يبدو أن "تجاوزات" الإدارة التي سجلتها أحزاب المعارضة، في المرحلة الأولى من التحضير لتشريعيات الرابع ماي القادم، ستمهد الطريق أيضا لتسجيل أخرى في المرحلة الثانية، أي خلال تنشيط الحملة الانتخابية التي ستنطلق فعالياتها بعد الإيداع النهائي للقوائم المشاركة لمختلف الأطياف الحزبية لدى مصالح وزير الداخلية والجماعات المحلية نور الدين بدوي. ويتجلى هذا التجاوز المحتمل تسجيله في المرحلة الثانية من هذا الحدث السياسي الهام للحياة الديمقراطية للبلاد، من خلال احتمال استعمال واستغلال وسائل الدولة لتنشيط الحملة الانتخابية للوزراء المترشحين ضمن قوائم التشكيلات الحزبية الموالية للسلطة الذين لم يقدموا استقالتهم، وهو ما يخلق فارقا في "تكافئ الفرص" مع المترشحين من الأحزاب المعارضة. وبدأت مختلف الأحزاب السياسية المشاركة في الاستحقاقات المقبلة الشكوى من تجاوزات الإدارة، قبيل انطلاق حملة الانتخابات التشريعية التي من المقرر إجراؤها في الرابع ماي المقبل، في وقت يعد فيه رئيس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات بأن الاستحقاقات المقبلة ستكون نزيهة وشفافة، مدعمة بتصريحات وزير الداخلية والجماعات المحلية نور الدين بدوي. وكان حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية قد أكد أن الإدارة على مستوى بعض ولايات الوطن، خاصة بالجنوب الجزائري، رفضت منح الاستمارات الخاصة بجمع توقيعات الناخبين للأحزاب والمترشحين المستقلين الذين تقدموا لطلبها، بدعوى أن الاستمارات لم تصل بعد، الى جانب العراقيل البيروقراطية المسجلة في عملية سحب الأرقام والمصادقة على الاستمارات. وقال رئيس حزب الارسيدي محسن بلعباس حينها إن ممثلي الأحزاب والمترشحين الذين تقدموا إلى الإدارة لم يحصلوا على الاستمارات الضرورية لجمع التوقيعات، حتى يتمكنوا من الترشح في الانتخابات البرلمانية المقبلة، مثلما ينص على ذلك قانون الانتخابات، الذي يشترط على المترشحين الأحرار والأحزاب التي لم تحصل على نسبة 4 في المائة من الأصوات في الانتخابات الماضية، مجبرين على جمع توقيعات 140 ألف ناخب لكل قائمة، مشيرا بالمقابل الى احتمال استغلال إمكانات الدولة من طرف الوزراء المترشحين لتنشيط حملاتهم الانتخابية، معتبرا أن الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات التي تم استحداثها بموجب التعديل الدستوري الأخير، والتي تم تنصيبها مؤخرا، ستفشل في مهمتها. وكان رئيس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات عبد الوهاب دربال، قد أكد أن الانتخابات المقبلة ستكون نزيهة وشفافة، مشيرا إلى أن الهيئة التي يشرف عليها ستحرص على شفافية ونظافة الاقتراع، وأن الصلاحيات الممنوحة إلى الهيئة التي أقرها الدستور الجديد ستمكنها من التدخل والحرص على السير الحسن للعملية الانتخابية من بدايتها وحتى نهايتها، والموقف نفسه بالنسبة لبعض التشكيلات الحزبية المعارضة المنتمية إلى التيار الإسلامي الذي ابدى رفضه القاطع لاستعمال وسائل وإمكانات الدولة لغرض تنشيط الحملة الانتخابية من طرف الوزراء المترشحين للتشريعيات القادمة. من جهته، قلل رئيس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات عبد الوهاب دربال، من تشاؤم بعض أحزاب المعارضة، التي ترى أن الانتخابات المقبلة ستكون مزورة، بطريقة أو بأخرى، معتبرة استعمال هذه الإمكانات لصالح هذه الفئة "الوزراء المترشحين" شكل من أشكال التزوير، على الرغم من محاولة هذا الأخير إقناعهم أن الجزائر أمام تحدي إصلاح سياسي حقيقي وجاد، وأن هناك تعهدات من المسؤولين على أعلى مستوى في الدولة، من أجل الوصول بالجزائر إلى مرحلة استقرار، مؤكدا آنذاك بالمقابل أن ترشح الوزراء لا يتعارض مع القانون، وأنه من حق أي وزير أن يكون مرشحا، شرط ألا يستعمل وسائل وإمكانات الدولة في الحملة الانتخابية الخاصة به. وتأتي هذه التطمينات لتهدئة المعارضة سواء تلك التي قررت المشاركة في الانتخابات، أو التي فضلت مقاطعتها، ولتقديم المزيد من الضمانات الكافية لإجراء عملية انتخابية شفافة ونزيهة. وبين هذا وذاك يبقى هذا الإشكال المطروح في أذهان المعارضة المشاركة في هذا الموعد الانتخابي الحاسم لها يصنع الحدث قبل التماسه على ارض الواقع، ما يترجم مخاوف هذه الأخيرة من "آلة التزوير" التي تغير من أساليبها من موعد إلى أخرى –حسبها- هاجس يهدد إرساء القواعد الديمقراطية ودولة الحق والقانون. مناس جمال