالدّعم المادي للشباب خلال الحملات الانتخابية، ما شجّع عددا كبيرا منهم على خوض غمار هذه الاستحقاقات. ويرى متابعون أنّ قرار الرئيس يُدرج في خانة تجنّب انتقادات المعارضة التي عادة ما تتهم السلطة بالترويج للانتخابات أو استعمال وسائل الدولة لصالح أيّ مترشح من المترشحين، خاصة إذا ما خرج أحد أعضاء الحكومة إلى ولاية من الولايات 58 خلال فترة الحملة الانتخابية، ما يُعتبر بالنسبة لهم دعما لمترشحي تلك الولاية مثلا، على حساب مناطق أخرى، خاصة إن كان الوزير إبن تلك المنطقة، ما يُجنّبهم شبهات تحوم حول الدولة هي في غنًى عنها. إلى جانب ذلك، فإنّ أبعاد الوزراء عن النشاط الميداني «قُبيل» الحملة الانتخابية، أي أياما قليلة قبل انطلاقها، يعني تجنّب أيّ إحراج للسلطة وإبراز النية في تخلّيها عن ممارسات سابقة، كانت تحدث خلال العقود الماضية، حيث كانت المعارضة تتهم السلطة باستخدام الوسائل المادية للدولة لصالح أحزاب الموالاة سابقا، إلى جانب وسائل الإعلام الثقيلة، حيث انتقدت المعارضة في انتخابات ماضية، خرجات الوزراء إلى الولايات تزامنا مع الحملة الانتخابية، واعتبرتها دعاية انتخابية للسلطة ولصالح الأحزاب الموالية لها. كما تعتبر خرجات الوزراء خلال فترة الحملة أيضا، محاولة لقاطني القصر الحكومي التأثير على الناخبين ومغازلتهم بالتّوجه نحو صناديق الاقتراع في ظلّ وجود مخاوف من عزوف انتخابي، عادة ما تعرفه انتخابات برلمانية سابقة، وتتحول مهام الوزراء الحقيقية في تجسيد المشاريع وإعداد المخططات إلى «دعاة» انتخابيين، في وقت شدّد الرئيس خلال تصريحات سابقة على ضرورة الانتقال من مرحلة سابقة إلى مرحلة جديدة تُبنى عليها «الجزائر الجديد». وبذلك يمكن القول إن الحكومة خلال مرحلة الانتخابات ستكون في راحة من أمرها، وتتفرّغ لعملها «المكتبي»، مما سيسمح بتجسيد تعهدات رئيس الجمهورية بخصوص إحداث قطيعة مع أساليب النظام السابق من جهة، والتفرغ لفتح الحوار مع الشركاء الاجتماعيين في قطاعات عدة، على غرار الصحة، التربية، في ظل بروز حركات احتجاجية وتواصل الحراك الشعبي.